طوال فترات التاريخ المصرى والحاشية تصنع الفرعون ، وهذه سمة من سمات النظم الشمولية ، التى تقوم على حكم فرد أو جماعة صغيرة يكون بيدها كل مقاليد الأمور ؛ فإذا كان الحاكم يميل إلى الانفراد بالرأى ؛ فيحدث أن تتحكم الحاشية فى الحاكم من خلال تزيين آرائه ، وإظهارها على أنها صحيحة دائما ، ويحدث تواطؤ بين الحاشية وعدد من المواطنين الذين يجدون مصلحتهم فى ذلك النظام ، وتتحول الحاشية إلى تربة خصبة ينشأ فيها الفرعون . استاذ العلوم السياسية الدكتور سعيد صادق قال الحاشية هى مجموعة المستشارين والخبراء ، الذين يحيطون بالرئيس ويقدمون له النصيحة فى مجالات هو ليس خبيراً فيها ، من خلال ذلك يتسللون إلى المناصب المهمة فى الدولة ، ومن هنا يبدأ الفساد ؛ فتتحول الحاشية مع الوقت إلى مراكز قوى داخل المجتمع ، وقال فى كل دول العالم توجد حاشية ، ولكن فى نظام مثل النظام الأمريكى تكون الحاشية أو مستشارى الرئيس تحت رقابة شديدة ، و تقع تحت مساءلة أجهزة أخرى مثل الكونجرس الذى من حقه محاسبة هؤلاء إن اخطأوا ومحاسبة الرئيس ذاته إن أخطأ . وأشار إلى أن قوة الحاشية وضعفها مرتبطة بقوة شخص الرئيس وضعفه ، وفى كلتا الحالتين تصنع الحاشية ديكتاتوراً شريطة أن يكون الحاكم ميالا إلى الانفراد بالرأى . ففى حالة الرئيس الضعيف تتحول الحاشية نفسها إلى فرعون لأنها تنفذ ما تريد باسم الرئاسة ، دون أن تقابل باعتراض من قبل الرئيس ، وفى حالة الرئيس القوى تستغل الحاشية الرغبة فى الزعامة لدى هذا الرئيس ،لتصنع منه فرعوناً جديداً ، وفى حالة مثل حالة الحكم فى مصر حاليا ، فإن المحيطين بالدكتور مرسي فى الحكم بدأوا يمارسون بعض الممارسات التى من شأنها أن تحوله إلى فرعون جديد ، خاصة فى ظل حالة الثقة التى يبديها الرئيس فى رجاله ، والتى تجعله يعتمد عليهم فى حل العديد من المشاكل تماماً كما كان يحدث مع مبارك خاصة فى السنوات العشر الأخيرة من حكمه التى زاد فيها نفوذ المحيطين به ؛ لأن الرئيس فى تلك الفترة لم يكن راغب فى التعرض للمشاكل ، ومناقشتها وكانت لديه رغبة فى سماع أخبار جيدة فقط ، ولعل ما حدث من استبعاد المخلوع للدكتور مصطفى الفقى من مؤسسة الرئاسة يؤكد تلك النزعة التى غلبت على مبارك حتى أنه لم يحتمل وجود شخص يبوح له ببعض أوجاع المجتمع . صادق أكد أن المأساة تزداد مع الحاشية صاحبة الآراء الرجعية والمتخلفة ، ومساعدو الدكتور مرسى ومستشاروه من تلك النوعية ؛ ولعل ما صرحت به الدكتورة اميمة كامل من أن الختان أمر جيد بالنسبة للفتيات وأنه يجب ختان كل الإناث يؤكد هذا الكلام ، لأن الدين والعلم لا يوجبون الختان ؛ فكيف يكون موقف مستشارة الرئيس بتلك الصورة ، إلا إذا كانت هذه هى الرؤية التى تؤمن بها . فى السياق ذاته اعتبر المحلل السياسي الدكتور إيهاب العزازى أن الخلفية العسكرية لمبارك جعلته مؤهلا لأن يكون فرعوناً فى المستقبل ، وتلك الخلفية هى التى جعلته يعتمد على عدد من العسكريين ، أمثال صفوت الشريف وزكريا عزمى وغيرهما ، على اعتبار أنهم يؤمنون بمبدأ طاعة الأمور وتنفيذها دون نقاش ، كما أن الفترة التى قضاها نائبا للرئيس عرف خلالها كواليس الحكم واسرار القصر ، لذلك أقدم رجال مبارك على بعض الممارسات التى من شأنها تحويله إلى فرعون ، ويمكن اختصار تلك الممارسات فى أربعة عناصر رئيسية ، وهى : السيطرة على عصب الدولة فى النواحى السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وكذلك السيطرة على الإعلام لتوجيه الرأى العام وإيهام الناس بأن البلاد فى عصر مبارك تعيش أزهى عصور الديمقراطية وحرية الرأى ، وأن دخول المصريين من أعلى الدخول فى الشرق الأوسط ، وتعاملهم مع الشعب باعتباره شعباً بلا وعى ، وعليه أن يستمع فقط ، وأن الرئيس هو الأب الراعى للشعب القاصر الذى يجب أن يتلقى كلام الرئيس على اعتبار أنه كلام مقدس ، وقد كان اعتماد حاشية مبارك على عدد كبير من القانونيين ، المعروفين بترزية القوانين ،بداية الصناعة الديكتاتورية عبر ترسانة من القوانين التى تحميه ، بداية من تغيير المادة 71 فى الدستور ، الخاصة بمدد الرئاسة ، وحتى تعديل المادة 76 الخاصة بانتخابات الرئاسة التى صنعت منه فرعونا ، إضافة إلى ذلك محاولات رجال مبارك إبعاده عن الشعب ، وهم نجحوا فى ذلك ، وأدى هذا إلى أن مبارك رأى الشعب فى 25 يناير ،وكأنه شعب من دولة أخرى حاقدة عليه ، لأنه عندما كان يذهب فى زيارات ميدانية كان يرى شعبا مبسوطا ، يشيد بإنجازاته . ومن مبارك إلى مرسي نجد أن الإخوان المسلمين لديهم مشروع سياسى كبير يسعون إلى تحقيقه، وهو مشروع الخلافة الإسلامية ، الذى يعنى إنشاء دولة كبرى فى مصر والشرق الأوسط ، والممارسات التى تمت وتتم من قبل رجال مرسي تشير إلى أننا بصدد صناعة فرعون جديد ، ولكنه فرعون على نطاق واسع ، وهو يريد التحصن بحصن الدين . العزازى اوضح أن رجال مرسي على عكس رجال مبارك؛ فالمحيطون بالرئيس الجديد ينقسمون إلى جزءين الأول هو الفريق المعلن عنه، وهم الدكتورة باكينام الشرقاوى ، وهى المهندس السياسي لحزب الحرية والعدالة ، بدليل دورات التثقيف السياسي التى اعطتها لشباب الحزب فى كل مقراته بالمحافظات، كذلك فإن عصام الحداد مسئول العلاقات الخارجية ، وهو نفس المنصب الذى كان يشغله فى التنظيم الدولى للجماعة ، وهناك عماد عبد الغفور وهو وإن كان سلفياً إلا أنه من نفس الفصيل السياسي، ويحمل نفس الأفكار ، والرابع هو سمير مرقص ، وهو مسيحى لكنه بلا ثقل فى الشارع القبطى، أو فى الكاتدرائية، وهذا يعنى أن الفريق الرئاسي الموجود تم اختياره من اجل أن يتبع تعليمات الرئيس ويتفق معه فى الرأى , وعلى الجانب الآخر يوجد فريق رئاسي ولكنه غير ظاهر فى الصورة ويدير الأمور من خلف الستار ، وهو المتحكم الرئيسى فى الأمور ، وهذا الفريق كان صاحب الدور الأكبر فى اختيار الفريق الرئاسي الحالى ، وهؤلاء هم : خيرت الشاطر ، وحسن مالك ، وحسن البرنس، فالمهندس خيرت الشاطر يعد العقل المدبر للدكتور مرسى ، لأنه كان المرشح الرئيسى للجماعة، ومرسى بديلا له، وهو يقوم بعدد من الجولات المكوكية فى قطر ودول شرق آسيا من اجل إيجاد دعم دولى لحكم الدكتور مرسى الذى هو حكم الجماعة بالفعل ، ونتائج هذه الجولات تعود على مرسى، وحسن مالك هو وزير اقتصاد الجماعة ، وكان من المفترض أن يأتى فى هذا المنصب فى الحكومة الحالية ، لكن الجماعة رأت أن يكون بعيدا من خلال جمعية رجال الأعمال المصرية القطرية ، حتى ينفذ جميع المشروعات المتفق عليها دون أن يكون مثقلا بالأعباء السياسية ، ثم هناك الدكتور حسن البرنس، وهويشارك فى الحكم من خلف الستار ويعد لمنصب محافظ تمهيدا لسيطرة كل رجال الرئيس على مقاليد الأمور ، وهذه نفس سياسة المخلوع ، ويدير رجال الرئيس من خلف الكواليس حملات تشويه المعارضة السياسية للرئيس ، ومن أمثلة المعارضين الذين يتعرضون لحملات تشويه شرسة ، محمد ابو حامد ، وحمدين صباحى الذى تحول بفضل عناكب الانترنت من «واحد مننا إلى واحد خمنا» ، وقبل هؤلاء هناك حملات التشويه الممنهجة ضد الدكتور محمد البرادعى ، ولعل الجملة الشهيرة التى أطلقها عصام العريان كتعليق على إنشاء حزب الدستور المصرى برئاسة الدكتور البرادعى ، حيث قال: «الأحزاب تذهب وتعود ويبقى الحرية والعدالة» ، وهؤلاء يحولون المعارضة من معارضة أفكار وسياسات إلى معارضة دين ؛ فالمعارضون بالنسبة لرجال الرئيس لا يعارضون سياساته لكنهم يقفون ضد الدين ، وضد الشرع ، مع أننا جميعا ندرك أن مرسي وجماعته ليسوا هم الإسلام .