تركت وظيفتى ب«التعليم» لتحفيظ الأطفال القرآن والإنجيل «المقدس عياد» هكذا عرفه أبناء «طهنا الجبل»، وبحبه العلم أحبوه وتعلق به أطفال قريته في المنيا، لم لا وقد كرس حياته وهو المسيحى لتعليم أبناء القرية من المسلمين والمسيحيين تعاليم دينهم. «عياد شاكر حنا - 85 عامًا» لم يجد حرجًا في تجميع أطفال القرية حوله كل يوم، هؤلاء مسيحيون يعلمهم أمورهم الدينية وتعاليم المسيح، وأولئك مسلمون يحفظهم القرآن الكريم، وكل ذلك تحت سقف كنيسة القرية. وعن مشوار تحفيظه القرآن الكريم داخل كنيسة القرية، قال المقدس عياد ل«فيتو»، إنه بدأ مشوار التحفيط وهو في عمر ال20 عاما، حين حصل على وظيفة معلم وفاجأه التكليف بأنه في مدينة ملوى الواقعة أقصى جنوب المحافظة، وهذا أمر صعب عليه أن يذهب يوميًا من سمالوط إلى ملوى، ويقطع مسافة «90 كيلومترًا» يوميًا. المقدس «عياد» واصل حديثه، قائلا: «استلمت شهرا واحدا العمل ثم تقدمت باستقالتى من ملوى لأعود إلى قريتى من جديد، وهنا كنت أنا المتعلم الوحيد في قرية طهنا الجبل، واتخذت قرارا بتعليم أبناء القرية القراءة والكتابة لكى أنفع الفقراء ومحدوى الدخل الذين يصعب عليهم ذهاب أولادهم إلى المدرسة، وكان في ذلك الوقت الآباء والأمهات يمنعن بناتهن من الذهاب إلى المدارس للتعليم، فقررت أن أعلمهم في البداية، وكان لابد أن يعرفوا أساس دينهم سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين، وبالفعل قمت بتحفيظ عدد كبير من أهالي القرية القرآن الكريم والإنجيل. وبلغة تسيطر عليها الثقة، أكد «عياد» أنه عرض فكرة تحفيظ القرآن والإنجيل على كاهن كنيسة القرية، ورحب بها ووفر له حجرة داخل الكنيسة كان مدونًا عليها «الكُتاب»، ولم تعترض الكنيسة نهائيًا على تلك الفكرة؛ لأن الجميع في النهاية نسيج واحد لا يفرقه أي شيء. أما سر تعلمه تلاوة القرآن الكريم، وعدد أبناء القرية الذي علمهم، تحدث «عياد» عن مفاجأة حفظه القرآن الكريم عن أبيه الذي كان يخطب في المسلمين خلال المآتم والجنائز، وعندما كان يخطب فيهم يستشهد بآيات من القرآن والإنجيل، وبالفعل نجح الأب في تحفيظه القرآن وتجويده كما تعلمه هو من صديقه الشيخ محمد عبد الصمد عندما كانا في ريعان شبابهما، ومن هنا نجحت في تحفيظ 1800 مسلم القرآن الكريم من أبناء القرية داخل الكنيسة، وكنت حريصًا على أن أحفظ المسلمين من التلاميذ القرآن ليتعلموا المحبة والرحمة فيما بينهم. ويؤمن «المقدس عياد» بأن كتاتيب المسلمين تمثل العمود الفقرى لتحفيظ الأطفال القرآن الكريم، وهى نفس ما تقدمه الكنيسة للشباب والأطفال من دروس، معتبرًا أن اندثار الكتاتيب أحد أهم أسباب قلة انتشار المحبة بين المسلمين والأقباط، فالكُتاب كان يعلم الطفل المسلم التسامح وحب الآخرين وكيفية معاملة المسكين والضعيف، وهو ما يتماشى مع دروس الكنيسة من أن «التسامح ركن أساسى لكل من يخطئ في حقك»، وللأسف عندما تغيب عقيدة التسامح بين المسلمين والمسيحيين فلا تتحدث إذًا عن الدين. منذ فترة بدأت وزارة الأوقاف حملة لغلق «كتاتيب المنيا»، وهو ما علق عليه «عياد» بتأكيده أنه علم من وسائل الإعلام أن وكيل وزارة الأوقاف في المحافظة محمود أبو حطب أغلق عددًا من الكتاتيب في مركز ديمواس جنوب المحافظة بحجة تكاليفها المادية التي تقع على الوزارة، وهذا مرفوض شكلا وموضوعًا لأن تلك الكتاتيب تعد من الأعمال التطوعية والخيرية المقدمة مجانا لأهالي القرى، تهدف إلى تحفيظ الأطفال القرآن وتعليمهم القراءة والكتابة والآداب العامة دون مقابل، وهو ما أحزنه كثيرًا.