اقتحام الوسط الفني، أمر شاق، لا سهولة فيه، الطريق إليه ليس مفروشا بالورود والرياحين، فأي حديث مع فنان كبير عن بداياته الفنية، نجده يكشف عن كم المعاناة والشدة والمحاكمات النقدية العنيفة التي تعرض لها في مستهل مشواره. فمن المعروف أن الوسط الفني لا يقبل غريبا، وأن الموهبة وحدها لا تكفي كي تأخذ فرصتك وتجد من يؤمن بك، بل عليك أن تضيف إلى موهبتك عوامل مساعدة، منها أن تكون صديقا لنجوم وفنانين، وعلى علاقة جيدة بعدد من المنتجين والإعلاميين، أما لو كسرت هذه القاعدة، فسيكون طريقك مليئا بالمصاعب والحواجز وحملات انتقادات غير أمينة. الدكتور الشاب بيتر ميمي، طبيب أطفال، تخرج من كلية طب جامعة القاهرة، كسر هذه القاعدة، وأصبح مخرجا لامعا في فترة قصيرة، صار اسمه مثيرا للجدل، مشعلا لسجالات على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي؛ فالبعض يراه مخرجا ضل طريقه إلى الإخراج، وآخرون يرونه مخرجا شابا يسير على الطريقة العالمية وقادرا على أن يقدّم وجبات فنية مختلفة سواء في السينما أو الدراما. لكن الصوت الأعلى في هذا السجال والمعركة، هو أن بيتر ميمي، مخرج ضعيف، يسرق الأفلام من الخارج ويمّصرها في شكل مبتذل. والسؤال هنا، هل هذا صحيح؟ في فيلمه الأخير "القرد بيتكلم" قالوا بمجرد أن شاهدوا إعلانه، إنه مسروق من فيلم "Now you see me"، وظلت هذه النغمة متداولة حتى بعد نزول الفيلم في دور العرض، لكن بعد أن شاهدناه، أدركنا أن كل من رددوا هذه الكذبة، لا شاهدوا "القرد بيتكلم" ولا الفيلم الآخر. "القرد بيتكلم" فيلم تجاري، كوميدي، هزلي، وجبة خفيفة سريعة، ألّفها وأخرجها الشاب بيتر ميمي، فهو يريد أن يتنفس، يقول شيئا، بغض النظر عن جودة النص المكتوب، فلن ينتظر حتى يأتي له نص من كاتب كبير، يضع اشتراطاته ويعطل الشاب عن حلمه بتثبيت أقدامه في الوسط سريعا. هل معنى ذلك أن المخرج الشاب يقدم تنازلات لمجرد التواجد؟ الإجابة صعبة، لكن عندما تكون صغيرا، فأنت لا تستحوذ على كل شيء في يديك، ولا تملك كل مصيرك، ولا يعنى ذلك أن تقف مكانك وتغضب على الجميع وتنعزل، بل يجب أن تشارك وتعافر بأقل الإمكانيات حتى تضع لنفسك اسما يحترمه الجميع، وهذا ما فعله الطبيب والمخرج الشاب بيتر ميمي الذي يعشق السينما والفن. فموهبة المخرج وإمكانياته الإخراجية، برزت في هذا الفيلم، ومعالجته للمآزق الدرامية التي وقع فيها تمت بشكل احترافي، ولا يمكن أن ننسى مسلسله "الأب الروحي"، الذي يعرض حاليا، والذي وفرت شركة إنتاجه للمخرج كافة الإمكانيات والتسهيلات والكاميرات التي يحتاجها في مواقع التصوير، فكانت النتيجة، عملا لا يختلف عليه اثنان. إن الفن المصري حاليا يجدد دماءه، وعلى الجميع أن يقف سندا وعونا لهؤلاء، فمهما كانت التجارب الأولى لهؤلاء المخرجين والممثلين ضعيفة إلى حد ما، أو بها مشكلات، فعلينا ألا ننسى أن كل التجارب لأولى لمعظم النجوم الكبار، كانت متواضعة إلى حد ما، فالسينما والدراما المصرية حاليا أمام مشروع مخرج كبير، اسمه بيتر ميمي، سيحقق مفاجآت خلال الفترة المقبلة.