خلال 30 يوما.. إلزام ملاك العقارات بإخطار الضرائب حال استغلالها    تداول 11 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    الفلاشا.. نموذج ازدواج معايير الدولة العبرية    الوعي التكنولوجي.. وسيلة الأمان في العالم الرقمي    القاتل الأبيض.. 10 ألاف ضحية له يومياً في أوروبا    استقرار سعر الدولار في مصر مقابل الجنيه اليوم    محافظ جنوب سيناء يبحث دعم مستثمري الإنتاج الحيواني مع رئيس البنك الزراعي    «العمل»: «سلامتك تهمنا» لنشر ثقافة الصحة المهنية بمنشآت الوادي الجديد    رابط نتيجة الصف الرابع الابتدائي الترم الثاني 2024.. الموعد وكيفية حساب الدرجات    رئيس تايوان يؤكد رغبته في العمل مع الصين    حافلات مان سيتي جاهزة للاحتفال بالدوري الإنجليزي فى شوارع مانشستر.. صور    دبلوماسية استثمار الأزمة.. مصر عززت ثوابت فلسطين من رحم العدوان على غزة.. الاعتراف الثلاثى بالدولة امتداد ل"ثلاثيات" القاهرة خلال 10 سنوات.. والقضاء الدولى آلية تعزيز الشرعية وإعادة الاتزان لنظام عالمى مختل    الصحف الأوروبية صباح اليوم.. كيكر: كومباني يقترب من تدريب بايرن وريليفو توضح أزمة أراوخو في برشلونة    تشكيل الإسماعيلي المتوقع لمواجهة البنك الأهلي اليوم في دوري نايل    "أطفال وقائد".. 4 اختلافات بين مراسم تتويج الأهلي بكأس أفريقيا والزمالك بالكونفدرالية (صور وفيديوهات)    الترجي التونسي: لنا ضربة جزاء لم تحتسب.. والحكم أثر على نتيجة المباراة    متى تقام مباراة لاتسيو ضد ساسولو في الكالتشيو اليوم الأحد ؟    نائب رئيس حامعة بنها يتفقد سير امتحانات الفصل الدراسي الثاني بكلية التربية    غدًا.. أرقام جلوس امتحانات الثانوية العامة 2024 بالمديريات    فلكيًا.. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك وعدد أيام الإجازة    حكم نهائي في قضية زوج المذيعة أميرة شنب (تفاصيل)    قوافل بالمحافظات.. استخراج 7388 بطاقة رقم قومي و21 ألف "مصدر مميكن"    تسليم ملابس الحج إلى 46 فائزًا بقرعة الجمعيات الأهلية في جنوب سيناء    المشدد 5 سنوات ل3 متهمين بالتعدي على عامل وإصابته بعاهة مستديمة بمصر القديمة    ل أصحاب أبراج السرطان والحوت والعقرب.. مَن الأكثر عاطفة وتعرضًا للإصابة بالأمراض النفسية؟    