حريق يلتهم 4 أفدنة قمح في قرية بأسيوط    متحدث الصحة عن تسبب لقاح أسترازينيكا بتجلط الدم: الفائدة تفوق بكثير جدًا الأعراض    بمشاركة 28 شركة.. أول ملتقى توظيفي لخريجي جامعات جنوب الصعيد - صور    برلماني: مطالبة وزير خارجية سريلانكا بدعم مصر لاستقدام الأئمة لبلاده نجاح كبير    التحول الرقمي ب «النقابات المهنية».. خطوات جادة نحو مستقبل أفضل    ضياء رشوان: وكالة بلومبرج أقرّت بوجود خطأ بشأن تقرير عن مصر    سعر الذهب اليوم بالمملكة العربية السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الأربعاء 1 مايو 2024    600 جنيه تراجعًا في سعر طن حديد عز والاستثماري.. سعر المعدن الثقيل والأسمنت اليوم    تراجع أسعار الدواجن 25% والبيض 20%.. اتحاد المنتجين يكشف التفاصيل (فيديو)    خريطة المشروعات والاستثمارات بين مصر وبيلاروسيا (فيديو)    بعد افتتاح الرئيس.. كيف سيحقق مركز البيانات والحوسبة طفرة في مجال التكنولوجيا؟    أسعار النفط تتراجع عند التسوية بعد بيانات التضخم والتصنيع المخيبة للآمال    رئيس خطة النواب: نصف حصيلة الإيرادات السنوية من برنامج الطروحات سيتم توجيهها لخفض الدين    اتصال هام.. الخارجية الأمريكية تكشف هدف زيارة بليكن للمنطقة    عمرو خليل: فلسطين في كل مكان وإسرائيل في قفص الاتهام بالعدل الدولية    لاتفيا تخطط لتزويد أوكرانيا بمدافع مضادة للطائرات والمسيّرات    خبير استراتيجي: نتنياهو مستعد لخسارة أمريكا بشرط ألا تقام دولة فلسطينية    نميرة نجم: أي أمر سيخرج من المحكمة الجنائية الدولية سيشوه صورة إسرائيل    جونسون: الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين داخل الجامعات الأمريكية نتاج للفراغ    قوات الاحتلال تعتقل شابًا فلسطينيًا من مخيم الفارعة جنوب طوباس    استطلاع للرأي: 58% من الإسرائيليين يرغبون في استقالة نتنياهو فورًا.. وتقديم موعد الانتخابات    ريال مدريد وبايرن ميونخ.. صراع مثير ينتهي بالتعادل في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    معاقبة أتليتيكو مدريد بعد هتافات عنصرية ضد وليامز    موعد مباراة الأهلي والإسماعيلي اليوم في الدوري والقنوات الناقلة    عمرو أنور: الأهلي محظوظ بوجود الشناوي وشوبير.. ومبارياته المقبلة «صعبة»    موعد مباريات اليوم الأربعاء 1 مايو 2024| إنفوجراف    ملف رياضة مصراوي.. قائمة الأهلي.. نقل مباراة الزمالك.. تفاصيل إصابة الشناوي    كولر ينشر 7 صور له في ملعب الأهلي ويعلق: "التتش الاسطوري"    نقطة واحدة على الصعود.. إيبسويتش تاون يتغلب على كوفنتري سيتي في «تشامبيونشيب»    «ليس فقط شم النسيم».. 13 يوم إجازة رسمية مدفوعة الأجر للموظفين في شهر مايو (تفاصيل)    بيان مهم بشأن الطقس اليوم والأرصاد تُحذر : انخفاض درجات الحرارة ليلا    وصول عدد الباعة على تطبيق التيك توك إلى 15 مليون    إزالة 45 حالة إشغال طريق ب«شبين الكوم» في حملة ليلية مكبرة    كانوا جاهزين للحصاد.. حريق يلتهم 4 أفدنة من القمح أسيوط    دينا الشربيني تكشف عن ارتباطها بشخص خارج الوسط الفني    استعد لإجازة شم النسيم 2024: اكتشف أطباقنا المميزة واستمتع بأجواء الاحتفال    لماذا لا يوجد ذكر لأي نبي في مقابر ومعابد الفراعنة؟ زاهي حواس يكشف السر (فيديو)    «قطعت النفس خالص».. نجوى فؤاد تكشف تفاصيل أزمتها الصحية الأخيرة (فيديو)    الجزائر والعراق يحصدان جوائز المسابقة العربية بالإسكندرية للفيلم القصير    حدث بالفن| انفصال ندى الكامل عن زوجها ورانيا فريد شوقي تحيي ذكرى وفاة والدتها وعزاء عصام الشماع    مترو بومين يعرب عن سعادته بالتواجد في مصر: "لا أصدق أن هذا يحدث الآن"    حظك اليوم برج القوس الأربعاء 1-5-2024 مهنيا وعاطفيا.. تخلص من الملل    هل حرّم النبي لعب الطاولة؟ أزهري يفسر حديث «النرد» الشهير (فيديو)    هل المشي على قشر الثوم يجلب الفقر؟ أمين الفتوى: «هذا الأمر يجب الابتعاد عنه» (فيديو)    ما حكم الكسب من بيع وسائل التدخين؟.. أستاذ أزهرى يجيب    هل يوجد نص قرآني يحرم التدخين؟.. أستاذ بجامعة الأزهر يجيب    «الأعلى للطرق الصوفية»: نحتفظ بحقنا في الرد على كل من أساء إلى السيد البدوي بالقانون    إصابات بالعمى والشلل.. استشاري مناعة يطالب بوقف لقاح أسترازينيكا المضاد ل«كورونا» (فيديو)    طرق للتخلص من الوزن الزائد بدون ممارسة الرياضة.. ابعد عن التوتر    البنك المركزي: تحسن العجز في الأصول الأجنبية بمعدل 17.8 مليار دولار    نصائح للاستمتاع بتناول الفسيخ والملوحة في شم النسيم    "تحيا مصر" يكشف تفاصيل إطلاق القافلة الإغاثية الخامسة لدعم قطاع غزة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط.. صور    أفضل أماكن للخروج فى شم النسيم 2024 في الجيزة    اجتماعات مكثفة لوفد شركات السياحة بالسعودية استعدادًا لموسم الحج (تفاصيل)    مصدر أمني ينفي ما تداوله الإخوان حول انتهاكات بسجن القناطر    رئيس تجارية الإسماعيلية يستعرض خدمات التأمين الصحي الشامل لاستفادة التجار    الأمين العام المساعد ب"المهندسين": مزاولة المهنة بنقابات "الإسكندرية" و"البحيرة" و"مطروح" لها دور فعّال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«هدي خير العباد» من «زاد المعاد» ج 2 ◄31
نشر في فيتو يوم 11 - 12 - 2016

