الأمر من الممكن أن يكون ليس بجديد، فمصر تحارب الإرهاب منذ سنوات عدة، يسقط شهداء من هذا الجانب (عسكريون ومدنيون)، وفى المقابل يلقى متطرفون حتفهم، لكن النتيجة حتى الآن لم تحسم، وإن كانت "يد الدولة"، في مناسبات عدة هي الأعلى. أقباط العريش.. حتى أيام قليلة مضت، لم يكن المصطلح يصلح للاستخدام الإعلامي، فرصاصات الغدر، لم تكن تغتال وفقا ل"الهوية الدينية"، كان الأمر يتم لأنك مصرى، تقتل لأنك رفضت أن يكون للإرهاب موضع قدم على تراب وطنك، ومع تزايد الضربات والمواجهات، بدأت الأمور تأخذ منحنى أكثر خطورة، فالقتل أصبح يفرق بين الضحايا، والقاتل يدرك جيدًا أنه هنا يعزف على "وتر حساس"، لكن الحساسية هنا ليست فيما يتعلق بالدين، لكن الوطن، هو الذي سينتفض، والأيام المقبلة ستشهد اصطفافا أقوى في مواجهة التطرف، مادام بدأ أصحابه في تنفيذ سيناريو "فرق تسد"، وهو سيناريو أثبتت وقائع عدة أنه لا يصلح للتداول أو المشاهدة أو الاستخدام أيضا. سنوات مرت عليهم ولم يسمعوا خلالها إلا صوت الرصاص، وأنوفهم اعتادت تنفس الهواء المعبأ برائحة البارود المختلطة بالدم، ورغم هذا لم يتركوا شبرا من الأرض، قالوا: "هنا ولدنا.. وهنا سندفن"، لكن بعدما تزايدت ضربات الإرهاب، وبدأت الأمور تتجه إلى تصفيتهم بشكل شخصى وواضح، لم يجدوا أمامهم سوى حل "الخروج الآمن والمؤقت"، ليتركوا الأمر برمته للقوات المسلحة، وعناصر وزارة الداخلية للقضاء على بؤر الإرهاب، التي تطاردهم في لحظات خاطفة، سرعان ما تعاود بعدها الاختباء. نزحت عشرات الأسر القبطية عن محافظة شمال سيناء، بعد تكرار استهدافهم من قبل عناصر مسلحة تابعة لجماعة بيت المقدس الإرهابية، خلال الأسبوع الماضى.. عاشوا دون أن يشتكى أحدهم، طالت بعضهم رصاصات الإرهاب -على فترات- قبل أن تقصدهم «بنادق» المتشددين وتفتح أفواهها نحوهم لتقتل 8 على الأقل في الأسبوع الماضي، ولم تترك لهم الدنيا خيارا أفضل من الفرار من «شيطان الإرهاب». ملاك نادي، أحد الأقباط الذين نزحوا عن مدينة العريش، والذي يعمل بمديرية التربية والتعليم، أكد أنه بعد تكرار استهداف الأقباط على أيدى مسلحين بيت المقدس، خلال الفترة الماضية قرر العشرات من الأسر المسيحية ترك المدينة خوفا من بطش الجماعات المسلحة. وأكمل بقوله: إننا مواطنون مصريون مسالمون ونتعرض للقتل والحرق على أيدى الإرهابيين وقد اضطر قرابة ألف قبطى للنزوح من العريش تاركين ممتلكاتهم في حماية قوات الشرطة. في إحدى القهاوى المطلة على ساحل البحر بمدينة العريش وبجوار أحد الكمائن الأمنية ظل "أبو شادي" طوال ساعات الليل متمسكا برفضه الذهاب إلى منزله، مؤكدا أن الأجهزة الأمنية طالبتهم بالرحيل دون توفير أي حماية لهم، مشيرا إلى أنهم لم يكونوا يضعون سيناريو الخروج في حساباتهم، إلا أن تزايد معدلات الاستهداف، دفعهم لاتخاذ القرار الصعب، على أمل العودة مرة أخرى بعد استقرار الأوضاع الأمنية. أما سامح منصور، فجلس يحمد ربه أنه ترك مدينة العريش في الوقت المناسب قبل استهدافه من قبل الجماعات المسلحة، مؤكدا أنه ترك منزله وجميع متعلقاته ولا يعرف عنها شيئا، مشيرا إلى أن غالبية الأسر المسيحية التي خرجت من المدينة تقطن حاليا داخل نزل الشباب في محافظة الإسماعيلية دون توفير أي بديل للسكن حتى الآن. من جهته قال، وكيل المطرانية الأرثوذكسية القبطية بشمال سيناء: قرابة 150 أسرة قبطية نزحت خلال الأيام القليلة الماضية، بعد مقتل 7 من الأقباط الموجودين داخل مدينة العريش، من بيهم مسن يبلغ من العمر 65 أصيب قلبه كمدًا بعد