ضياء رشوان: الحوار الوطني يطالب بالإفراج عن الصحفيين المحبوسين (فيديو)    عمرو أديب معلقاً على واقعة مدرس الجيولوجيا:" تكلفة الحصة مليون و200.. توم كروز مابيخدهاش"    آخر تحديث.. سعر الذهب اليوم الاثنين 10-6-2024 في محلات الصاغة    خالد البلشي: تحسين الوضع المهني للصحفيين ضرورة.. ونحتاج تدخل الدولة لزيادة الأجور    بدء عمل لجنة حصر أملاك وزارة التضامن الاجتماعي في الدقهلية    مستعدون لاستلام السلطة، أول تعليق من لوبان على فوز اليمين الفرنسي    الاحتلال يداهم عددا من المنازل في مدينة قلقيلية    شقيقة كيم تتوعد برد جديد على نشر سيول للدعاية بمكبرات الصوت    التشكيل المتوقع لمباراة مصر وغينيا بيساو في تصفيات كأس العالم 2026    ميدو: مباراة بوركينا فاسو نقطة تحول في مسيرة حسام حسن مع المنتخب    ليفربول يعلن إصابة قائده السابق ألان هانسن بمرض خطير    مديرة مدرسة في المنوفية تتخلص من حياتها بحبة الغلة السامة    مواعيد امتحانات الدور الثاني لطلاب المرحلة الإعدادية بالإسكندرية    «لا تنخدعوا».. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم في مصر (موجة حارة شديدة قادمة)    «كنت مرعوبة».. الفنانة هلا السعيد عن واقعة «سائق أوبر»: «خوفت يتعدي عليا» (خاص)    ضياء رشوان ل قصواء الخلالي: لولا دور الإعلام في تغطية القضية الفلسطينية لسُحقنا    دعاء رابع ليالي العشر من ذي الحجة.. «اللهم اهدني فيمن هديت»    «الإفتاء» توضح حكم صوم الحاج لأيام العشر من ذي الحجة.. شرط وحيد    سورة في القرآن احرص على قراءتها بالعشر الأوائل من ذي الحجة.. «اكسب أجرها»    وصفة سحرية للتخلص من الدهون المتراكمة بفروة الرأس    عددهم 10 ملايين، تركيا تفرض حجرًا صحيًا على مناطق بالجنوب بسبب الكلاب    برقم الجلوس.. نتيجة الدبلومات الفنية 2024 في القاهرة والمحافظات (رابط متاح للاستعلام)    تحرير 36 محضرا وضبط 272.5 كيلو أغذية منتهية الصلاحية بمدينة دهب    عمر جابر ساخرًا: انضمامي للمنتخب بسبب صداقتي بمحمد صلاح "يحدث في عالم سمسم"    الفنانة التونسية لطيفة في حوار خاص مع "البوابة": والدتي كانت مصدر قوتي إلهامي.. أختار أغنياتي بناءً على شعوري الشخصي    خلاف بين كولر ولجنة التخطيط بسبب نجم الأهلي    بمساحة 3908 فدان.. محافظ جنوب سيناء يعتمد المخطط التفصيلي للمنطقة الصناعية بأبو زنيمة    استطلاع: 54% من مؤيدي بايدن يدعمونه فقط لمعارضة ترامب في انتخابات الرئاسة    النسبة التقديرية للإقبال في انتخابات الاتحاد الأوروبي تقترب من 51%    عمر جابر يكشف كواليس حديثه مع لاعبي الزمالك قبل نهائي الكونفدرالية    "صحة الشيوخ" توصي بوضع ضوابط وظيفية محددة لخريجي كليات العلوم الصحية    أمر ملكى سعودى باستضافة 1000 حاج من ذوى شهداء ومصابى غزة استثنائياً    مقتل مزارع على يد ابن عمه بالفيوم بسبب الخلاف على بناء سور    سقوط 150 شهيدا.. برلمانيون ينددون بمجزرة النصيرات    رئيس منظمة مكافحة المنشطات: رمضان صبحى ما زال يخضع للتحقيق حتى الآن    لميس الحديدي تعلن إصابتها بمرض السرطان منذ 10 سنوات.. التفاصيل    القطاع الديني بالشركة المتحدة يوضح المميزات الجديدة لتطبيق "مصر قرآن كريم"    المستشار محمود فوزي: أداء القاهرة الإخبارية مهني والصوت المصري حاضر دائما    حلو الكلام.. إنَّني أرقص دائمًا    «بنضم للمنتخب عشان صاحب صلاح؟».. عمر جابر يخرج عن صمته بتعليق ناري    رسالة غامضة من الممثل التركي كرم بورسين لجمهوره.. وهذا ما كشفه    اتحاد الكرة يكشف تطورات أزمة مستحقات فيتوريا    صافرات الإنذار تدوى فى عكا وبلدات عدة شمالى إسرائيل    نقيب الصحفيين: نحتاج زيادة البدل من 20 إلى 25% والقيمة ليست كبيرة    تعرف على فضل مكة المكرمة وسبب تسميتها ب«أم القرى»    البابا تواضروس يصلي عشية عيد القديس الأنبا أبرآم بديره بالفيوم    الحج السياحي | 1298 شركة تتنافس لتقديم خدمات مميزة للحجاج    عوض تاج الدين: الجينوم المصرى مشروع عملاق يدعمه الرئيس السيسى بشكل كبير    مصر في 24 ساعة| لميس الحديدي: أصيبت بالسرطان منذ 10 سنوات.. وأحمد موسى يكشف ملامح الحكومة الجديدة    بعد وفاة 40 مواطن لارتفاع الحرارة.. نائبة تطالب بوقف تخفيف الأحمال في أسوان    لميس الحديدي تكشف تفاصيل تهديدها بالقتل في عهد الإخوان    شعبة الدواجن: حرارة الجو السبب في ارتفاع أسعارها الأيام الماضية    انتحار مديرة مدرسة بحبة حفظ الغلال بالمنوفية    محافظ المنوفية يفتتح أعمال تطوير النصب التذكاري بالباحور    "ابدأ": 70% من المشكلات التي تواجه المصنعين تدور حول التراخيص وتقنين الأوضاع    دعاء وفضل العشر الأوائل من ذي الحجة    الطالبات يتصدرن.. «أزهر المنيا» تعلن أسماء أوائل الشهادة الإعدادية 2024    زيادة أكثر من 200 جنيه، ارتفاع سعر دواء شهير لعلاج مرضى الصرع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«هدي خير العباد» من «زاد المعاد».. 12
نشر في فيتو يوم 17 - 11 - 2016

