ليست الموسيقى فحسب هي من تجذبك إلى فنان بعينه، لتعشق مقطوعاته وترى فيها إبداعًا حقيقيًا، فهناك مبدعون كُثر فقدوا محبيهم وجمهورهم بسبب شخصياتهم وسلوكهم وتصرفاتهم الإنسانية في علاقتهم الطبيعية، بعيدًا عن الفن وأهله. واتضحت مساء أمس على خشبة المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية، سر عظمة وجماهيرية المايسترو العالمي عمر خيرت، من خلال تصرفاته البسيطة في حفل افتتاح مهرجان الموسيقى العربية بدورته الخامسة والعشرين (اليوبيل الفضي). وفيما يلي نرصد 4 علامات للشخصية الفنية المتكاملة. احترامه لمطربي الحفل على الرغم من عالمية الموسيقار وشهرته الواسعة التي يتمتع بها على مستوى العالم، إضافة إلى كبره في السن الذي يتيح له الجلوس والتزام كرسيه أمام البيانو بدون الاضطرار إلى الوقوف بين المقطوعة الأخرى للمطربين الذين يشاركونه الاحتفالية، حيث كان يقف خيرت احترامًا لكل مطرب يشاركه على الرغم من أنهم يصغرونه سنًا، إلا أنه يعتبر الجميع على المسرح متساوين، ولا شيء يعلو فوق الفن والموسيقى. تقدير شباب الفن يتعامل الموسيقار على المسرح كما لو أنه أب يحنو على أبنائه في سلاسة ويسر، حيث قام خيرت من على مقعده أمام البيانو خصيصًا لتقديم العازف الشاب محمد رءوف من أبناء الفرقة الموسيقية، لتقديم فقرة موسيقية صولو على آلة الكمان. وعقب تقديمه للشاب، عاد إلى مقعده مرة أخرى إلا أنه لم يعتدل في جلسته ليكون وجهه باتجاه البيانو، وإنما جلس بالعكس ليكون وجهه مقابلا للعازف ليتسنى له رؤيته وهو يعزف، وبدت عليه علامات التركيز الشديد. الإيثار وما إن تجلس في المسرح حتى تلاحظ مدى الإيثار الذي يمارسه خيرت مع موسيقيي الفرقة التي تشاركه الحفل، فعلى الرغم من آلته "البيانو" التي تعتبر الآلة الرئيسية للحفل، إلا أن كل مشاركة مميزة من عازف وآلة يعطيهم خيرت حقهم في تعريف الجمهور بهم، ويدعوهم للوقوف لتحية الجمهور وإبراز شخصيتهم وسط الحفل. الحوار الموسيقي ويثبت خيرت بشخصيته الإنسانية والفنية، أن الفنان الحقيقي الذي يستحق العالمية هو من يستطيع التفاهم مع فريق عمله دون التعامل بعجره أو تعالٍ، فكان خيرت خلال العزف على البيانو تجده ينظر إلى أحد أعضاء الفرقة ويتابعه بإيماءات وإشارات خفيفة، وكأنها لغة خاصة ينشئها مع عازفي الفرقة، لا يفهمها سواهم.