ومازالت القراءة مستمرة في كتاب «زاد المعاد في هدي خير العباد»، للإمام العلامة شيخ الإسلام؛ محمد بن أبى بكر بن سعد بن جرير الزرعى «ابن قيم الجوزية» الجزء الثاني.. احتفاء واحتفالا بذكرى مولد خاتم الأنبياء والمرسلين، خير الأنام محمد بن عبدالله، الرسول الكريم، صاحب القرآن العظيم والمعجزات الخالدة، والذي أعزه الله بها وجعلها شاهدة على صدق نبوته، وحمله لرسالة الإسلام للناس كافة بشيرا ونذيرا.. صلى الله عليه وسلم.. حيث ننهل من سيرته وهديه صلى الله عليه وسلم، ليكون شفيعا لنا يوم لا ينفع مال ولا بنون...
حيث نتابع القراءة في الجزء الثاني من هذا الكتاب القيم «زاد المعاد في هدي خير العباد»...
وفى ((الصحيحين)) من حديث أبى هريرة: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن الوِصَال، فقال رجل من المسلمين: إنكَ يا رسولَ اللَّه تُواصِل، فقال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: ((وأَيُّكُم مِثْلى، إنِّى أَبيتُ يُطْعِمُنى رَبِّى وَيَسْقِينى)).