مازالت القراءة مستمرة في كتاب «زاد المعاد في هدي خير العباد»، للإمام العلامة شيخ الإسلام؛ محمد بن أبى بكر بن سعد بن جرير الزرعى «ابن قيم الجوزية».. احتفاء واحتفالا بقرب قدوم ذكرى مولد خاتم الأنبياء والمرسلين، خير الأنام محمد بن عبدالله، الرسول الكريم، صاحب القرآن العظيم والمعجزات الخالدة، والذي أعزه الله بها وجعلها شاهدة على صدق نبوته، وحمله لرسالة الإسلام للناس كافة بشيرا ونذيرا.. صلى الله عليه وسلم.. حيث ننهل من سيرته وهديه صلى الله عليه وسلم، ليكون شفيعا لنا يوم لا ينفع مال ولا بنون...
وقد اختلف الناس في القيام والسجود أيُهُمَا أفضلُ؟ فرجحت طائفة القيام لوجوه.
أحدُها: أن ذِكْره أفضلُ الأذكار، فكان ركنُه أفضلَ الأركان.
والثاني: قوله تعالى: {قُومُوا للهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]. الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم: ((أَفْضَلُ الصَّلاَةِ طُولُ القُنُوتِ)).

وقالت طائفة: السجودُ أفضلُ، واحتجت بقولِه صلى الله عليه وسلم: ((أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجدٌ)) وبحديث مَعدان بنِ أبي طلحة قال: لقيتُ ثوبانَ مولى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: حدّثني بحديثٍ عسى اللَّهُ أن ينفعَني به؟ فقال: ((عَلَيْكَ بِالسُّجُودِ)) فإني سَمِعْتُ رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْجُدُ للَّهِ سَجْدَةً إِلاَّ رَفَعَ اللَّهُ لَهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً)) قال معدان: ثم لقِيتُ أبا الدرداء، فسألتُه، فقال لِي مثلَ ذلك.وقال رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم لِربيعة بنِ كعبٍ الأسلمي وقد سأله مرافقتَه في الجنَّة ((أَعنِيِّ عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ)).