الليلة.. "الأيام المخمورة" و"الكلب النائم" بالسامر ضمن مهرجان نوادي المسرح    زكى القاضى: الرئيس السيسى تصدى لإتمام مشروع توشكى وانحاز للوطن والمواطن    أحدث أفلام عمرو يوسف يقفز بإيراداته إلى 73.5 مليون جنيه.. تعرف على تفاصيله وقصته    جولات متنوعة لأتوبيس الفن الجميل بعدد من المتاحف هذا الأسبوع    فيولا ديفيس وجوي كينج يزينان السجادة الحمراء لحفل ختام مهرجان كان.. صور    اعرف قبل الحج.. الركن الثاني الوقوف بعرفة: متى يبدأ والمستحب فعله    وزير الأوقاف للأئمة والواعظات المرافقين لبعثة الحج: مهمتكم خدمة ضيوف الرحمن    برامج بيت الزكاة والصدقات تغطي احتياجات 800 أسرة بقريتين بالشرقية    وزير الري: تحسين أداء منشآت الري في مصر من خلال تنفيذ برامج لتأهيلها    قافلة طبية مجانية بقرية العلامية مركز بيلا    العمل: استمرار نشر ثقافة السلامة والصحة المهنية في المنشآت بالمنيا    وزير الأوقاف: التعامل مع الفضاء الإلكتروني بأدواته ضرورة ملحة ومصلحة معتبرة    نقابة الصحفيين بالإسكندرية تكرم الفائزين بالمسابقتين الثقافية والدينية (صور)    البورصة تصعد 1% منتصف تداولات اليوم    مكتبة الإسكندرية تشارك في "المهرجان الدولي للطبول " في دورته ال 11    منتخب المصارعة الحرة يدخل معسكرا مغلقا بالمجر استعدادا للأولمبياد    تقلبات الطقس: عودة الأجواء الشتوية ونصائح للتعامل معها    أبوالغيط يدعو إلى تكاتف الجهود للنهوض بالشراكة العربية الإفريقية نحو آفاق أوسع    وزير قطاع الأعمال يتابع تنفيذ اشتراطات التصنيع الجيد بشركة القاهرة للأدوية    محافظ الجيزة يكلف عفاف عبد الحارس مديراً لمديرية الإسكان    وزير الصحة يبحث مع نظيره العراقي سبل التعاون في تصدير وتسجيل الأدوية (تفاصيل)    ضبط قضايا إتجار بالعملات الأجنبية بقيمة 8 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    مواجهة عربية محتملة.. كيف يتم تحديد منافسي الأهلي في كأس إنتركونتيننتال للأندية؟    استفزاز خطير.. كوريا الشمالية تتهم سيئول وواشنطن بالتجسس عليها    سعر الريال السعودى اليوم الأحد 26-5-2024 أمام الجنيه المصرى    دراسة: الغربان يمكنها التخطيط لعدد نواعقها مسبقا    وزيرة الهجرة تستقبل اثنين من المستثمرين المصريين بالولايات المتحدة الأمريكية    أدعية الطواف السبعة حول الكعبة وحكم مس البيت.. «الإفتاء» توضح    أنطونوف: بايدن يهين الشعب الروسي بهجماته على بوتين وهذا أمر غير مقبول    موعد عيد الأضحى ووقفة عرفات 2024.. ومواعيد الإجازات الرسمية لشهر يونيو    للقارة كبير واحد.. تركى آل الشيخ يحتفل بفوز الأهلى ببطولة أفريقيا    زاهي حواس: إقامة الأفراح في الأهرامات "إهانة"    الرئيس التونسى يقيل وزير الداخلية ضمن تعديل وزارى محدود    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«هدي خير العباد» من «زاد المعاد».. ج 2◄48
نشر في فيتو يوم 03 - 01 - 2017

