حلم القوة العربية المشتركة رهينة مشروعات إقليمية.. وقطر تسعى لتصفية الحسابات مع مصر بعد «خديعة اليونسكو» "الظروف الموضوعية لا تتوفر لعقد قمة عربية ناجحة وقادرة على اتخاذ قرارات في مستوى ما يقتضيه الوضع العربى الراهن، ولا تشكل غاية في حد ذاتها، أو أن تتحول إلى مجرد اجتماع مناسباتي". العبارات السابقة خلاصة المبررات التي وضعتها المملكة المغربية في سياق تبريرها رفض استضافة أعمال القمة العربية ال27، ما تسبب في تأجيلها منذ مارس الماضى إلى يوليو الجاري، بعدما أصبحت "قمة لقيطة" تبحث عن دولة تتبنى استضافتها حتى الاتفاق على انعقادها في العاصمة الموريتانية "نواكشوط". رد مملكة المغرب الذي مثل صدمة هائلة للشارع العربى، مر بردا وسلاما على القادة العرب ولم يلتفت أحد إلى "روشتة الإنقاذ" التي قدمتها الرباط للمنطقة بأثرها قبل سقوطها من حافة الهاوية التي تقف عليها الآن. عقدت القمة -وحتى كتابة هذه السطور- لم يصدر البيان الختامى المعتاد الذي اعتدنا عليه منذ سنوات ليشمل إدانة احتلال إيران لجزر الإمارات، ومطالبتها بالكف عن التدخل في شئون دول الجوار، ومطالبة الاحتلال الإسرائيلى بحل الدولتين، وفقرة خاصة متعلقة بالإرهاب وداعش، وفقرات أخرى متعلقة بأزمة اليمن وتحالف دعم الشرعية، ورفض التدخل العسكري الخارجى في ليبيا، إضافة إلى عبارة رنانة عن الوضع في سوريا، ومجاملة مصر في بند تتحفظ عليه قطر متعلق بالإرهاب. قمة الفشل.. أبو الغيط "الأمين الحالم" منذ تولى أحمد أبو الغيط الأمانة العامة للجامعة العربية ب"ولادة قيصرية"، أطلق على قمة نواكشوط "قمة الأمل"، حالمًا بترميم شروخ جدار الأمة المتصدع بالخلافات الداخلية والصراعات الخارجية التي تؤهلها لتصبح "قمة الفشل" بامتياز. مصطلح الأمل الذي أطلقته الجامعة العربية تحت أمانة "أبوالغيط" جاء على خلفية قناعات الدبلوماسى المخضرم بقرب الانفجار الإقليمى وتخطى الخلافات حيز الأروقة والردهات والغرف المغلقة لتعلن عن نفسها رسميًا وتدق المسمار الأخير في نعش جامعة تحول دورها إلى "اجتماعات مناسباتية" كما سمتها المغرب. الخلافات العربية.. تحبط "الأمل" فرضية الاتفاق على طاولة زعماء قمة الأمل، لن تتحقق سوى في الصور الفوتوغرافية، لتظل طاولة المفاوضات أشبه ب"طاولة تربص ومؤامرت".. فمن جهة ذهبت قطر إلى نواكشوط وبداخلها روح انتقامية من مصر في عدة ملفات تحمل القاهرة والدوحة وجهات نظر متنافرة فيها، تشمل الإخوان وغزة وملفات أخرى أحدثها منصب أمين عام منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" بعد دفع القاهرة ب"مشيرة خطاب" لمنافسة وزير الثقافة القطرى حمد بن عبد العزيز الكواري. وبحسب دبلوماسى عربى، فإن قطر تشعر بالخديعة بعد تراجعها عن عرقلة اختيار" أبوالغيط" لمنصب الأمين العام للجماعة العربية، مقابل دعم مصر لمرشحها على أمانة "اليونسكو"، وهو ما سيدفع قطر إلى تحويل القمة العربية إلى "حلبة صراع" لتصفية الحسابات بهدف الانتقام من مصر، ومحاولتها خلال الفترة المقبلة التشكيك في مقدرة الأمين العام المصرى على قيادة الجامعة العربية، ووضع ألغام في طريق مهمته الرامية لتوحيد صف الأمة. تشرذم إقليمى الخلاف (المصري- القطري) لن يكون القنبلة الوحيدة المهددة لتفجير القمة، بل هناك تنافر وتضاد في ملفات المنطقة بشكل عام يضع كيان الجامعة العربية على المحك في المستقبل، فالرؤية السعودية تجاه القضية السورية ومطالبتها بالرحيل الفورى لنظام بشار الأسد عن الحكم، لا تتوافق مع الموقف المصرى