وأولُ سورة أُنزِلت على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سورةُ (اقْرَأْ) على الأصح، وختمها بقوله: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19].

وبأن السجود للّه يقع مِن المخلوقات كلِّها علويِّها وسُفليِّها، وبأن الساجد أذلُّ ما يكون لربه وأخضعُ له، وذلك أشرفُ حالات العبد، فلهذا كان أقرب ما يكون من ربِّه في هذه الحالة، وبأن السجودَ هو سرُّ العبودية، فإن العبودية هي الذُّلُّ والخُضوعُ، يقال: طريق معبَّد، أي ذللته الأقدام، ووطأته، وأذلُّ ما يكون العبد وأخضع إذا كان ساجداً.

وقالت طائفة: طولُ القيامِ بالليل أفضلُ، وكثرةُ الركوع والسجود بالنهار أفضلُ، واحتجت هذه الطائفةُ بأن صلاة الليل قد خُصَّت باسم القيام، لقوله تعالى: {قُمِ اللَيْلَ} [المزمل: ا] وقوله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ قَامَ رَمَضانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً))، ولهذا يُقال: قيامُ الليل، ولا يقال: قيامُ النهار، قالوا: وهذا كان هديَ النبي صلى الله عليه وسلم،فإنه ما زاد في الليل على إحدى عشرة ركعة، أو ثلاثَ عشرة ركعة.

وكان يُصلي الركعة في بعض الليالي بالبقرة وآل عمران والنساء وأما بالنهار، فلم يُحفظ عنه شيء من ذلك، بل كان يخفف السنن.

وقال شيخنا: الصواب أنهما سواء، والقيامُ أفضلُ بذكره وهو القراءة، والسجودُ أفضلُ بهيئَته، فهيئَةُ السجود أفضلُ مِن هيئَة القيام، وذكرُ القيام أفضلُ من ذكر السجود، وهكذا كان هَدْيُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فإنه كان إذا أطال القيام، أطال الركوعَ والسجود، كما فعل في صلاة الكسوف، وفي صلاة الليل، وكان إذا خَفَفَ القيام، خَفَّفَ الركوعَ والسجود، وكذلك كان يفعلُ في الفرض، كما قاله البراء بن عازب: كان قيامُه وركوعُه وسجُودُه واعتدالُه قريباً من السواء. واللّه أعلم.
ثم كان صلى الله عليه وسلم يرفع رأسه مكبِّراً غيرَ رافعٍ يديه، ويرفع من السجود رأسه قبل يديه، ثم يجلِس مفترِشاً، يفرِشُ رجلَه اليُسرى، ويجلس عليها، وَيَنْصِبُ اليمنى. وذكر النَّسائي عن ابن عمر قال: مِن سنة الصلاة أن ينصِب القدم اليمنى، واستقبالُه بأصابعها القبلة، والجلوسُ على اليسرى ولم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم في هذا الموضع جلسة غير هذه.

وكان يضع يديه على فخذيه، ويجعل مِرفقه على فخذه، وطرف يده على رُكبته، ويقبض ثنتين من أصابعه، ويحلِّق حلقة، ثم يرفع أصبعه يدعو بها ويُحرِّكها، هكذا قال وائل بن حُجر عنه.

وأما حديث أبي داود عَنْ عبد اللّه بن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُشير بأصبعه إذا دعا ولا يُحركها فهذه الزيادة في صحتها نظر، وقد ذكر مسلم الحديث بطوله في ((صحيحه))عنه، ولم يذكر هذه الزيادة، بل قال: كان رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم إذا قَعَدَ في الصلاة، جعل قدمَه اليسرى بين فخذه وساقه، وفرش قدمه اليُمْنى، ووضع يَدَه اليُسرى على رُكبته اليسرى، ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، وأشار بأصبعه.

وأيضاً فليس في حديث أبي داود عنه أن هذا كان في الصلاة.

وأيضاً لو كان في الصلاة، لكان نافياً، وحديث وائل بن حُجر مثبتاً،وهو مقدَّم، وهو حديث صحيح، ذكره أبو حاتم في ((صحيحه)).

