لكل حدث كواليس لا يعرفها كثيرون.. لكن هناك أمورا تتجدد أو مواقف تتغير، تكون سببا فى كشف تلك الكواليس لإثبات موقف أو تعرى كذبٍ.. هذا إن لم يتم الانتظار حتى يكشف التاريخ وحده عن تلك الكواليس، وهذا يحدث بعد فترة طويلة من الزمن قد تتجاوز عشرات السنين.. لكن ما حدث معى بالأمس يجعلنى أكشف عن كواليس يوم الجمعة، قبل الماضى، وهو مايقع تحت بند "أمور تتجدد ومواقف تتغير".. وقد فوجئت،أمس، بالأخ خيرت الشاطر وبرفقته الكتاتنى وعصام العريان، يطرقون باب شقتى ويستأذنون فى الدخول.. ولأننى كنت أنتظر قدوم المرشد أو أى من أتباعه لإنهاء الصفقة التى عقدتها معهم، فقد رحبت بهم وأدخلتهم حجرة الجلوس، بل وأمرت أم العيال أن تقدم لهم عصير ليمون، شربوه بالسم الهارى، وبعدها قدم لى الشاطر حقيبة فأخذتها بابتسامة، ولما فتحتها قلت: كم هذا المبلغ؟!. فقال الشاطر: نصف مليون جنيه ياعم أبوطقة!. قلت: جاك عَمى الدبب.. نصف مليون إيه اللى أنت جاى تقول عليه.. إحنا متفقين على خمسة ملايين، وهذا بعد إلحاح من المرشد نفسه!. فقال العريان: معلش ياعم أبوطقة، أصل المرشد كان خايف ومكانش يتوقع أن الأحداث سوف تمر هذه المرة كسابقاتها، علشان كده كان مبالغ فى المبلغ!. قلت: اتلهى أنت على عينك ياعريان ومش عايز أسمع نفسك فى بيتى!. فقال الكتاتنى: إحنا لسه هيكون فيه بينا شغل كتير ياعم أبوطقة.. عديها المرة دى!. قلت: أنا لن أقبل كلام من أى أحد منكم.. هاتوا لى المرشد وإلا خذوا حقيبتكم وارحلوا!. فقال الشاطر: ياعم أبوطقة.. أنت تعرف إن السيولة صعب الحصول عليها فى ظل هذه الظروف.. وإن مبلغ النصف مليون ليس قليلا.. فأنت لم تفعل شيئا لكل ذلك، لكننا احترمنا اتفاق المرشد معك واحترمنا مشاركتك لنا فى الأزمة التى كنا سنتعرض لها.. فاعتبر هذا المبلغ هدية وليس مقابل أى شىء، لأنك بصراحة لم تفعل شيئا وضحكت على المرشد يامعلم!. قلت: بقى أنا ضحكت على المرشد، وأنت دلوقتى مابتضحكش عليا.. ماشى ياشاطر .. بس ابقى افتكرها.. خذ حقيبتك هذه وارحل.. ولا أقول لك..أنا هاخدها علشان أخليها ذكرى لهذا الموقف!. _ نظر لى الشاطر نظرة خبيثة وابتسم ابتسامة صفراء، ثم ترك الشنطة، وأشار لزملائه وانصرفوا، ليتركوننى أتميز من الغيظ.. والذى أغاظنى أكثر أننى شعرت بأن الشاطر قد هرش أننى لم أرد أن أتركهم يذهبون بالحقيبة عملا بمبدأ "اللى تلحقه أحسن من اللى ماتلحقوش"!. وسوف أقص عليكم ما دار بيننا من اتفاق وأنتم تحكمون.. بعد أن أعلن الشباب المتظاهرون ومعظم الائتلافات الثورية والأحزاب، وعلى رأسهم جبهة الإنقاذ، أنهم سيخرجون جميعا للقضاء على الإخوان يوم الجمعة قبل الماضى، عقب العلقة الساخنة التى نالها رسامو الجرافيتى، وأخونا أحمد دومة ومجموعة من الصحفيين كانوا هناك لتغطية الأحداث، على أيدى شباب الإخوان، بالإضافة لصفع أحد الخرفان الناشطة ميرفت موسى على وجهها.. شعر الإخوان، آنذاك، بأن الدنيا قامت ضدهم ولن تقعد إلا بهلاكهم جميعا.. ولأنهم يعلمون من هو أبوطقة، كبير الفشارين فى مصر، وكيف يمكننى مع زملائى، بدرب الفشارين، أن نخلصهم من هذا المأزق، فقد اتصل بى المرشد العام لجماعة الإخوان، وطلب مقابلتى بإلحاح، وحدد الموعد والمكان، فالتقيته وطلب منى الحماية، والتصدى للمتظاهرين ودحرهم وإعادتهم خاسرين مقابل مليون جنيه.. ولما أكدت له أننى رجل وطنى، ولن أبيع المتظاهرين الذين يريدون صالح الوطن، وأبلغته أننى سأكون على رأسهم أمام مقر الإخوان، وأن زملائى الفشارين اتفقوا مع البرادعى وحمدين صباحى على حرق المقر وتقديم أى إخوانى يتواجد هناك للعيال الثوار ليلعبوا بهم كرة القدم، فقد قال لى: سوف نزيد المبلغ إلى 2 مليون