وأيضاً: فإن النبى صلى الله عليه وسلم لما نهاهم عن الوِصَال، فأبوا أن ينتهوا، واصلَ بهم يوماً، ثم يوماً، ثم رأوا الهلال فقال: ((لو تَأَخَّرَ الهِلال، لزِدْتُّكم)) . كالمُنكِّل لهم حينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنِ الوِصَال .

وفى لفظ آخر: ((لو مُدَّ لنا الشَّهْرُ لوَاصَلْنا وِصَالاً يَدَعُ المُتَعَمِّقُون تَعَمُّقَهم، إنِّى لَسْتَُ مِثْلَكُمْ أو قال: إنَّكُم لَسْتُم مِثْلى فإنِّى أَظَلُّ يُطْعِمُنى ربِّى ويَسْقِينى)) فأخبر أنه يُطعَم ويُسقَى، مع كونه مُواصِلاً، وقد فعل فعلهم منكِّلاً بهم، معجِّزاً لهم فلو كان يأكل ويشرب، لما كان ذلك تنكيلاً، ولا تعجيزاً، بل ولا وِصَالاً، وهذا بحمد اللَّه واضح .

وقد نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن الوِصَال رحمة للأُمة، وأذِن فيه إلى السَّحَر، وفى صحيح البخارى، عن أبى سعيد الخدرى، أنه سَمِعَ النبىَّ صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تُواصِلوا فَأَيُّكُم أراد أنْ يُواصِل فَلْيُوَاصِل إلى السَّحَر)) .

فإن قيل: فما حُكمُ هذه المسألة، وهل الوِصَال جائز أو محرَّم أو مكروه؟ قيل: اختلف الناسُ فى هذه المسألة على ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه جائز إن قَدَرَ عليه، وهو مروى عن عبد اللَّه بن الزبير وغيره من السَلَف، وكان ابن الزبير يُواصِل الأيام، ومِنْ حُجةِ أرباب هذا القول، أن النبى صلى الله عليه وسلم واصل بالصحابة مع نهيه لهم عن الوِصَال، كما فى ((الصحيحين)) من حديث أبى هريرة، أنه نهى عن الوِصَال وقال: ((إنِّى لستُ كَهَيْئَتِكُم)) فلما أَبَوْا أن يَنْتَهُوا، واصَلَ بِهِمْ يوماً، ثم يوماً، فهذا وِصاله بهم بعد نهيه عن الوِصال، ولو كان النهى للتحريم، لما أَبَوْا أن ينتهوا، ولما أقرَّهم عليه بعد ذلك . قالوا: فلما فعلُوه بعد نهيه وهو يعلَم ويُقِرُّهم، عُلِمَ أنه أراد الرحمة بهم، والتخفيفَ عنهم، وقد قالت عائشةُ: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن الوِصال رحمة لهم متفق عليه .

وقالت طائفة أخرى: لا يجوز الوِصال، منهم: مالك، وأبو حنيفة، والشافعى، والثورى، رحمهم اللَّه، قال ابنُ عبد البر وقد حكاه عنهم: إنهم لم يُجيزوه لأحد .

