الفن زمان كان يمشى على ساقين.. ويرى بعينين.. عين الخير وعين الشر.. وكلاهما أي الخير والشر في صراع ينتهى بانتصار الخير وأهله دائمًا.. واندحار الباطل والمبطلون.. الدراما الآن تخلو من التاريخ الحقيقي، وتخاصم الواقع، وتجدف ضد المستقبل.. حتى الثورتان الكبريان (يناير ويونيو) لم نجد لهما مكانا عند أهل الدراما، ولم يأت ذكرهما من قريب أو بعيد رغم أنهما رسمتا جوانب الواقع وملامح المستقبل. ومن أسف أننا مسخنا شهر رمضان.. ونسبنا إليه بهتانًا الأعمال الدرامية دون مراعاة لأصل الشهر وحرمته.. وكيف تحول من شهر للقرآن والطاعات والانتصارات الكبرى إلى سوق تروج فيها أعمال الدراما والإعلانات المستفزة التي تزيد الاحتقان في المجتمع بما تعرضه من سلع ومنتجات ومساكن لا يقدر عليها 90 % من الشعب المصرى فَلَمن تُعرض إذن؟!.. حتى المسلسلات انتقلت إليها مظاهر الترف والفخفخة؛ فالسيارات أحدث موديل.. والشقق والفيلات فاخرة، والعيشة مترفة لا عناء فيها ولا تعب إلا الصراع والاقتتال. أهذه هي مصر التي يعانى أكثر من نصف سكانها فقرًا وشظفًا في العيش وغلاء نحذر من استمراره هكذا بلا هوادة.. وإلا فالبطون الجائعة لا تؤمن غضبتها.. وثورة الجياع إذا هبت لا قدر الله فلا عقل لها ولا رشد ولا تصور.. الأمر الذي يفرض على الدولة أن تتدخل في سوق الدراما بتقديم أعمال قيمة تستعيد الجمهور، وتعيد التوازن لتلك السوق العشوائية المنفلتة.. وإلا فالعاقبة وخيمة. ورغم أننى لست ضد التنبيه للعيوب ومواطن القصور لكنى لا أوافق أبدًا على النفخ فيها، وتهويلها وشيطنة المجتمع على هذا النحو.. وقناعتى أن لكل مجتمع مزاياه وعيوبه خيره وشره.. لكن التركيز على السلبيات فقط هو مغازلة ممجوجة للمشاهد الذي يحرص صناع الدراما على اجتذابه بأى صورة وتقديم ما يروقه ويخطف قلبه وعقله.. وفارق هائل بين أن تقدم للمجتمع ما يحتاجه وأن تقدم له ما يريده.. فالنفس أمّارة بالسوء ترغب في الممنوع.