جنيه.. ولما وجد المرشد أن الأمور أصبحت خارج نطاق تحكمى زاد المبلغ إلى 3 ملايين جنيه.. فقلت له: لكن زملائى فى درب الفشارين لن يوافقوا على بيع الشباب بهذا المبلغ، خاصة أن البرادعى وعدهم بنصف مليون لكل منهم فى حال التخلص من الإخوان وحرقهم.. فقال: خمسة ملايين يا أبوطقة ولن أزيد.. وهنا قلت له أؤمرنى ياسيد الناس، أنا تحت أمرك.. عايز إيه وإحنا نعمله؟.. تحب أجيب لك راس حمدين تلعب بيها كورة؟.. أم تحب أن آتى لك براس البرادعى تعملها فازة فى الفيلا ؟!. وهنا قال لى: أنا مش عايز غير أن يوم الجمعة هذا يمر على خير.. فالإخوان كلهم فى مكتب الإرشاد أعدوا حقائبهم واستعدوا للسفر إلى غزة من خلال الأنفاق، وأنا يشق علىّ أن يحدث هذا فى عهدى.. أنا فقط أريد منك أن تحمى مبنى الجماعة بالمقطم، ويظهر للعالم أنها مجرد مظاهرة ومرت مرور الكرام كغيرها من التظاهرات!. قلت له: حط فى بطنك بطيخة صيفى ياعم بديع، واعتبر الموضوع منتهياً.. لكن قد نترك الشباب يعبر عن غضبه ويلقى المولوتوف عادى، ومن الممكن أن يصاب منكم العشرات.. برضه عادى طالما إن مجموعة مكتب الإرشاد بخير كى لا يشك أحد أننى وراء ذلك.. وخاصة الرئيس الأمريكى أوباما فهو يعلم جيدا كيف نسيطر على الأمور لأنه، كما تعلم، صديق قديم!. قال: أعرف كل ذلك وموافق على كل ما قلته.. المهم أن نظهر أمام العالم أننا مظلومون ومعرضون للمكائد من المعارضة.. قرأنا الفاتحة أنا والحاج بديع، وقلت له: حط فى بطنك بطيخة صيفى يامعلم، وستجد الأعاصير فى وجه المتظاهرين إذا ما صمموا على الذهاب لكم فى المقطم. ذهب المرشد مرتاح البال بعد أن وعدنى بأن المبلغ سيكون عندى عقب أن تمر الأحداث على خير، وأخذت أفكر، ماذا سأفعل فى تلك المصيبة التى قد تعصف بتاريخى الثورى أمام الشباب الذى يضع ثقته فىّ منذ 25 يناير؟، وفى نفس الوقت لا أريد أن تضيع الصفقة؟. اتصلت بزميلى وكاتم أسرارى "سحلول القاضى"، وقصصت عليه ما حدث، فقال لى: "دول خمسة ملايين جنيه ياكبير.. بلا ثوار بلا هباب".. ثم صمت برهة، وقال: إحنا نضرب عصفورين بحجر واحد ياكبير.. يعنى نعلن فى الفضائيات أن الفشارين سيدعمون الثوار فى مواجهة الإخوان، كما نعلن رفضنا للبدء بالعنف، ونؤكد على أنه فى حال استخدام الإخوان للعنف ضد المتظاهرين سوف يكون الفشارون هم من يتصدون لهم.. وبهذا نضمن الحصول على المبلغ الذى وعدنا به البرادعى فى حال إذا نال الثوار من الإخوان.. وفى نفس الوقت تُظهر أنت لبديع أن هذه مكيدة للثوار كى لايحاولوا الهجوم على مقر الإخوان بالمقطم إلا بعد أن يهجم الفشارون، وهذا ما لن يحدث.. ظللنا أنا وسحلول نتبادل الأفكار حتى جاء فجر الجمعة، وبدأت تهب عاصفة ترابية على سماء القاهرة، فاتصلت بالمرشد وقلت له: ألم أقل لك إنك ستجد الأعاصير أمام المتظاهرين ياعمنا؟!. فقال لى: كيف فعلت ذلك ياعم أبوطقة؟!. فقلت: هل نسيت ياسيادة المرشد أن لى أصدقاء من المغرب ماهرون فى السحر، ويستطيعون فعل أى شىء؟!. قال: أنا لا أستبعد منك أى شىء ياصديقى، ونحن على موعدنا عقب انتهاء الأحداث!، بالفعل ظللت فى بيتى ومعى سحلول والزميلة سطوطة نتابع الأحداث على شاشة التليفزيون، وكلما تحدث خارقة نتصل بالمرشد ونصطنع أنها منا، ثم نتصل بالبرادعى ونقول له: مش معقول شوية تراب يهزموا الثوار.. وها هو المرشد يرسل لى نصف مليون جنيه، كما أرسل لى البرادعى شيكا بمائة ألف جنيه، ليثبت الإخوان والمعارضة معا أنهم أفاقون، وليس لهم كلمة.. أما أنا ففشار معروف وكذلك زملائى، فما بال هؤلاء يفعلون مثلنا كى يقضى كل منهم على الآخر ويصل للحكم تحت شعار "صالح الوطن"، والضحية بينهم هم الشباب الثائر الذى لا يبغى سوى نهضة بلده!..