قلت: الشافعى رحمه اللَّه نصَّ على كراهته، واختلف أصحابُه، هل هى كراهة تحريم أو تنزيه؟ على وجهين، واحتج المحرِّمون بنهى النبى صلى الله عليه وسلم، قالوا: والنهىُ يقتضى التحريم . قالوا: وقول عائشة: ((رحمة لهم)) لا يمنع أن يكون للتحريم، بل يُؤكده، فإن مِن رحمته بهم أن حرَّمه عليهم، بل سائرُ مناهيه للأمة رحمةٌ وحِمْيةٌ وصيانةٌ . قالوا: وأما مُواصلتُه بهم بعد نهيه، فلم يكن تقريراً لهم، كيف وقد نهاهم، ولكن تقريعاً وتنكيلاً، فاحتمل منهم الوِصال بعد نهيه لأجل مصلحة النهى فى تأكيد زجرهم، وبيانِ الحِكمة فى نهيهم عنه بظهور المفسدة التى نهاهم لأجلها، فإذا ظهرت لهم مفسدةُ الوِصال، وظهرت حِكمةُ النهى عنه، كان ذلك أدعى إلى قبولهم، وتركِهم له، فإنهم إذا ظهر لهم ما فى الوِصال، وأحسُّوا منه الملل فى العبادة والتقصير فيما هو أهمُّ وأرجحُ مِن وظائف الدِّين من القوةِ فى أمر اللَّه، والخشوع فى فرائضه، والإتيانِ بحقوقها الظاهرة والباطنة، والجوعُ الشديدُ يُنافى ذلك، ويحولُ بين العبد وبينه، تبيَّن لهم حِكمةُ النهى عن الوِصال والمفسدةُ التى فيه لهم دُونَه صلى اللَّه عليه وسلم .
قالوا: وليس إقرارُه لهم على الوِصال لهذه المصلحة الراجحة بأعظمَ مِن إقرار الأعرابى على البول فى المسجد لمصلحة التأليف، ولئلا يُنَفَّرَ عن الإسلام، ولا بأعظم من إقراره المسئ فى صلاته على الصلاة التى أخبرهم صلى اللَّه عليه وسلم أنها ليست بصلاة، وأن فاعلها غيرُ مصلٍّ، بل هى صلاةٌ باطلة فى دِينه فأقرَّه عليها لمصلحة تعليمه وقبوله بعد الفراغ، فإنه أبلغُ فى التعليم والتعلُّم، قالوا: وقد قال صلى اللَّه عليه وسلم: ((إذا أمَرْتُكم بأَمْرٍ، فأْتوا مِنْه ما اسْتَطَعْتُم، وإذا نَهَيْتُكم عن شئ فاجْتَنِبُوه)).

قالوا: وقد ذُكِرَ فى الحديث ما يَدُلُّ على أن الوِصال مِن خصائصه . فقال: ((إنِّى لَسْتُ كَهَيْئَتِكُم)) ولو كان مباحاً لهم، لم يكن من خصائصه .

قالوا: وفى ((الصحيحين)) من حديث عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ((إذا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَهُنا، وأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَهُنا، وَغَرَبت الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَر الصَّائِم)) .

وفى ((الصحيحين)) نحوه من حديث عبد اللَّه بن أبى أَوفى. قالوا: فجعله مفطراً حكماً بدخول وقت الفطر وإن لم يفطر، وذلك يُحيل الوِصال شرعاً .

قالوا: وقد قال صلى اللَّه عليه وسلم : ((لا تَزالُ أُمَّتى على الفِطْرة أو لا تَزالُ أُمَّتى بَخَيْر ما عَجَّلُوا الفِطْر)) .

وفى السنن عن أبى هريرة عنه: ((لا يَزَالُ الدِّينُ ظَاهِراً مَا عَجَّلَ النَّاسُ الفِطْرَ، إنَّ اليَهُودَ والنَّصَارَى يُؤخِّرُونَ)) .

وفى السنن عنه، قال: قال اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: ((أَحَبُّ عِبَادِى إلىَّ أَعْجَلُهُمْ فِطْراً)) . وهذا يقتضى كراهة تأخير الفِطر، فكيف تركُه، وإذا كان مكروهاً، لم يكن عبادة، فإن أقلَّ درجاتِ العبادة أن تكونَ مُستحَبة .

والقول الثالث وهوأعدلُ الأقوال: أن الوِصال يجوز من سَّحَر إلى سَّحَر، وهذا هو المحفوظ عن أحمد، وإسحاق، لحديث أبى سعيد الخُدرى، عن النبى صلى الله عليه وسلم:
((لا تُواصلوا فأَيُّكم أراد أنْ يُواصِل فليواصل إلى السَّحَر)) . رواه البخاري وهو أعدلُ الوِصال وأسهلُه علِى الصائم، وهو فى الحقيقة بمنزلة عشائه إلا أنه تأخَّر، فالصائم له فى اليوم والليلة أكلة، فإذا أكلها فى السَّحَر، كان قد نقلها من أول الليل إلى آخره .. واللَّه أعلم .

