«في عام 1974وبينما كنت سفيراً لمصر في لندن حضر إلي مكتبي ذات يوم الملحق الحربي المصري وهو يكاد ينهار خجلاً.. كان متردداً وهو يحاول أن يتكلم, إلى أن شجعته على الكلام, فقال: سيادة الفريق.. إنى لا أعرف كيف أبدأ وكم كنت أتمنى ألا اجد نفسي أبدا في هذا الموقف, لكنها الأوامر صدرت إليّ, لقد طلب مني ان أسلم إليكم نجمة الشرف التي أنعم عليكم بها رئيس الجمهورية، استلمت منه الوسام في هدوء وأنا واثق أن مصر وليس (السادات حاكم مصر) سوف يكرمني في يوم من الأيام بعد أن تعرف حقائق وأسرار حرب أكتوبر، ليس التكريم هو أن أمنح وساماً في الخفاء ولكن التكريم هو أن يعلم الشعب بالدور الذي قمت به. سوف يأتي هذا اليوم مهما حاول السادات تأخيره, ومهما حاول السادات تزوير التاريخ». هذه كانت قناعة الفريق سعد الدين الشاذلى التى كتبها فى مذكراته, ذلك البطل الذى قدر له ان يكون فريسة تزوير الحقائق لآماد طوال، ومحو لتاريخه البطولى بسبب خلاف سياسي مع الرئيس السادات، إلي أن قامت ثورة يناير وأخرج التاريج ما بجعبته، وأعاد المجلس الأعلى للقوات المسلحة لأسرته نجمة سيناء بعد تنحى الرئيس السابق حسنى مبارك، ومنح الرئيس محمد مرسى اسم الفريق الشاذلي قلادة النيل العظمى لدوره الكبير فى حرب اكتوبر. اتهمه البعض بأن علاقة الصداقة بين إخوة زوجته والرئيس جمال عبدالناصر كانت سببا فى حصوله على ترقيات سريعة، وفى مايو 1971 عينه «السادات» رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة، وهو المنصب الذى تحدث عنه الفريق فى كتابه. فسعد الدين الشاذلى ولد بقرية شبراتنا «مركز بسيون» في محافظة الغربية، والتحق بالكلية الحربية في فبراير1939وتخرج برتبة ملازم في يوليو1940, ثم انتدب للخدمة في الحرس الملكي من 1943 إلى 1949وقد شارك في حرب فلسطين عام 1948 ضمن سرية ملكية مرسلة من قبل القصر، وانضم إلى الضباط الأحرارعام 1951، وأسس أول قوات مظلات في مصرعام 1954، وشارك في التصدي للعدوان الثلاثي عام 1956، وشارك في حرب اليمن كقائد للواء مشاة بين عامي 1965 1966، وشكل مجموعة من القوات الخاصة عرفت فيما بعد بمجموعة الشاذلي عام 1967 حظى «الشاذلى» بشهرته لأول مرة خلال الحرب العالمية الثانية عام 1941عندما كانت القوات المصرية والبريطانية تواجه القوات الألمانية في الصحراء الغربية، وعندما صدرت الأوامر للقوات المصرية والبريطانية بالانسحاب، بقى الملازم الشاذلي ليدمر المعدات الثقيلة المتبقية في وجه القوات الألمانية المتقدمة. والمرة الثانية كانت في نكسة 1967عندما كان برتبة لواء ويقود وحده من القوات المصرية الخاصة عدد أفرادها نحو 1500 فرد, والمعروفة بمجموعة الشاذلي في مهمة لحراسة وسط سيناء, ووسط أسوأ هزيمة شهدها الجيش المصري في العصر الحديث وانقطاع الاتصالات مع القيادة المصرية، وكنتيجه لفقدان الاتصال بين الشاذلي وبين قيادة الجيش في سيناء، اتخذ «الشاذلي» قرارا جريئا فعبر بقواته الحدود الدولية قبل غروب يوم 5 يونيه وتمركز بقواته داخل الأراضي الفلسطينيةالمحتلة بنحو خمسة كيلومترات, وبقي هناك يومين إلى أن تم الاتصال بالقيادة العامة المصرية التي أصدرت إليه الأوامر بالانسحاب فورا. فاستجاب لتلك الأوامر وبدأ انسحابه ليلا, وقبل غروب يوم 8 يونيه, وفي ظروف غاية في الصعوبة، باعتباره كان يسير في أرض يسيطر العدو تمامًا عليها، ومن دون أي دعم جوي، وبالحدود الدنيا من المؤن، استطاع بحرفية نادرة أن يقطع أراضي سيناء كاملة من الشرق إلى الشاطئ الغربي لقناة السويس (نحو 200 كم). وقد نجح في العوده بقواته ومعداته إلى الجيش المصري سالما، وتفادى النيران الإسرائيلية، وتكبد خسائر بنسبة 10% إلى 20%. فكان آخر قائد مصري ينسحب بقواته من سيناء. آنذاك, كانت القوات الاسرائيلية قد أرسلت إرييل شارون على رأس لواء مظلى لإبادة الشاذلى، لكنه فشل فى المهمة وكان الفارق بين ذهاب وعودة «الشاذلى» مجرد ساعات. بعد هذه الحادثة اكتسب الشاذلي سمعة كبيرة في صفوف الجيش، فتم تعيينه قائدًا للقوات الخاصة (الصاعقة والمظلّات)، وقد كانت أول وآخر مرة في التاريخ المصري يتم فيها ضم قوات المظلّات وقوات الصاعقة إلى قوة