بلغة العين وبلغة القلب تتواصل الثقافة المصرية على أرض الأكوادور مع ثقافة أمريكا اللاتينية، وإذا كانت فرقة العريش للفنون الشعبية التى تشارك فى مهرجان الأكوادور الفنى - الثقافى قد اشتهرت بتقديم عروضها بلغة العين. فإن الثقافة المصرية عبر تجلياتها الإبداعية الفنية مابين السينما والفلكلور والفن التشكيلى تتحدث بلغة العين وبلغة القلب فى تفاعل وجدانى مع سكان هذه المنطقة الثرية ثقافيّا على مدى 16 يومًا. وكانت العروض الفنية المصرية قد بدأت أمس الخميس، فى مدينة "ريو بامبا" الأكوادورية "بعروض ديفيليه" لفرقة العريش للفنون الشعبية وسط ترحيب شعبى انعكس فى وسائل الإعلام التى أبدت حفاوة فى الحديث عن هذه الفرقة باعتبارها الفرقة العربية الوحيدة بين الفرق المشاركة فى المهرجان، وهى فرق: أمريكية اللاتينية من الأكوادور والأرجنتين والمكسيك وبيرو وجواتيمالا. وقدمت فرقة العريش التى تتبع هيئة قصور الثقافة المصرية رقصات تعبر عن ثقافة وفنون سيناء من بينها: "رجال سيناء" و"أقيموا الأفراح" التى تعبر عن فرحة السيناويات بعودة الأزواج منتصرين من الحروب و"الدبكة" و"المهباش" التى تعبر عن طريقة صنع القهوة البدوية ورقصة "الفرح العرايشى" وتعبر عن تقاليد أهل العريش فى الإعداد لليلة حفل الزفاف و"الدحية" وتعبر عن حفاوة أبناء سيناء بضيوفهم و"الصيادين". ولفرقة العريش للفنون الشعبية التى أسست منذ أكثر من عقدين سجلها المشرف فى تمثيل مصر وثقافتها الرحبة والثرية بمهرجانات أفريقية مثل: "مهرجان الفن الأفريقى" الرابع بزامبيا، وأسيوية - عالمية مثل: "المهرجان الدولى للرقص" بكوريا الجنوبية، كما حصدت المركز الأول فى "مهرجان قبرص للفنون الشعبية" ضمن رحلات فنية فى الخارج بلغت نحو 20 دولة. ويوضح عاطف عبد الحميد، مخرج هذه الفرقة ومصمم رقصاتها، أن عروضها تعبر عن الموروث الشعبى المصرى لمنطقة سيناء وتقدم هذا التراث "بلغة العين" من خلال عرضه على المسرح فى قالب متميز يجمع بين الرقصات والأغانى والمواويل البدوية. وينطوى هذا الحضور الفنى الثقافى المصرى فى مهرجان الأكوادور على أهمية كبيرة فى وقت لم يعد ممكنًا تجاهل منطقة أمريكا اللاتينية فى خضم توجهات حركة مصر بعد ثورتها الشعبية، حيث توجد بالفعل مشتركات ثقافية وإنسانية عديدة بين مصر والعالم العربى من جانب وبين أمريكا اللاتينية من جانب آخر، فضلا عن الضرورات السياسية واعتبارات المصلحة المشتركة. وفى دورة "المنتدى الاجتماعى العالمى" التى عقدت فى شهر فبراير عام 2011 بالعاصمة السنغالية داكار بعد أيام من انتصار ثورة 25 يناير الشعبية المصرية، وقبل ذلك الثورة التونسية - قال الرئيس البرازيلى السابق لولا دا سيلفا :"إن الآمال فى انبثاق عالم جديد لم يتم إحياؤها فى أمريكا اللاتينية فحسب بل وعلى وجه الخصوص فى شوارع تونس والقاهرة". وتمثل البرازيل الثقافة