ومازالت القراءة مستمرة في كتاب «زاد المعاد في هدي خير العباد»، للإمام العلامة شيخ الإسلام؛ محمد بن أبى بكر بن سعد بن جرير الزرعى «ابن قيم الجوزية» الجزء الثاني.. احتفاء واحتفالا بذكرى مولد خاتم الأنبياء والمرسلين، خير الأنام محمد بن عبدالله، الرسول الكريم، صاحب القرآن العظيم والمعجزات الخالدة، والذي أعزه الله بها وجعلها شاهدة على صدق نبوته، وحمله لرسالة الإسلام للناس كافة بشيرا ونذيرا.. صلى الله عليه وسلم.. حيث ننهل من سيرته وهديه صلى الله عليه وسلم، ليكون شفيعا لنا يوم لا ينفع مال ولا بنون...
حيث نتابع القراءة في الجزء الثاني من هذا «الكتاب القيم»...

وقال عبد الرحمن بن القاسم: عن أبيه، عن عائشة : خرجنا مَعَ رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله وسلم ، ولا نذكر إلا الحَجَّ ، فلما جِئْنَا سَرِفَ ، طَمِثْتُ. قالت: فدخلَ عَلَىَّ رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله وسلم وأنا أبكى. فقال: ((ما يُبْكِيك)) ؟ قالت: فَقُلْتُ: واللَّهِ لَوِدِدْتُ أنِّى لاَ أَحُجُّ العَامَ فذكر الحديثَ. وفيه : فلما قَدِمْتُ مكة ، قال النبى صلى اللَّه عليه وآله وسلم : ((اجْعَلُوهَا عُمْرةً ))، قالت : فَحَلَّ الناسُ إلاَّ مْن كَانَ مَعَهُ الهَدْىُ.

وكل هذه الألفاظ فى (الصحيح)، وهذا موافق لما رواه جابر، وابن عمر ، وأنس ، وأبو موسى ، وابن عباس ، وأبو سعيد ، وأسماء ، والبراء ، وحفصة ، وغيرهم ، من أمره صلى اللَّه عليه وآله وسلم أصحابَه كُلَّهم بالإحلال، إلا مَنْ ساق الهَدْى ، وأن يجعلوا حجهم عُمْرَةً . وفى اتفاق هؤلاء كُلِّهم ، على أن النبى صلى اللَّه عليه وآله وسلم ، أمر أصحابه كلَّهم أن يحلوا ، وأن يجعلوا الذى قدموا به مُتعةً ، إلا مَنْ ساق الهَدْى ، دليلٌ على غلط هذه الرواية، ووهمٍ وقع فيها، يُبين ذلك أنها من رواية الليث، عن عقيل، عن الزهرى، عن عروة ، والليث بعينه ، هو الذى روى عن عقيل ، عن الزهرى ، عن عروة ، عنها مثلَ ما رواه ، عن الزهرى عن سالم ، عن أبيه ، فى تمتع النبى صلى اللَّه عليه وآله وسلم ، وأمره لمن لم يكن أهدى أن يَحِلَّ .

ثم تأملنا، فإذا أحاديث عائشة يُصدِّقُ بعضُها بعضاً ، وإنما بعضُ الرواة زاد على بعض ، وبعضهم اختصر الحديث ، وبعضُهم اقتصر على بعضه، وبعضهم رواه بالمعنى. والحديث المذكور: ليس فيه منع مَنْ أهلَّ بالحجِّ من الإحلال ، وإنما فيه أمره أن يُتِمَّ الحج ، فإن كان هذا محفوظاً ، فالمراد به بقاؤه على إحرامه ، فيتعين أن يكون هذا قبل الأمر بالإحلال، وجعله عمرة ، ويكون هذا أمراً زائداً قد طرأ على الأمر بالإتمام ، كما طرأ على التخيير بين الإفراد والتمتع والقِران ، ويتعين هذا ولا بُد ، وإلا كان هذا ناسخاً للأمر بالفسخ ، والأمر بالفسخ ناسخاً للإذن بالإفراد ، وهذا محالٌ قطعاً ، فإنه بعد أن أمرهم بالحِلِّ لم يأمرهم بنقضه، والبقاءِ على الإحرام الأول ، هذا باطل قطعاً ، فيتعيَّنُ إن كان محفوظاً أن يكون قبل الأمر لهم بالفسخ ، ولا يجوز غير هذا البتة .. واللَّه أعلم .

◄◄◄
وأما حديثُ أبى الأسود، عن عروة ، عنها. وفيه: (( وأما مَنْ أهلَّ بحجٍّ أو جمعَ الحجَّ والعُمرة ، فلم يَحِلُّوا حتى كان يوم النحر )) . وحديث يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عنها : ((فمَن كان أهلَّ بحجٍّ وعُمرة معاً ، لم يَحِلَّ من شئ مما حَرُمَ منه حتى يَقْضِىَ مَناسِكَ الحَجِّ ، ومَنْ أهَلَّ بِحَجٍّ مُفْرِدٍ كَذَلِكَ)). فحديثان، قد أنكرهما الحفاظُ، وهما أهلٌ أن يُنكَرا ، قال الأثرم: حدثنا أحمد بن حنبل ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدى ، عن مالك بن أنس ، عن أبى الأسود ، عن عُروة ، عن عائشة: ((خرجنا مع رسول اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وسلم ، فمنَّا مَنْ أَهلَّ بالحَجِّ ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بالعُمْرَةِ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالحَجِّ والعُمرَةِ ، وأَهلَّ بالحَجِّ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسلم ، فأمَّا مَنْ أَهَلَّ بالعُمْرَةِ ، فأحلُّوا حِينَ طَافُوا بِالبَيْتِ وَبالصَّفَا والمَرْوَةِ.

وَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بالحَجِّ والعُمْرَةِ، فَلَمْ يَحِلُّوا إلَى يَوْمِ النَّحْرِ))، فقال أحمد بن حنبل: أَيْش فى هذا الحديثِ مِن العَجَبِ ، هذا خطأ ، فقال الأثرم : فقلتُ له : الزهرى ، عن عروة ، عن عائشة ، بخلافه ؟ فقال: نعم ، وهشام بن عروة . وقال الحافظ أبو محمد بن حزم : هذان حديثان منكران جداً ، قال : ولأبى الأسود فى هذا النحو حديثٌ لا خفاء بِنُكرَتِه، وَوَهْنِهِ ، وبُطلانه . والعجب كيف جاز على مَن رواه ؟ ثم ساق من طريق البخارى عنه ، أن عبد اللَّه مولى أسماء، حدّثه أنه كان يَسْمَعُ أسماء بنتَ أبى بكر الصِّدِّيق رضى اللَّه عنهما تقول كُلما مَرَّتْ بالحَجُونِ : صلَّى اللَّه على رسوله : لقد نزلنا معه هاهنا ، ونحنُ يومئذ خِفافٌ ، قليلٌ ظهرُنا ، قليلةٌ أزوادُنا ، فاعتمرتُ أنا وأختى عائشة ، والزبيرُ ، وفلان ، وفلان . فلما مسحنا البيتَ ، أَحْلَلْنَا ، ثُمَّ أَهْلَلَنْا مِنَ العَشِىِّ بِالحَجِّ .

قال: وهذه وهلةٌ لا خفاءَ بها على أحد ممن له أقلُّ علم بالحديثِ لوجهين باطلين فيه بلا شك :

أحدُهما: قوله : فاعتمرتُ أنا وأُختى عائشة ، ولا خلاف بين أحد من أهل النقل ، فى أن عائشة لم تعتمر فى أول دخولها مكة ، ولذلك أعمرها من التنعيم بعد تمام الحج ليلة الحصبة ، هكذا رواه جابر بن عبد اللَّه ، ورواه عن عائشة الأثبات ، كالأسود بن يزيد ، وابنِ أبى مُليكة ، والقاسم بن محمد ، وعروة ، وطاووس ، ومجاهد.

الموضع الثانى: قوله فيه : فلما مسحنا البيتَ ، أحللنا ، ثم أهللنا من العشى بالحج ، وهذا باطل لا شكَّ فيه ، لأن جابراً ، وأنسَ بن مالك ، وعائشة ، وابنَ عباس ، كُلُّهم روَوْا أن الإحلال كان يومَ دخولهم مكة ، وأن إحلالهم بالحجِّ كان يوم التروية ، وبين اليومين المذكورين ثلاثة أيام بلا شك .

قلت: الحديثُ ليس بمنكر ولا باطل، وهو صحيح وإنما أُتى أبو محمد فيه مِن فهمه ، فإن أسماء أخبرت أنها اعتمرت هى وعائشة ، وهكذا وقع بلا شك. وأما قولها : فلما مسحنا البيت أحْلَلْنَا، فإخبار منها عن نفسها ، وعمن لم يُصبه عذرُ الحيض الذى أصابَ عائشة ، وهى لم تُصرِّحْ بأن عائشة مسحت البيت يوم دخولهم مكة، وأنها حلَّت ذلك اليوم، ولا ريبَ أن عائشة قدمت بعُمرة ، ولم تزل عليها حتى حاضتْ بِسَرِفَ ، فأدخلت عليها الحجَّ ، وصارت قارِنةً. فإذا قيل : اعتمرت عائشة مع النبى صلى اللَّه عليه وآله وسلم ، أو قدمت بعمرة ، لم يكن هذا كذباً .