ثم كان يقول: [بين السجدتين]: ((اللَّهُمَّ اغفِرْ لِي وَارْحَمْنِي واجْبُرني وَاهْدِني، وَارْزُقْنِي)) هكذا ذكره ابن عباس رضي اللّه عنهما عنه صلى الله عليه وسلم وذكر حذيفة أنه كان يقول: ((رَبِّ اغْفِرْ لي، رَبِّ اغفِرْ لِي)).

وكان هديه صلى الله عليه وسلم إطالةَ هذا الركن بقدر السجود، وهكذا الثابتُ عنه في جميع الأحاديث، وفي ((الصحيح)) عن أنس رضي اللّه عنه: كانَ رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم يقعُد بين السجدتين حتى نقول: قَدْ أَوْهَمَ وهذه السنةُ تركها أكثرُ الناس مِن بعد انقراض عصر الصحابة، ولهذا قال ثابت: وكان أنس يصنع شيئاً لا أراكم تصنعونه، يمكُث بين السجدتين حتى نقول: قد نسي، أوقد أوهم.

وأما من حكَّم السنة ولم يلتفت إلى ما خالفها، فإنه لا يعبأ بما خالف هذا الهديَ.


ثم كان صلى الله عليه وسلم ينهض على صدور قدميه وركبتيه معتمِداً على فخذيه كما ذكر عنه: وائل وأبو هريرة، ولا يعتمِد على الأرض بيديه وقد ذكر عنه مالك بن الحُويرث أنه كان لا ينهضُ حتى يستوي جالسا. وهذه هي التي تُسمى جلسة الاستراحة.

واختلف الفقهاء فيها هل هي من سنن الصلاة، فيستحب لكل أحد أن يفعلها، أو ليست من السنن، وإنما يفعلُها من احتاج إليها؟ على قولين هما روايتان عن أحمد رحمه اللّه. قال الخلال: رجع أحمد إلى حديث مالك بن الحويرث في جلسة الاستراحة، وقال: أخبرني يُوسف بن موسى، أن أبا أُمامة سئلَ عن النهوض، فقال: على صُدور القدمين على حديث رفاعة. وفي حديث ابن عجلان ما يدلُّ على أنه كان ينهض على صدور قدميه، وقد روي عن عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وسائر من وصف صلاته صلى الله عليه وسلم لم يذكر هذه الجلسة، وإنما ذكرت في حديث أبي حُميد، ومالك بن الحويرث. ولو كان هديُه صلى الله عليه وسلم فعلَها دائماً، لذكرها كلُّ من وصف صلاته صلى الله عليه وسلم ومجردُ فعله صلى الله عليه وسلم لها لا يدلُّ على أنها من سنن الصلاة، إلا إذا علِمَ أنه فعلها على أنها سنَّة يُقتدى به فيها، وأما إذا قُدِّر أنه فعلها للحاجة، لم يدل على كونها سنة من سنن الصلاة، فهذا من تحقيق المَنَاط في هذه المسألة.

وكان إذا نهض، افتتح القراءة، ولم يسكت كما كان يسكُت عند افتتاح الصلاة، فاختلف الفقهاء: هل هذا موضع استعاذة أم لا بعد اتفاقهم على أنه ليس موضعَ استفتاح؟ وفي ذلك قولان هما روايتان عن أحمد، وقد بناهما بعض أصحابه على أن قراءة الصلاة هل هي قراءة واحدة؟ فيكفي فيها استعاذة واحدة، أو قراءةُ كلِّ ركعة مستقلة برأسها. ولا نزاع بينهم أن الاستفتاح لمجموع الصلاة، والاكتفاء باستعاذة واحدة أظهر، للحديث الصحيح عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نهض من الركعة الثانية استفتح القراءة ب (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِين) ولم يسكت وإنما يكفي استعاذة واحدة، لأنه لم يتخلل القراءتين سكوتٌ، بل تخللهما ذكر، فهي كالقراءة الواحدة إذا تخللها حمدُ اللَّهِ، أو تسبيح، أو تهليل، أو صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك.

وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم، يصلي الثانية كالأولى سواء، إلا في أربعة أشياء: السكوت، والاستفتاح، وتكبيرة الإِحرام، وتطويلها كالأولى، فإنه صلى الله عليه وسلم كان لا يستفتحُ، ولا يسكتُ، ولا يُكبر للإِحرام فيها، ويقصرها عن الأولى، فتكون الأولى أطولَ منها في كل صلاة كما تقدم.

فإذا جلس للتشهد، وضع يده اليسرى على فخذه اليسرى، ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، وأشار بأصبعه السبابة، وكان لا ينصِبُها نصباً، ولا يُنيمها،بل يَحنيها شيئاً، ويحركها شيئاً، كما تقدم في حديث وائل بن حُجر، وكان يقبِض أصبعين وهما الخِنصر والبِنصر، ويُحلِّق حلقة وهي الوسطى مع الإِبهام ويرفع السبابة يدعو بها، ويرمي ببصره إليها، ويبسُط الكف اليسرى على الفخذ اليسرى، ويتحامل عليها.

وأما صفة جلوسه، فكما تقدم بين السجدتين سواء، يجلس على رجله اليُسرى، وينصِب اليمنى. ولم يُرو عنه في هذه الجلسة غير هذه الصفة.

وأما حديثُ عبد اللّه بن الزبير رضي اللّه عنه الذي رواه مسلم ((صحيحه)) أنه صلى الله عليه وسلم، كان إذا قَعَد في الصلاة، جعل قَدَمَه اليُسرى بين فخذه وساقه، وفرش قدمه اليمنى فهذا في التَّشهد الأخير كما يأتي، وهو أحدُ الصفتين اللتين رُويتا عنه، ففي ((الصحيحين)) مِن حديث أبي حُميد في صفة صلاته صلى الله عليه وسلم: ((فإذَا جلس في الركعتين، جَلَس على رِجله اليُسرى، ونصَب الأخرى، وإذا جلس في الركعة الأخيرة، قدَّم رجله اليسرى، وَنصبَ اليمنى، وَقَعَد على مقعدته)) فذكر أبو حُميد أنه كان ينصِب اليمنى. وذكر ابن الزبير أنه كان يفرشها، ولم يقل أحد عنه صلى الله عليه وسلم: إن هذه صفة جلوسه في التشهد الأول، ولا أعلم أحداً قال به، بل مِن الناس من قال: يتورَّك في التشهدين، وهذا مذهب مالك رحمه اللّه،ومِنهم من قال: يفترش فيهما، فينصب اليمنى، ويفترش اليُسرى، ويجلس عليها، وهو قول أبي حنيفة رحمه اللّه، ومنهم من قال يتورَّك في كل تشهد يليه السلام، ويفترش في غيره، وهو قول الشافعي رحمه اللّه، ومنهم من قال يتورَّك في كلِّ صلاة فيها تشهدان في الأخير منهما، فرقاً بين الجلوسين، وهو قول الإِمام أحمد رحمه اللّه. ومعنى حديث ابن الزبير رضي اللّه عنه أنه فرش قدمه اليمنى: أنه كان يجلس في هذا الجلوس على مقعدته، فتكون قدمه اليمنى مفروشةً، وقدمُه اليُسرى بين فخذه وساقه، ومقعدته على الأرض، فوقع الاختلاف في قدمه اليمنى في هذا الجلوس: هل كانت مفروشة أو منصوبة؟ وهذا - واللّه أعلم - ليس اختلافاً في الحقيقة، فإنه كان لا يجلس على قدمه، بل يخرجها عن يمينه، فتكون بين المنصوبة والمفروشة، فإنها تكون على باطنها الأيمن، فهي مفروشة بمعنى أنه ليس ناصباً لها، جالساً على عقبه، ومنصوبة بمعنى أنه ليس جالساً على باطنها وظهرها إلى الأرض، فصح قول أبي حُميد ومن معه، وقول عبد اللّه بن الزبير، أو يقال: إنه صلى الله عليه وسلم كان يَفْعَلُ هذا وهذا، فكان ينصِبُ قدمَه، وربما فرشها أحياناً، وهذا أروحُ لها. واللّه أعلم.