موحدة هي القوات الخاصة، وبعدها عينه الرئيس السادات رئيسا لأركان القوات المسلحة. بدأ بعدها الفريق «الشاذلى» يعد لخطة الهجوم على اسرائيل, وكان يري أن القوات المصرية يجب أن تقوم بهجوم يستهدف من 10 إلى 12 كم من عمق سيناء فى حدود إمكانياتنا، وهو ما عارضه الفريق محمد أحمد صادق وزير الحربية آنذاك, الذى كان يري ألا يقوم الجيش المصري بهجوم إلا بعد أن تتفوق إمكانياته علي امكانيات العدو، وبعدها مباشرة قام «السادات» بعزل «صادق» وتعيين المشير أحمد إسماعيل وزيرا للحربية. وضع الفريق الشاذلى خطة العبور والتى عرفت باسم «خطة المآذن العالية» والتى كانت تتمثل فى الوقوف عند 10 أو 12 كم فى عمق سيناء, لانه كما قال فى مذكراته سيضع اسرائيل فى موقف صعب، لانها إذا هاجمت القوات المصرية ستكون تحت غطائنا الجوى, وبالتالى نستطيع تكبيدها خسائر فادحة، وإذا عزفت عن الهجوم فسوف تضطر لتعبئة قواتها وهو ما يستنزفها اقتصاديا. تم تنفيذ خطة الهجوم كما وضعها «الشاذلى», واستمرت قواتنا فى التقدم فى المسافة التى حددها «الشاذلى» إلى أن أمر الرئيس السادات المشير إسماعيل بالتقدم فى سيناء لتخفيف الضغط على الجولان، وهو ما عارضه «الشاذلى», وكان بداية لخلافه مع الرئيس السادات، إلا أن الجيش تقدم, وهو ما كان سببا فى إحداث ثغرة الدفرسوار، وحصار الجيش الاسرائيلى- بقيادة إرييل شارون- الجيش المصري الثالث فى المنطقة ما بين الاسماعيليةوالسويس، ووضع «الشاذلى» خطة لإبادة القوات الاسرائيلية هناك, ولكن الرئيس السادات اعترض لحساباته السياسية، وكانت هذه هى القشة التى قصمت ظهر البعير فى العلاقة ما بين «الشاذلى» و«السادات». وفى ديسمبر 1973 عين الرئيس السادات سعد الدين الشاذلى سفيرا فى انجلترا ثم البرتغال، وكما ادعى عليه السادات فى كتابه «البحث عن الذات» فإنه قال إن الفريق الشاذلى عاد من حرب أكتوبر منهارا, وفقد قدرته على القيادة, وذلك كان سبب إبعاده عن الجيش، وهو الأمر الذى نفاه, يقول المشير محمد عبد الغني الجمسي رئيس هيئة العمليات أثناء حرب أكتوبرفي مذكراته «مذكرات الجمسى حرب أكتوبر 1973»، وقال فيها: لقد عاصرت الفريق الشاذلي خلال الحرب، وقام بزيارة الجبهة أكثر من مرة، وكان بين القوات في سيناء, في بعض هذه الزيارات. وأقرر أنه عندما عاد من الجبهة يوم 20 أكتوبر لم يكن منهاراً، كما وصفه الرئيس السادات في مذكراته (البحث عن الذات ص 348) بعد الحرب. لا أقول ذلك دفاعاً عن الفريق الشاذلي لهدف أو مصلحة، ولا مضاداً للرئيس السادات لهدف أو مصلحة، لكنها الحقيقة أقولها للتاريخ. وهو الأمر نفسه الذى أكده كل من ديفيد إليعاز وموشيه ديان فى مذكراتهما، وقال إن الشاذلى ليس بهذه الشخصية الهشة التى وصفها السادات لأنها تتنافى مع أبجديات شخصية الشاذلى التى هى أكبر من الحياة نفسها. وبعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد هاجمها «الشاذلى» وترك منصبه وذهب للجزائر كلاجئ سياسي, وكتب مذكراته «مذكرات حرب أكتوبر» وقدم فيها بلاغا للنائب العام ضد الرئيس السادات, محملا إياه مسئولية الثغرة وتعرض المصريين للخطر فى الحرب، بعدها صدر ضده حكما غيابيا بثلاث سنوات مع الأشغال الشاقة, وصودرت أمواله، وحينما عاد إلى مصر من منفاه عام 1992 ألقى القبض عليه فى المطار, وسحبت منه جميع النياشين والأوسمة بتهمة إصدار كتاب دون إذن وإفشاء أسرار عسكرية, وقضى «الشاذلى» فى السجن سنة ونصف السنة, وخرج بعدها ليعيش فى هدوء إلى ان وافته المنية قبل تنحى الرئيس السابق بيوم واحد, وشيعت جنازته يوم تنحى «مبارك», ليدخل بعدها «الشاذلى» التاريخ كبطل حقيقى لحرب أكتوبر، ويخرج منه «مبارك». ويكفى الفريق «الشاذلى» شهادة اليعازر- رئيس أركان حرب القوات المسلحة الاسرائيلية- الذى قال إنه أثناء مناقشة احتمالية الهجوم من جانب المصريين عبر القناة علق ديان ساخرا: «لكى تستطيع مصر عبور قناة السويس واقتحام خط بارليف فإنه يلزم تدعيمها بسلاحى المهندسين الروس والأمريكان معا»، وهو ما اعتبره «الشاذلى» شهادة اعتزاز، لانهم نسوا أن «الشاذلى» من القادة القلائل الذين درسوا فى الولاياتالمتحدة وروسيا فجمع بين المعسكرين.