◄ فى أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يدخل فى صوم رمضان إلا برؤية محققة أو بشهادة شاهد واحد

وكان من هَدْيه صلى اللَّه عليه وسلم أن لا يدخُل فى صوم رمضان إلا بُرؤيةٍ محقَّقة، أو بشهادة شاهدٍ واحد، كما صام بشهادة ابن عمر، وصام مرة بشهادة أعرابى، واعتمد على خبرهما، ولم يُكلِّفْهما لفظَ الشهادة . فإن كان ذلك إخباراً، فقد اكتفى فى رمضان بخبر الواحد، وإن كان شهادة، فلم يُكلِّف الشاهدَ لفظَ الشهادة، فإن لم تكن رؤيةٌ، ولا شهادةٌ، أكمل عِدَة شعبان ثلاثين يوماً .

وكان إذا حال ليلةَ الثلاثين دون منظره غيمٌ أو سحاب، أكمل عِدَّة شعبان ثلاثين يوماًً، ثم صامه . ولم يكن يصوم يومَ الإغمام، ولا أمرَ به، بل أمر بأن تُكمَّل عِدة شعبان ثلاثين إذا غُمَّ، وكان يفعل كذلك، فهذا فعله، وهذا أمرُه، ولا يُنَاقِضُ هذا قوله: ((فإنْ غُمَّ عَلَيْكُم فاقْدُرُوا له))، فإن القدر: هو الحِسابُ المقدَّر، والمراد به الإكمال كما قال: ((فأَكْمِلُوا العِدَّة)) والمراد بالإكمال، إكمالُ عِدَّة الشهر الذى غُمَّ، كما قال فى الحديث الصحيح الذى رواه البخارى: ((فأَكْمِلُوا عِدَّة شَعبان)) .
وقال: ((لا تَصُوموا حَتَّى تَروهُ، ولا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْه، فإن غُمَّ عليكم فأكْمِلوا العِدَّة)) والذى أمر بإكمال عِدَّته، هو الشهرُ الذى يغم، وهو عند صيامه وعند الفطر منه، وأصرحُ من هذا قوله: ((الشَّهْرُ تِسْعَةٌ وعِشْرون، فلا تَصُومُوا حَتَّْى تَرَوه، فإنْ غُمَّ عليكم فأَكْمِلُوا العِدَّة))، وهذا راجع إلى أول الشهر بلفظه وإلى آخره بمعناه، فلا يجوز إلغاء ما دلَّ عليه لفظُه، واعتبارُ ما دلَّ عليه من جهة المعنى . وقال: ((الشَّهْرُ ثَلاثون، والشَّهْرُ تِسْعَةٌ وعِشْرون، فإنْ غُمَّ عليكم فَعُدُّوا ثَلاثين)) .

وقال: ((لا تَصُومُوا قَبْلَ رَمَضَانَ، صُومُوا لِرٌوْيَتِهِ، وأَفْطِروا لِرُؤيتِهِ، فإن حَالَتْ دَونَه غَمَامَةٌ فأكْمِلُوا ثلاثين)) .

وقال: ((لا تَقدَّموا الشَّهْرَ حَتَّى ترَوُا الهِلال، أوْ تُكْمِلوا العِدَّة، ثُمَّ صُومُوا حَتَّى تَرَوُا الهِلاَلَ، أَوْ تُكْمِلوا العِدَّة)).

وقالت عائشة رضى اللَّه عنها:
((كانَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يتحفَّظُ مِنْ هِلالِ شَعْبَانِ مَا لاَ يَتَحَفَّظُ مِنْ غيره، ثم يَصُومُ لِرُؤيَتِهِ، فإن غُمَّ عَلَيْهِ، عَدَّ شَعْبَانَ ثَلاثينَ يَوْماً، ثُمَّ صَام))َ صححه الدارقطنى وابن حبان .

وقال: ((صُومُوا لرُؤْيتِه، وأَفْطِروا لِرُؤْيتِه، فإنْ غُمَّ عَلَيْكُم، فاقْدُرُوا ثَلاثين)) .
وقال: ((لا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْه، ولا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْه، فإنْ أُغْمى عَلَيْكُم، فاقْدُرُوا لَهُ)) .
وقال: ((لا تَقَدَّمُوا رَمَضَان)) . وفى لفظ: ((لا تَقَدَّمُوا بَيْنَ يَدَىْ رَمَضَان بِيَومٍ، أَوْ يَوْمَيْن، إلاَّ رَجُلاً كان يَصُومَ صِيَاماً فَلْيَصُمْهُ)) .