وأما قولها: ثم أهللنا مِن العَشِىِّ بالحج، فهى لم تَقُلْ: إنهم أَهلُّوا من عشى يوم القدوم ، ليلزم ما قال أبو محمد ، وإنما أرادت عشىَّ يوم التروية . ومثل هذا لا يحتاج فى ظهوره وبيانه إلى أن يُصرَّح فيه بعشى ذلك اليوم بعينه ، لعلم الخاص والعام به ، وأنه مما لا تذهبُ الأوهام إلى غيره ، فردُّ أحاديث الثقات بمثل هذا الوهم مما لا سبيل إليه.

قال أبو محمد: وأسلمُ الوجوه للحديثين المذكورين عن عائشة ، يعنى اللذين أنكرَهُما ، أن تُخرَّجَ روايتهما على أن المراد بقولها : إن الَّذينَ أهلَّوا بحجٍّ، أو بحجٍّ وعُمرة ، لم يَحِلُّوا حتى كان يومُ النحر حين قَضَوْا مناسِك الحج ، إنما عنت بذلك مَنْ كان معه الهَدْى ، وبهذا تنتفى النُّكرةُ عن هذين الحديثين، وبهذا تأتلِف الأحاديثُ كلها، لأن الزهرى عن عُروة يذكر خلاف ما ذكره أبو الأسود عن عروة ، والزهرى بلا شك أحفظُ من أبى الأسود ، وقد خالف يحيى بن عبد الرحمن عن عائشة فى هذا الباب مَنْ لا يُقرَن يحيى بن عبد الرحمن إليه، لا فى حفظ ، ولا فى ثقة ، ولا فى جَلالة ، ولا فى بطانة لعائشة، كالأسود ابن يزيد، والقاسم بن محمد بن أبى بكر، وأَبى عمرو ذكوان مولى عائشة ، وعَمْرَةَ بنت عبد الرحمن ، وكانت فى حجر عائشة ، وهؤلاء هم أهلُ الخصوصية والبطانة بها، فكيف؟ ولو لم يكونوا كذلك ، لكانت روايتُهم أو روايةُ واحد منهم، لو انفرد هى الواجبُ أن يؤخذ بها ، لأن فيها زيادة على رواية أبى الأسود ويحيى، وليس مَن جَهَلَ، أو غَفَلَ حُجَّةَ على مَن علم ، وذكر وأخبر ، فكيف وقد وافق هؤلاء الجِلَّةُ عن عائشة فسقط التعلُّق بحديث أبى الأسود ويحيِى اللذين ذكرنا.


قال: وأيضاً، فإن حديثى أبى الأسود ويحيى ، موقوفان غير مسندين ، لأنهما إنما ذكرا عنها فعل مَن فعل ما ذكرت ، دون أن يذكُرا أن النبىَّ صلى اللَّه عليه وآله وسلم ، أمرهم أن لا يَحِلُّوا ، ولا حُجَّة فى أحد دون النبى صلى اللَّه عليه وآله وسلم ، فلو صحَّ ما ذكراه ، وقد صح أمرُ النبى صلى اللَّه عليه وآله وسلم مَنْ لا هَدْى معه بالفسخ ، فتمادى المأمورون بذلك، ولم يَحِلُّوا لكانوا عصاة للّه تعالى ، وقد أعاذهم اللَّه من ذلك ، وبرَّأهم منه ، فثبت يقيناً أن حديث أبى الأسود ويحيى، إنما عنى فيهما : مَن كان معه هَدْى ، وهكذا جاءت الأحاديثُ الصحاح التى أوردناها ، بأنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أمر مَن معه الهَدْى ، بأن يجمع حجاً مع العُمرة ، ثم لا يَحِلَّ حتى يحلَّ منهما جميعاً . ثم ساق من طريق مالك ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عنها ترفعه : (( مَنْ كانَ مَعَهُ هَدْىٌ ، فَلْيُهْلِلْ بِالحَجِّ والعُمْرَةِ ، ثُمَّ لا يَحِلَّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعَا )) ، قال : فهذا الحديث كما ترى ، من طريق عروة ، عن عائشة ، يُبين ما ذكرنا أنه المراد بلا شك ، فى حديث أبى الأسود ، عن عروة وحديث يحيى عن عائشة ، وارتفع الآن الإشكال جملة ، والحمد للّه رب العالمين .