احتراق ابنه بعد إشعال النيران في جسده، داخل منزله بمنطقة حى الزهور بمدينة العريش. وكيل المطرانية، تابع قوله: الأقباط كانوا 600 أسرة، أما بعد الثورة فتراجعت أعداد المسيحيين داخل محافظة شمال سيناء بسبب العمليات الإرهابية واستهداف الأقباط الموزعين على مختلف مناطق مدينة العريش بواقع 60 أسرة تقيم بحى الصفا بمدينة و60 أسرة تقيم وسط مدينة العريش و30 أسرة تقيم بحى السمران، علمًا بأن عدد الأقباط بشمال سيناء كان يتجاوز عشرة آلاف قبطى لكنهم عقب ثورتى 25 يناير و30 يونيو رحلوا عن مدن رفح والشيخ زويد والعريش. لم يصدق عادل البباوى أن النجاة كانت نصيبه من الموت المحقق في العريش، حيث إنه كان أحد المدرجة أسماؤهم في قائمة الموت في العريش والتي أعلنتها الجماعات الإسلامية. "عادل"، صاحب محل الأدوات الصحية، قال: جئت إلى العريش منذ قرابة الأربعين عاما، وبدأت في العمل بالمدينة بعدما ارتحت لها، ولم أكن أتخيل أن تمر الأيام وتأتى اللحظات التي أجبر فيها على الخروج من العريش هاربا". وحول وضع اسمه على "قائمة الموت" التي وضعتها الجماعات الإرهابية، قال: القائمة تضم 40 قبطيا، واسمى كان رقم 4 فيها، وما حال دون تنفيذ الأمر أننى أقطن بجانب أحد الكمائن الأمنية التابعة للقوات المسلحة. وكان يظن "البباوي" أن حديث "قوائم الموت" لا يتعدى كونه تهديدات تطلقها العناصر الإرهابية لتخويف "أقباط العريش"، حتى فوجئوا في الشهر الأخير أنهم بدءوا يقتحمون على الأقباط محالهم ومنازلهم يقومون بسرقتها وقتلهم، حتى إنهم قتلوا طفلة عمرها 5 سنوات مع والدها لمجرد كونهم أقباطًا، كما أنهم حرقوا رجلا وابنه المعاق داخل منزلهما. وتابع: أصدقائى المسلمون لم يتركونا أبدا، كما أنهم تولوا عملية تأمين طريق خروجنا من العريش، خوفًا من استهداف العناصر الإرهابية لنا ونحن في طريقنا إلى خارج المدينة. "أ.ن"، مسلم رفض ذكر اسمه خوفا من الجماعات الإرهابية، رفض أن يترك أصدقاءه الأقباط يتعرضون لخطر الطريق وحدهم فخرج معهم مسافرا لتأمينهم، قال: التهديدات منذ قرابة عام، الإرهابيون اغتالوا أكثر من قس إلا أنه خلال 40 يوما فقط ظهرت قائمة الموت بأسماء الأقباط المستهدفين بالقتل، وبالفعل خلال أسبوع تم قتل 8، حيث إن الإرهابيين استهدفوا العريش، ما دفع بقية الأقباط للهجرة من العريش نحو الإسماعيلية. الشابة نورهان دميان هربت من الموت في سيناء لتحط رحالها في مدينة الإسماعيلية، تاركة خلفها منزلها وعملها، بعد أن أصبح الموت يختار الأقباط فقط، بعد أن ظل لسنوات يقتل المسلمين والمسيحيين. وقالت: رأيت الموت بعينى، وشاهدت الجماعات الإرهابية وهى تستهدف بعض دوريات الشرطة، والآن يصفون الأقباط فقط ويحرقونهم أحياء. "نورهان" أرجعت سبب استهداف الإرهاب للأقباط إلى إعادة بناء كنيسة مارجرجس والتي حرقها الإرهابيون سابقا، وحينما هم الأقباط بإعادة ترميمها بدءوا يقتلونهم ليتركوا لهم سيناء خالية من كل الأقباط. وقالت: الأقباط حتى وقت الموت لا يجدون الراحة، فأصبحوا لا يستطيعون دفن قتلاهم في سيناء، بسبب عدم وجود مقابر لهم، وكان يتم تخصيص جزء لهم وسط مقابر المسلمين وبعد امتلاء هذا الجزء بضحايا الإرهاب، أصبحوا يدفنون قتلاهم إما في بلادهم الأصلية في الصعيد أو في المحافظات القريبة لهم مثل القنطرة في الإسماعيلية. وواصلت حديثها: شاهدت عمليات قتل حينما هاجم الإرهاب مدرعة للجيش بجوار عملها في عيادة، وأطلقوا على قوات الأمن النيران وأسقطوا ضابطا قتيلا، كما شاهدتهم أيضًا وهم يقتلون أحد الأفراد وكانوا وقتها ملثمين.