والدليل على أن يومَ الإغمام داخلٌ فى هذا النهى، حديثُ ابن عباس يرفعه: ((لا تَصُومُوا قَبْلَ رَمَضان، صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فإن حَالَتْ دُونَهُ غَمَامَةٌ، فأَكْمِلُوا ثَلاثِينَ)) ذكره ابن حبان فى صحيحه.
فهذا صريح فى أن صومَ يوم الإغمام مِن غير رُؤية، ولا إكمالِ ثلاثين صومٌ قَبْلَ رمضان .
وقال: ((لا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ إلاَّ أَنْ تَرَوُا الهِلالَ، أَوْ تُكْمِلُوا العِدَّة، ولا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوُا الهِلالَ، أَوْ تُكْمِلُوا العِدَّةَ)) .
وقال: ((صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فإنْ حَالَ بَيْنَكُم وَبَيْنَهُ سَحَاب، فَأَكْمِلُوا العِدَّة ثَلاثين، ولا تَسْتَقْبِلُوا الشَّهْرَ اسْتِقْبَالاً)) .
قال الترمذى: حديث حسن صحيح .

وفى النسائى: من حديث يونس، عن سِماك، عن عكرمة، عن ابن عباس يرفعه((صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فإنْ غُمَّ عَلَيْكُم، فَعُدُّوا ثَلاثين يَوْماً، ثُمَّ صُومُوا، ولا تَصُومُوا قَبْلَه يَوْماً، فإن حَال بَيْنَكُم وبينه سَحَابٌ، فَأَكْمِلُوا العِدَّة عِدَّةَ شَعْبَان)) .

وقال سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، تمارى الناسُ فى رؤية هلال رمضان، فقال بعضُهم: اليومَ . وقال بعضهم: غداً . فجاء أعرابى إلى النبى صلى الله عليه وسلم، فذكر أنَّه رآه، فقال النبىُّ صلى الله عليه وسلم: ((أَتَشْهَدُ أَنْ لا إله إلاَّ اللَّه، وأَنَّ مُحَمَّداً رَسولْ اللَّه))؟ قال: نعم . فأمَر النبىُّ صلى الله عليه وسلم بلالاً، فَنَادَى فى النَّاسِ: صُومُوا . ثم قال: ((صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِه، فإنْ غُمَّ عَلَيْكُم فَعُدُّوا ثَلاثين يَوْماً، ثُمَّ صُومُوا، ولا تَصُومُوا قَبْلَه يَوْماً)).

وكل هذه الأحاديث صحيحةٌ، فبعضُها فى ((الصحيحين)) وبعضها فى صحيح ابن حبان، والحاكم، وغيرهما، وإن كان قد أُعِلَّ بعضُها بما لا يقدَحُ فى صحة الاستدلال بمجموعها، وتفسير بعضها ببعض، واعتبار بعضها ببعض، وكلها يُصدِّقُ بعضُها بعضاً، والمراد منها متفق عليه .

فإن قيل: فإذا كان هذا هَدْيَه صلى اللَّه عليه وسلم، فكيف خالفه عُمَرُ بن الخطاب، وعلىُّ بنُ أبى طالب، وعبدُ اللَّه بن عمر، وأنسُ بن مالك، وأبو هريرة، ومعاوية، وعمرو بن العاص، والحكمُ بن أيوب الغفارى، وعائشةُ وأسماء ابنتا أبى بكر، وخالفه سالمُ بن عبد اللَّه، ومجاهد، وطاووس، وأبو عثمان النَّهْدى، ومطرِّف بن الشِّخِّير، وميمون بن مِهران، وبكر بن عبد اللَّه المزنى، وكيف خالفه إمامُ أهلِ الحديث والسُّنَّة، أحمدُ ابنُ حنبل، ونحن نُوجدكم أقوال هؤلاء مسندة؟

فأما عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، فقال الوليد بن مسلم : أخبرنا ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، أن عمر بن الخطاب كان يصوم إذا كانت السماء فى تلك الليلة مغيمة ويقول: ليس هَذَا بالتقدُّم، ولكنَّه التحرِّى .