الأمريكية اللاتينية فى مجموعة "البريكس" التى تضم إلى جانبها روسيا والصين وجنوب أفريقيا والهند كتجمع للقوى الصاعدة والدول الأسرع نموّا إقتصاديا فى العالم، فيما كان الرئيس محمد مرسى قد شارك مؤخرًا فى اجتماع "ديربان" بجنوب أفريقيا لهذا التجمع، والتقى ضمن اجتماعاته مع الرئيسة البرازيلية، ديلما روسيف، وسط آمال بانضمام مصر له كممثل للثقافة العربية. ومن الكتب الدالة والطريفة فى هذا السياق المناهضة للعولمة بوجهها الرأسمالى المتوحش كتاب "مواطنو بورتو اليغرى" وفيه يتحدث المؤلف جيانباولو بياوتشي، عن شخص يقترض ثمن تذكرة الحافلة ليدخل عالم السياسة. وكما هو الحال فى مصر تحظى قضية الديمقراطية باهتمام بالغ فى الثقافة الأمريكية اللاتينية وخاصة فى الدول التى تواجه تركة من الاستبداد لأنظمة استبدادية سابقة، فيما يعبر عن هذا الاهتمام الجياش العديد من الكتب والإصدارات الجديدة، مثل كتاب "أمل البرازيل"، وفيه يسعى المؤلف ليوناردو أفريتزير للاجابة عن السؤال الكبير:"هل تمكن الرئيس لولا دا سيلفا من فك أسر الديمقراطية فى أمريكا اللاتينية؟" وفيما عبرت ظاهرة الحزن الشعبى العربى على رحيل الرئيس الفنزويلى هوجو تشافيز، حتى تحدث البعض عن "تشافيز العربي"- وعن مشتركات إنسانية وتفاعلات وجدانية رغم بعد المسافات - فإن أمريكا اللاتينية تتميز بظاهرة "الرئيس المثقف" بل و"الرئيس الأديب" مثل الكاتب خوان بوش أول رئيس ينتخب ديمقراطيّا لجمهورية الدومينيكان فى نهاية عام 1962 بعد رحيل الديكتاتور رافاييل تروخيللو. فالرئيس الراحل خوان بوش كان من كتاب القصة القصيرة، وتمتلك قصصه حسّا إنسانيّا عاليًا ومعرفة عميقة بالطبيعة البشرية، كما تنسحب الظاهرة على العديد من الساسة فى تلك المنطقة، مثل ماريو بارجاس ليوسا الذى فاز بجائزة نوبل فى الآداب عام 2010 فيما كان قد رشح نفسه لرئاسة بيرو عام 1990 غير أنه خسر معركته الانتخابية حينئذ أمام البيرتو فوجيمورى. وتتجلى خفة ظل عملاق الأدب الأمريكى اللاتينى أكثر وأكثر عندما يقر فى هذا الكتاب الطريف حقا بأن أفضل مقابلة صحفية معه عبرت أفضل تعبير عن أخطر وأهم منعطفات حياته فى الأدب والسياسة بل وميوله وذوقه - كانت "مقابلة مختلقة من الألف إلى الياء" نشرتها جريدة مغمورة تصدر فى العاصمة الفنزويللية كاراكاس بقلم صحفية لم يلتق بها أبدًا! فيما يضيف :" لكن لاشك أنها تحبنى كثيرًا وإلا لما تمكنت من التوغل داخلى لهذا الحد"! وفى مصر والعالم العربى - يوضح الدكتور أحمد الطاهر مكى، عميد الدراسات الأندلسية والمتبحر بعمق فى الثقافة الأسبانية بمؤثراتها الهائلة فى الثقافة الأمريكية اللاتينية، أن الكثير من الألفاظ العربية المتصلة بالحضارة والعلاقات الاجتماعية، قد دخلت اللغة الأسبانية التى يتحدث بها أغلب سكان أمريكا اللاتينية إلى جانب اللغة البرتغالية المتأثرة بدورها بالعربية.