ثم كان صلى الله عليه وسلم يتشهد دائماً في هذه الجلسة، وَيُعَلِّم أصحابه أن يقولوا: ((التَّحِيَّاتُ للَّهِ وَالصلَواتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُه، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَشْهَد أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُه)). وقد ذكر النسائي من حديث أبي الزبير عن جابر قال: كان رسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعلِّمنا التشهد، كما يُعلمنا السورةَ من القرآن: ((بِسْمِ اللَّهِ، وَبِاللَّهِ، التَّحِيَّاتُ لِلهِ، وَالصلَواتُ، وَالطَّيِّبَاتُ، السلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النبَّيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُه، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِيْنَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِله إِلاَّ اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُه، أَسْأَلُ اللَّهَ الجَنَّةَ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ النَّار)).

ولم تجئ التسميةُ في أول التشهد إلا في هذا الحديث، وله علة غيرُ عنعنة أبي الزبير.

وكان صلى الله عليه وسلم يخفِّف هذا التشهد جداً حتى كأنه على الرَّضْفِ -وهي الحجارة المحماة- ولم يُنقل عنه في حديث قطُّ أنه صلى عليه وعلى آله في هذا التشهد، ولا كان أيضاً يستعيذُ فيه مِن عذاب القبر وعذابِ النَّار، وفِتنة المحيا والممات، وفِتنةِ المسيح الدَّجال، ومن استحبَّ ذلك، فإنما فهمه من عمومات وإطلاقات قد صح تبيينُ موضعها، وتقييدُها بالتشهد الأخير.

ثم كان ينهض مكبِّراً على صدور قدميه وعلى ركبتيه معتمداً على فخذه كما تقدم، وقد ذكر مسلم في ((صحيحه)) من حديث عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما أنه كان يرفَع يديه في هذا الموضع، وهي في بعض طرق البخاري أيضاً، على أنَّ هذه الزيادة ليست متفقاً عليها في حديث عبد اللّه بن عمر، فأكثر رواته لا يذكُرونها، وقد جاءَ ذِكرها مصرحاً به في حديث أبي حُميد الساعدي قال: كان رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة، كبَّر، ثُمَّ رفع يَدَيْهِ حتى يُحاذِيَ بهما مَنْكِبَيْهِ، وَيُقِيمُ كُلَّ عُضوٍ في موضعه، ثم يَقْرَأ، ثم يرفع يديه حتى يُحاذِيَ بهما مَنْكِبَيْهِ، ثم يركعُ ويضَعُ راحتيه على رُكبتيه معتدِلاً لا يُصوِّبُ رأسه ولا يُقْنعُ به، ثُمَّ يقولُ: سَمعَ اللَّهُ لِمنْ حَمِدَهُ، وَيَرفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بهما مَنْكِبَيْهِ، حتَّى يَقَرَّ كُلُّ عَظمٍ إلى مَوْضِعِه، ثم يَهْوي إلى الأرْض، وَيُجَافي يَدَيْهِ عَنْ جَنْبيْهِ ثم يَرْفَعُ رَأْسَهُ، وَيَثْنِي رِجْلَه، فَيَقْعُدُ عَلَيْهَا، ويَفتَحُ أَصَابع رِجْلَيْهِ إذا سَجَد، ثم يُكَبِّرُ، وَيَجْلِسُ عَلَى رِجْلِهِ اليُسرى حتى. يَريِحَ كُلُّ عظمٍ إلى مَوضِعِه، ثُمَّ يقُومُ فيصنَعُ في الأخرى مِثْلَ ذَلِكَ، ثم إذَا قَامَ مِنَ الرَّكَعَتيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ كما يَصْنَعُ عِنْدَ افتتاحِ الصلاة، ثم يُصَلِّي بَقيةَ صَلاَتِه هَكَذَا، حتى إذا كَانَتِ السَّجْدَةُ التي فيها التسليمُ، أخرج رِجليه، وَجَلَسَ عَلَى شِقِّه الأيْسَرِ مُتَورِّكاً. هذا سياق أبي حاتم في ((صحيحه)) وهو في ((صحيح مسلم)) أيضاً، وقد ذكره الترمذي مصححاً له من حديث علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كانَ يرفع يديه في هذه المواطن أيضاً.