وأما الرواية عن علىٍّ رضى اللَّه عنه، فقال الشافعى: أخبرنا عبد العزيز بن محمد الدَّراوردى، عن محمد بن عبد اللَّه بن عمرو بن عثمان، عن أمه فاطمة بنت حسين، أن علىَّ بن أبى طالب قال: لأن أصومَ يوماً من شعبان، أحبُّ إلىَّ من أن أُفْطِرَ يوماً من رمضان .

وأما الرواية عن ابن عمر: ففى كتاب عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن أيوب، عن ابن عمر قال: كان إذا كان سحابٌ أصبحَ صائماً، وإن لم يكن سحاب، أصبح مفطراً.

وفى ((الصحيحين)) عنه، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا رَأَيْتُمُوه، فَصُومُوا، وإذا رَأَيْتُمُوه فَأَفْطِرُوا، وإنْ غُمَّ عَلَيْكُم فاقْدُرُوا له)) . زاد الإمام أحمد رحمه اللَّه بإسناد صحيح، عن نافع قال: كان عبد اللَّه إذا مضى من شعبان تسعة وعشرون يوماً، يَبْعَثُ مَن ينظرُ، فإن رأى، فذاك، وإن لم يَر، ولم يَحُلْ دون منظره سحابٌ ولا قتر، أصبح مفطراً، وإن حال دون منظره سحابٌ أو قَتَر أصبح صائماً .

وأما الرواية عن أنس رضى اللَّه عنه: فقال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا يحيى بن أبى إسحاق قال: رأيتُ الهِلال إما الظهرَ، وإِما قريباً منه، فأفطر ناسٌ من الناس، فأتينا أنسَ بن مالِكٍ، فأخبرناه برؤية الهلال وبإفطار مَن أفطر، فقال: هذا اليوم يكمل لى أحد وثلاثون يوماً، وذلك لأن الحكم بن أيوب، أرسل إلىَّ قبلَ صيام الناس: إنى صائم غداً، فكرهتُ الخلافَ عليه، فصمتُ وأنا مُتِمٌّ يومى هذا إلى الليل .

وأما الرواية عن معاوية، فقال أحمد: حدثنا المغيرة، حدثنا سعيد بن عبد العزيز، قال: حدثنى مكحول، ويونس بن ميسرة بن حَلْبَس، أن معاوية ابن أبى سفيان كان يقول: لأن أَصُومَ يوماً مِنْ شعبانَ، أحبُّ إلىَّ من أن أُفْطِرَ يوماً مِنْ رمضان .

وأما الروايةُ عن عمرو بن العاص . فقال أحمد: حدثنا زيدُ بن الحباب، أخبرنا ابن لهيعة، عن عبد اللَّه بن هُبَيْرَةَ، عن عمرو بن العاص، أنه كان يصومُ اليومَ الذى يُشَك فيه من رمضان وأما الرواية عن أبى هُريرة، فقال: حدثنا عبدُ الرحمن بن مهدى، حدثنا معاويةُ بن صالح، عن أبى مريم مولى أبى هُريرة قال: سمعتُ أبا هُريرة يقول: لأن أتعجَّل فى صَوْمِ رَمَضَانَ بيوم، أحبُّ إلىَّ من أن أتأخر، لأنى إذا تَعَجَّلْتُ لم يَفُتْنى، وإذا تأخَّرت فاتَنى .

وأما الرواية عن عائشة رضى اللَّه عنها، فقال سعيدُ بن منصور: حدثنا أبو عوانة عن يزيد بن خُمير، عن الرسول الذى أتى عائشة فى اليوم الذى يُشك فيهِ من رمضان قال: قالت عائشة: لأن أَصُوم يَوْماً مِن شَعْبَانَ، أحبُّ إلىَّ مِن أَنْ أُفْطِرَ يوماً مِنْ رَمَضَانَ.

وأما الرواية عن أسماء بنت أبى بكر رضى اللَّه عنهما، فقال سعيد أيضاً: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن، عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر قالت: ما غُمَّ هلالُ رمضان إلا كانت أسماءُ متقدِّمةً بيوم، وتأمُرُ بتقدُّمه .