قال : ومما يُبيِّنُ أن فى حديثِ أبى الأسود حذفاً قوله فيه : عن عُروة : (( أن أُمَّه وخالَته والزُّبير ، أقبلوا بعُمرة فقط ، فلما مسحُوا الركن ، حلُّوا )) . ولا خلاف بين أحد ، أن مَن أقبل بعُمرة لا يَحِلُّ بمسحِ الرّكن ، حتى يسعى بين الصَّفا والمَرْوَةِ بعد مسح الركن ، فصحَّ أن فى الحديث حذفاً بيَّنه سائرُ الأحاديث الصحاح التى ذكرنا ، وبطل التشغيبُ به جملة .. وباللَّه التوفيق .

◄◄◄

وأما ما فى حديث أبى الأسود ، عن عروة ، من فعل أبى بكر ، وعمر ، والمهاجرين ، والأنصار ، وابن عمر ، فقد أجابه ابن عباس ، فأحسن جوابه ، فيُكتفى بجوابه . فروى الأعمش ، عن فضيل بن عمرو ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، تمتعَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فقال عروة : نهى أبو بكر وعُمَرُ عن المُتعة . فقال ابن عباس : أراكم ستهلكون ، أقول : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، وتقول : قال أبو بكر وعمر .

وقال عبد الرزاق : حدثنا مَعمر ، عن أيوب ، قال : قال عُروة لابن عباس : ألا تتَّقى اللَّه تُرَخِّصُ فى المُتعة ؟، فقال ابنُ عباس : سل أُمَّك يا عُرَيَّةُ . فقال عُروة : أمَّا أبو بكر وعمر ، فلم يفعلا ، فقال ابنُ عباس : واللَّهِ ما أراكم مُنتهين حتى يُعَذِّبَكُمُ اللَّه ، أُحدِّثُكم عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، وتُحدِّثُونا عن أبى بكر وعمر ؟ فقال عُروة : لَهُما أعلمُ بِسُّنَّةِ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، وأتبعُ لها منك .

وأخرج أبو مسلم الكجى ، عن سليمان بن حرب ، عن حماد بن زيد ، عن أيوب السختيانى ، عن ابن أبى مُلَيكة ، عن عُروة بن الزبير ، قال لرجل مِن أصحابِ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : تأمُرُ النَّاس بالعُمرَةِ فى هؤلاء العَشْرِ ، وليس فيها عُمرة ؟، قال : أوَ لاَ تَسألُ أُمَّك عن ذلك ؟ قال عُروة : فإن أبا بكر وعُمَرَ لم يفعلا ذلك ، قال الرجل : مِن هاهنا هلكتُم ، ما أرى اللَّه عزَّ وجلَّ إلا سَيُعَذِّبُكُم ، إنِّى أحدِّثكم عن رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم ، وتُخبرونى بأبى بكر وعمر . قال عروةُ : إنهما واللَّهِ كانا أعلَم بِسُّنَّةِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْكَ ، فسكت الرجلُ .

ثم أجاب أبو محمد بن حزم عُروة عن قوله هذا ، بجواب نذكره ، ونذكر جواباً أحسَن منه لشيخنا .

