انبهرت ووقفت فاغرة فاهي، أمام هذا الصرح الرائع! أنها تُبهرك بمنظرها الرائع، وأيضا تُروعك بضخامتها وغرابة تصميمها، منظرها يوحي وكأنك داخل على قلعة حربية، أو قاعدة حربية لإطلاق الصواريخ، أو كأنها أحد المواقع المُتخصصة في إطلاق المكوكات الفضائية! سبب انبهاري، هذا الكم الرهيب من هذه الأبراج، الذي يُحيط بالمبنى، وكأنه يحمي شيئًا خطيرًا بداخل المبنى، أو يحافظ على أسرار خطيرة! أخيرًا تبينت الأمر، أنها كنيسة أو بمعنى أصح كاتدرائية ضخمة خطيرة المنظر، مُدججة بعدد هائل من الأبراج الجميلة، التي ترتفع بشموخ لعنان السماء، وكأنها تأخذ المؤمن من عبث الأرضيات لترتفع به إلى السماويات حيث الروحانيات والمُقدسات. حينما تيقنت من هوية المبنى، اقتربت وكُلي شغف بأن أعرف عدد الأبراج، التي تُعتبر جزءًا أساسيًا من تصميم هذا الصرح الضخم الرائع، بدأت في العد ولكن في كل مرة كُنت أُخطيء العَدْ، وأخيرًا عرفت أن هذا المبنى هو كنيسة أو كاتدرائية في ميلانو في لومبارديا في شمال إيطاليا. هذه الكاتدرائية ذات ال135 بُرجًا، تُعرف بكاتدرائية ميلانو وبالإيطالية "Duomo di Milano" وهي مُخصصة أو «مُدشنة» على اسم سانتا ماريا ناسينتى. أصل كلمة "Duomo" باللغة اللاتينية "Domus" ويعني المنزل، أي منزل الله، كما هو الحال بالنسبة لمعنى كلمة الكاتدرائية "Cathedral" والتي تحمل نفس المعنى "House of God" أو "Domus Dei". هذه الكاتدرائية دائمًا هي مقر لرئيس أساقفة مدينة ميلانو الحالي. عندما وقفت أمام هذه الكاتدرائية أتأمل تصميمها الرائع، اعتقدت أنني ذهبت بالخطأ إلى كاتدرائية النوتردام بفرنسا، والتي كُنتُ قد زُرتها من قبل وكتبت عنها مقالة بعنوان "أوعي تفوتك!!!" على هذا اللينك اضغط هنا. لا أنا هنا في إيطاليا، ولكن نعم تصميم الكنيسة أو الكاتدرائية مُشابه إلى حد كبير كنيسة النوتردام مع بعض الاختلافات البسيطة. حيث إن المسقط الأفقي للكاتدرائية مبني على النظام الشبكي، وينتهى بخمس حنيات في منطقة المذبح. أما السقف أو ما يطلق عليه نظام التغطية فهو عبارة عن قبوات متقاطعة. وضع أساس هذه الكاتدرائية ذات ال135 برجا، جيان فاسكونتي عام 1385 ميلادية، واكتمل بناؤها بأمر من نابليون الأول بين عامي 1805 & 1813 م، واستغرق بناء الكاتدرائية نحو خمسمائة عام، أو ما يقرُب من ستة قرون. الكاتدرائية تم بناؤها على النمط الغوطي، وتم إنشاؤها في موقع اثنين من الكنائس، تحت رعاية أسرة فيسكونتي الشهيرة، وشارك في البناء كل من جين ميجنوت، وكارلو بوزي، وفرانسيسكو ماريا ريتشيني، وأيورليو تريزي. الكاتدرائية تشتهر بواجهتها المثلثية الشكل، المُصممة من الطوب والمُغطاة بالرخام، كما تتزين بنحو 135 برجًا من الرخام المنحوت، هذا بالإضافة إلى 3400 تمثالًا منحوتًا أيضًا، والتي يمكنك مشاهدتها عن قرب من على سطح الكاتدرائية. وتُطل الكاتدرائية على ميدان أو ساحة، يُطلق عليها "ساحة الدومو"، على الجانب الأيسر من الساحة «الميدان» يوجد غاليريا فيتوريو إبمانويل الثاني، وهو عبارة عن قوس مزدوج للملك فيكتور إيمانويل، أول ملك من ملوك إيطاليا الموحدة في الفترة من 1861 إلى 1878، كما يقف في وسط الميدان تمثالًا للملك على ظهر جواد، من عمل النحات إيركول روزا. سواء من الداخل أو الخارج يمكنك رؤية النوافذ الزجاجية الملونة ذات الألوان الجذابة الجميلة التي تتآلف مع بعضها فيبدو كل شباك بذاته، وكأنه لوحة فنية رائعة. أما داخل الكاتدرائية فهو لا يقل إبداعًا وإبهارًا عن خارجها، بما يحتويه من نحو 52 عمودًا من الرخام، هذا بالإضافة إلى العديد من المذابح الرائعة التي صممها أشهر مهندسي وفناني عصر النهضة المعماري "بيليجرينو تيبالدي". كما تضم الكاتدرائية بالداخل العديد من اللوحات لأشهر الرسامين العالميين، وتضُم تماثيل وأعمالا فنية أكثر من رائعة، وعلى حدود صحن الكنيسة الداخلي من جهة اليمين تجد توابيت زجاجية، وقد حفظ بها أجساد بعض الأساقفة السابقين للكاتدرائية، أما في الأمام وعند مدخل الكاترائية سيبهرك ويبهر كل الزائرين، بيانو ضخمًا جدًا قد نُقش بنقوش فنية رائعة. وتعتبر هذه الكنيسة أي كاتدرائية ميلانو في إيطاليا ثالث أضخم كاتدرائية في أوروبا بعد كاتدرائية سان بيتر في روما، وكاتدرائية سان ميشيل بإسبانيا. كما يُعد تمثال ال"مادونا" واحدًا من السمات الرئيسية المُميزة للكاتدرائية وهو تمثال من الذهب للقديسة العذراء مريم يصل ارتفاعه إلى برج الكاتدرائية. إذا كنت ممن يعشقون الاستمتاع بزيارة الأماكن الأثرية التاريخية، أو إذا كنت في زيارة لميلانوبإيطاليا، أوعي تفوتك زيارة هذه الكاتدرائية الرائعة، ذات ال135 برجا، ومشاهدة تمثال المادونا الذهبي الذي يصل ارتفاعه إلى برج الكاتدرائية. عمومًا، الكاتدرائية بكل المقاييس، هي قطعة فنية رائعة، تُطل علينا من عصر النهضة، حيث الإبداع المعماري والفني، مختلط مع العبق الروحي.