ثم كان يقرأ الفاتحة وحدها، ولم يثبت عنه أنه قرأ في الركعتين الأخريين بعد الفاتحة شيئاً، وقد ذهب الشافعي في أحد قوليه وغيره إلى استحباب القراءة بما زاد على الفاتحة في الأخريين، واحتج لهذا القولِ بحديث أبي سعيد الذي في ((الصحيح)): حزرْنَا قيامَ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في الظهر في الركعتين الأوليين قَدْر قِراءة (ألم تنزيلَ السَّجدة)، وحزرنا قيامَه في الركعتين الأخريين قَدْرَ النصف مِن ذلك، وحزرنا قيامَه في الركعتين الأوليين من العصر على قدر قيامه في الركعتين الأُخْرَيَيْنِ من الظهر، وفي الأُخريين من العصر على النصف من ذلك.

وحديث أبي قتادة المتفق عليه ظاهرٌ في الاقتصار على فاتحة الكتاب في الركعتين الأُخريين.

قال أبو قتادة رضي اللّه عنه: وكانَ رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم يُصلي بنا، فيقرأ في الظُّهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسُورتين، ويُسمعنا الآية أحياناً. زاد مسلم: ويقرأُ في الأُخريين بفاتحة الكتاب، والحديثان غير صريحين في محل النزاع. وأما حديث أبي سعيد، فإنما هو حَزر منهم وتخمين، ليس إخباراً عن تفسير نفسِ فعله صلى الله عليه وسلم.
وأما حديث أبي قتادة، فيمكن أن يُراد به أنه كان يقتصر على الفاتحة، وأن يُراد به أنه لم يكن يُخِلُّ بها في الركعتين الأُخريين، بل كان يقرؤها فيهما، كما كان يقرؤها في الأوليين، فكان يقرأ الفاتحة في كل ركعة، وإن كان حديث أبي قتادة في الاقتصار أظهر، فإنه في معرض التقسيم، فإذا قال: كان يقرأ في الأوليين بالفاتحة والسورة، وفي الأُخريين بالفاتحة، كان كالتصريح في اختصاص كل قسم بما ذكر فيه، وعلى هذا، فيمكن أن يُقال: إن هذا أكثر فعله، وربما قرأ في الركعتين الأُخريين بشيء فوق الفاتحة، كما دل عليه حديثُ أبي سعيد، وهذا كما أن هديَه صلى الله عليه وسلم كان تطويلَ القراءة في الفجر، وكان يخففها أحياناً، وتخفيف القراءة في المغرب، وكان يُطيلها أحياناً، وترك القنوت في الفجر، وكان يقنت فيها أحياناً، والإِسرار في الظهر والعصر بالقراءة، وكان يُسمع الصحابة الآية فيها أحياناً،وترك الجهر بالبسملة، وكان يجهر بها أحياناً.

والمقصود أنه كان يفعل في الصلاة شيئاً أحياناً لِعارض لم يكن من فعله الراتب، ومن هذا لما بعث صلى الله عليه وسلم فارساً طليعة، ثم قام إلى الصلاة، وجعل يلتفِتُ في الصلاة إلى الشِّعْب الذي يجيء منه الطليعة، ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم الالتفاتُ في الصلاة، وفي ((صحيح البخاريَ)) عن عائشة رضي اللّه عنها قالت سألتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن الالتفاتِ في الصلاة؟ فقال: ((هُوَ اخْتِلاَسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صلاَةِ الْعَبْدِ)).

وفي الترمذي من حديث سعيد بن المسيب عن أنس رضي اللّه عنه قال: قال لي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: ((يَا بُنَيَّ إِيَّاكَ وَالالْتِفَاتَ في الصَّلاَة، فَإِنَّ الالتفاتَ في الصَّلاةِ هَلَكَةٌ، فإن كان وَلا بُدَّ ففي التطوُّعِ، لا في الفرض)) ولكن للحديث علتان:

إحداهما: إن رواية سعيد عن أنس لا تعرف.

الثانية: إن في طريقه علي بن زيد بن جدعان، وقد ذكر البزار في مسنده من حديث يُوسف بن عبد اللّه بن سلام عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا صَلاة لِلملتفت)). فأما حديث ابن عباس: ((إن رسُولَ اللّه صلى الله عليه وسلم كان يلحظ في الصلاة يميناً وشمالاً، ولا يلوي عنقه خلف ظهره)) فهذا حديث لا يثبُت قال الترمذي فيه: حديث غريب. ولم يزد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.