قال أبو محمد : ونحن نقول لعروة : ابنُ عباس أعلمُ بِسُنَّةِ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، وبأبى بكر وعمَر منك ، وخيرٌ منك ، وأولى بهم ثلاثتهم منك ، لا يشكُّ فى ذلك مسلم . وعائشةُ أم المؤمنين ، أعلم وأصدق منك . ثم ساق من طريق الثورى ، عن أبى إسحاق السَّبِيعى ، عن عبد اللَّه قال : قالت عائشة : من استُعْمِلَ على المَوْسِمِ ؟ قالوا : ابن عباس . قالت : هو أعلم الناس بالحج . قال أبو محمد : مع أنه قد روى عنها خلاف ما قاله عروة ، ومَن هو خير من عروة ، وأفضل ، وأعلم ، وأصدق ، وأوثق . ثم ساق من طريق البزار ، عن الأشج ، عن عبد اللَّه بن إدريس الأودى ، عن ليث ، عن عطاء ، وطاووس ، عن ابن عباس : تمتع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ، وأبو بكر ، وعمر . وأول مَن نهى عنها معاوية .

ومن طريق عبد الرزاق، عن الثورى ، عن ليث ، عن طاووس ، عن ابن عباس : تمتع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأبو بكر . حتى مات ، وعمر ، وعثمان كذلك . وأول مَن نهى عنها : معاوية .

قلت : حديث ابن عباس هذا ، رواه الإمام أحمد فى (( المسند )) والترمذى . وقال : حديث حسن .

وذكر عبد الرزاق ، قال : حدثنا معمر عن ابن طاووس ، عن أبيه ، قال : قال أُبىُّ بن كعب ، وأبو موسى لعمر بن الخطاب : ألا تقومُ فتبيِّنَ للنَّاسِ أمرَ هذه المتعة ؟ فقال عمر : وهل بَقى أحد إلا وقد عَلِمَهَا ، أما أنا فأفعلُها .

وذكر على بنُ عبدِ العزيز البغوى ، حدثنا حجاجُ بن المنهال ، قال : حدثنا حمادُ بنُ سلمة ، عن حماد بن أبى سليمان أو حميد عن الحسن ، أن عمر أراد أن يأخذ مال الكعبة ، وقال : الكعبة غَنِيَّةٌ عن ذلِكَ المالِ ، وأراد أن يَنْهى أهل اليمن أن يَصْبِغُوا بالبَولِ ، وأراد أن ينهى عن مُتعة الحج ، فقال أُبىُّ بنُ كعب : قد رأى رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وأصحابُه هذا المالُ ، وبه وبأصحابه الحاجةُ إليه، فلم يأخذه ، وأنت فلا تأخذْه ، وقد كان رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وأصحابُه يلبَسون الثيابَ اليمانية ، فلم ينهَ عنها ، وقد علم أنها تُصْبَغُ بالبول، وقد تمتَّعنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فلم ينه عنها ، ولم يُنْزِلِ اللَّهُ تعالى فيها نهياً .
وقد تقدَّم قولُ عمر: لو اعتمرتُ فى وسط السنة ، ثم حججتُ لتمتعتُ ، ولو حججتُ خمسين حَجة ، لتمتعتُ . ورواه حماد بن سلمة . عن قيس ، عن طاووس، عن ابن عباس، عنه : لو اعتمرتُ فى سنة مرتين ، ثم حججت ، لجعلت مع حَجتى عُمرة . والثورى ، عن سلمة بن كهيل ، عن طاووس، عن ابن عباس، عنه : لو اعتمرتُ، ثم اعتمرتُ، ثم حججت، لتمتعت. وابن عيينة: عن هشام بن حُجير، وليث ، عن طاووس ، عن ابن عباس ، قال: هذا الذى يزعمُون أنه نهى عن المتعة يعنى عمر سمعتُه يقول: لو اعتمرتُ ، ثم حججت، لتمتعت . قال ابن عباس : كذا وكذا مرة ، ما تمت حجة رجل قط إلا بمتعة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.