إضاقة إلى ذلك فإن الحاشية المتحلقة حول مرسي الآن بدأت فى إبعاده عن الناس وهمومهم ، فالناس تتظاهر أمام قصر الاتحادية لكنه لم يقابل أحدا، وقد استطاعوا خداع المصريين بما يسمى ديوان المظالم ، وهو ليس اختراعاً خاصاً بهم ، لأن كل المديريات والمحافظات فى جميع أنحاء الجمهورية لديها مكتب يسمى مكتب خدمة شكاوى المواطنين ، ولكن هؤلاء صدروا الفكرة على انها إنجاز للرئيس ونصر مبين على الفاسدين ، وهم يشيعون الآن فى وسائل الإعلام أن كلام الرئيس مصدق ، وأنه « لا يأتيه الباطل..» وأن تصرفاته تصرفات ربانية ، على اعتبار أن من يتكلم ويتصرف باسم الإسلام لا يجوز نقده .لأن الجماعة تحاول إيهام الناس أنهم الإسلام ، حتى إن مقدم برنامج الدين والنهضة فى قناة 25 يناير الإخوانية ، قال وهو يقدم أحد ضيوفه إن الإمام الشهيد حسن البنا حول الإسلام من كلام إلى نظام « وهذه جريمة كبرى . فى سياق ذى صلة أوضحت الدكتورة سامية قدرى -أستاذ علم الاجتماع السياسي- أن رجال الرئيس المخلوع صنعوا منه فرعوناً ، لأن مبارك ذاته كان قابلاً لذلك التحول ، مشيرة إلى أن مبارك لم يكن هو النموذج الأول فى تلك الحالة، بل كان بمثابة حلقة فى سلسلة الحكم الشمولى التى شهدها التاريخ المصرى. أما حالة الدكتور مرسي فالتجربة فى الحكم تجربة جديدة ، لأنه لم يحدث من قبل أن وصلت إلى سدة الحكم جماعة دينية بهذا الشكل ؛ فهل يتحول مرسى إلى ديكتاتور بأيدى الإخوان المسلمين؟ أم يكون مبدأ الولاء والطاعة للجماعة ومرشدها هو السائد ، وتتحول الجماعة نفسها إلى فرعون من نوع جديد ، وفى هذه الحالة سيكون الحاكم ديكتاتورا من نوع آخر ؟ أضافت قدرى : رغم أن تجربة الدكتور مرسي مازالت حديثة ولا يمكن الحكم عليها بشكل قاطع ، إلا أن هناك بعض المؤشرات الخطرة فى هذا الجانب ، من ذلك مثلا الدفاع المستميت عن الدكتور مرسي من قبل جماعة الإخوان المسلمين ، وعدم المساس بشخصه ، وهذا يدعم فكر الديكتاتور ، فلا يوجد حاكم لا يخطئ ، لأننا جميعا بشر ، ومع أن الديمقراطية تقتضى أن يتقبل الحاكم كل أنواع المعارضة إلا أن الجماعة ترفض أى نوع من أنواع النقد للدكتور مرسي ، وتلك نفس الممارسات التى كان ينفذها رجال النظام ايام مبارك ، وبناء عليها حولوه إلى فرعون . فى السياق ذاته أكد الدكتور إسماعيل ابو سعادة -عضو المكتب السياسي بحزب المصرى الديمقراطى- أن الدكتور مرسي ما هو إلا قطعة حجر على رقعة شطرنج ، يحركها المرشد ومكتب الإرشاد ، وأنه ليس له يد فى السلطة ، مؤكدا أن الإخوان المسلمين يصنعون فرعونا جديدا يتمثل فى مكتب الإرشاد الذى اختار الفريق الرئاسي الحالى ليكون صورة أمام الجماهير لإثبات أن البلاد تعيش حالة من الديمقراطية ، وأن هذا الفريق هو تمثيل للشعب المصرى ، لكنها عبارة عن مناصب شرفية ، وكل الأمور فى يد مكتب الإرشاد . أوضح أبو سعادة أن الإخوان بدأوا من حيث انتهى رجال مبارك ، فى السيطرة على مقاليد الأمور ، مشيرا إلى ما حدث فى اجتماع وزير الإعلام بالقيادات الحزبية ، عندما حضر الدكتور عصام العريان ، وجلس وكتب المقدمة التى ألقاها وزير الإعلام على الحضور ، ومارس عليه دوراً رقابيا لاحظه الجميع ، يضيف ابو سعادة: بعد أن أنهى الوزير كلمته قام الدكتور العريان ، وألقى بياناً فيه تعليمات مباشرة لوزير الإعلام ، مطالباً الوزير أن يعده بأن يكون آخر وزير إعلام ، وهذه هى نفس الأفعال التى كانت تفعلها حاشية مبارك فى آخر 10 سنوات من عمر النظام السابق ؛ ويزيد رجال مرسي عليها حشدهم لشباب الجماعة وأتباعها للشارع عقب قرارات الرئيس ليعلنوا تأييدهم لها ليظهروا أن الشعب يؤيد سياسات الرئيس باستمرار، وهذه بداية خطرة لفرعون قادم اسمه «الإخوان المسلمون».