وقال أحمد: حدثنا روح بن عبادة، عن حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن فاطمة، عن أسماء، أنها كانت تصومُ اليوم الذى يُشك فيه من رمضان .

وكل ما ذكرناه عن أحمد، فمن مسائل الفضل بن زياد عنه .

وقال فى رواية الأثرم: إذا كان فى السماء سحابةٌ أو عِلَّة، أصبح صائماً، وإن لم يكن فى السماء عِلَّة، أصبح مفطراً، وكذلك نقل عنه ابناه صالح، وعبد اللَّه، والمروزى، والفضل بن زياد، وغيرهم .

فالجواب من وجوه .

أحدها: أن يُقال: ليس فيما ذكرتُم عن الصحابة أثرٌ صالح صريح فى وجوب صومه حتى يكون فعلُهم مخالفاً لهَدْى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وإنما غايةُ المنقولِ عنهم صومُه احتياطاً، وقد صرَّح أنس بأنه إنما صامه كراهةً للخلاف على الأمراء، ولهذا قال الإمام أحمد فى رواية: الناسُ تبعٌ للإمام فى صومه وإفطاره، والنصوصُ التى حكيناها عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مِن فعله وقوله، إنما تدُلُّ على أنه لا يجب صومُ يوم الإغمام، ولا تدُلُّ على تحريمه، فَمَنْ أفطره، أخذ بالجواز، ومَنْ صامه، أخذ بالاحتياط .

الثانى: أن الصحابة كان بعضُهم يصومُه كما حكيتُم، وكان بعضُهم لا يصُومه، وأصحُ وأصرحُ مَن رُوى عنه صومُه: عبد اللَّه بن عمر، قال ابن عبد البر: وإلى قوله ذهب طاووس اليمانى، وأحمد بن حنبل، ورُوى مثلُ ذلك عن عائشة وأسماء ابنتى أبى بكر، ولا أعلم أحداً ذهب مذهب ابن عمر غيرهم، قال: وممن رُوى عنه كراهةُ صومِ يومِ الشَّكِ، عُمَرُ بنُ الخطاب، وعلىُ بن أبى طالب، وابن مسعود، وحذيفة، وابن عباس، وأبو هريرة، وأنس بن مالك رضى اللَّه عنهم .

قلت: المنقول عن علىّ، وعمر، وعمار، وحذيفة، وابن مسعود، المنع من صيام آخر يوم من شعبان تطوعاً، وهو الذى قال فيه عمار : مَنْ صَامَ اليَوْمَ الَّذِى يُشَكُّ فِيهِ فَقَدْ عَصَى أَبا القَاسِم .

فأما صومُ يوم الغيم احتياطاً على أنه إن كان من رمضان، فهو فرضُه وإلا فهو تطوعٌ، فالمنقُولُ عن الصحابة، يقتضى جوازه، وهو الذى كان يفعلُه ابنُ عمر، وعائشة، هذا مع رواية عائشة: أن النبى صلى الله عليه وسلم، كان إذا غُمَّ هلالُ شعبان، عدَّ ثلاثين يوماً ثم صام، وقد رُدَّ حديثُها هذا، بأنه لو كان صحيحاًِ، لما خالفته، وجعل صيامها عِلَّةً فى الحديث، وليس الأمرُ كذلك، فإنها لم تُوجب صيامه، وإنما صامته احتياطاً، وفهمت من فعل النبى صلى الله عليه وسلم وأمره أن الصيامَ لا يجبُ حتى تكمُل العِدَّة، ولم تفهم هى ولا ابنُ عمر، أنه لا يجوز .

وهذا أعدل الأقوال فى المسألة، وبه تجتمِع الأحاديثُ والآثار، ويدل عليه ما رواه معمر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لهلال رمضان: ((إذا رأيتُمُوه فصُوموا، وإذا رأيتُمُوه فأفطروا، فإنْ غُمَّ عليكم، فاقْدُرُوا له ثلاثين يوماً)) . ورواه ابن أبى روّاد، عن نافع عنه: ((فإنْ غُمَّ عليكم، فأكْمِلُوا العِدَّة ثَلاثين)).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.