الرافض لرحيل النظام خشية تقسيم أراضى الدولة وتشرذمها، مع الأخذ في الاعتبار أنه في ذات المعسكر المصرى تقف الجزائر القادرة رغم غياب عبدالعزيز بوتفليقة عن الحضور في مناوشة معسكر الخليج المناهض للنظام في دمشق. الغرب والشرق.. "مربع الأزمات" ليبيا هي الأخرى تأتى في مقدمات الملفات التي فقدت الجامعة العربية السيطرة عليها، وأصبحت نقطة خلاف بين الدول العربية الفاعلة، فمن جهة يغذى المال القطرى ميليشيات الغرب بهدف استمرار الفوضى في الدولة وتمكين جماعة الإخوان هناك من الهيمنة على الدولة، في حين تقف الإمارات ومصر والأردن في معسكر دعم الجيش الوطنى بقيادة الفريق خليفة حفتر في غرب البلاد. السودان.. دولة "السياسات المريبة" السودان التي يحرص زعيمها عمر البشير على حضور جميع الفعاليات العربية والأفريقية، بهدف تحصين نفسها من ملاحقة الجنائية الدولية، تحولت بسبب مواقفها المرتبكة تجاه قضايا الأمة وعدم وضوح أجندتها إلى "رجل العرب المريض".. في الماضى القريب مثلت حليفا إستراتيجيا لإيران على حساب السعودبة، واليوم تخرج من بيت الطاعة الإيرانى لترتمى في حضن الرياض والدوحة لتناصب إيران العداء في ملفات المنطقة. مصر هي الأخرى لم تنج من ارتباك سياسة السودان المريبة، حيث تحرص الخرطوم في غالب الاجتماعات العربية على حمل ملف "حلايب وشلاتين"، وكيد القاهرة في ملف "سد النهضة" وتحويل حدودها إلى ممرات عبور للعناصر الإرهابية إلى مصر وليبيا، وتفشل في إخفاء أجندتها المعادية للنظام المصرى لمعاقبته على إسقاط حكم الإخوان ورئيسها المعزول محمد مرسي. العراق وتركيا العراق التي هجرت محيطها العربى بعد سقوط صدام حسين على يد القوات الأمريكية، حضورها في القمم العربية الآن لا يخلو من "الأجندة الإيرانية" يكشفها تحفظها على البنود المتعلقة بإيران وحزب الله، لتجد مساندة لبنانية في هذا الشأن.. أمور أصبحت شبه معتادة تفضحها تسريبات الكواليس والمناقشات والغياب عن المؤتمر الصحفى لإعلان بيان القمة. وأولى الصدامات التي وقعت بين العراق وبيت الأمة، نشبت خلال يومى (الجمعة والسبت) أثناء اجتماع المندوبين في نواكشوط بعد رفض إدراج بند في البيان الختامى يرفض إدانة التدخل العسكري التركى في الأراضى العراقية. أزمة العراق ليست سبب حضور تركيا الوحيد لمناقشة جدول الأعمال والبيان الختامى، فقد مثل التطرق للانقلاب العسكري الفاشل صداما بين القوى الفاعلة، حيث هدف معسكر الموالاة لأنقرة إلى إدراج بند يدعم نظام رجب طيب أردوغان، قابله معسكر الممانعة بالرفض لما يحمله من غمز ولمز ضد النظام القائم في مصر، وانتهى الاشتباك بتجاهل أزمة تركيا برمتها وعدم إدراجها على جدول أعمال القمة. صراحة شكري.. "القاهرة تواجه الجميع" ولعل كلمة وزير الخارجية سامح شكرى أمام الوزراء العرب في نواكشوط، لخصت الأزمة وأشرت على فشل القمة، فقد تخلى رأس الدبلوماسية المصرية عن العبارات المسبقة بمصلطحات التنديد والرفض، وقلب الطاولة على الجميع باتهامه قوى إقليمية لم يسمها بتمويل الميليشيات الإرهابية، وشكك في مستقبل الجامعة العربية برمتها في ظل تردى مستوى أدائها. حلم القوة العربية حلم القوة العربية المشتركة الذي طرح في القمة ال26 بمدينة شرم الشيخ، أصبح رهينة للأجندات الإقليمية المتصارعة وتربص الدول العربية ببعضها البعض، دون بارقة أمل في جمع شتات الأمة وتأسيس قوى حامية تصون حدودها وتؤمن خطوطها الداخلية ضد مشاريع دولية ترمى لتقسيمها وقوى إرهابية غاشمة تهدف إلى إعادتها لعصور الظلام.