يرى الناقد الفنى طارق الشناوى في حواره مع «فيتو» أن الفن بدوره الطبيعى الذي يؤديه في المجتمع الدنيوى لا يمكن أن يكون له أي وجود في المدينة الفاضلة، وأكد أن الفن لا يأتى أبدًا من الفضيلة، وإنما يزدهر عندما يتواجد في مجتمع يعانى من انتشار الرذيلة والشر والمشكلات المختلفة، وهنا يكون له دور قوى، وإلى نص الحوار: في البداية.. ما الشكل الذي يجب أن يكون عليه الفن في المدينة الفاضلة؟ الفن دوره إصلاح المجتمع وتسليط الضوء على المشكلات التي يعانى منها وتقديم إسقاطات على الواقع وحلول لمشكلات المجتمع، أما المدينة الفاضلة فهى مدينة خالية من المشكلات والصراعات وبالتالى لا يمكن أن تخلق فنا من الأساس. لماذا تعتقد أن المدينة الفاضلة لايمكن أن تخلق فنا؟ ببساطة لأن الفن لا يأتى من الفضيلة، فمنذ بدء الخليقة نعلم جميعًا قصة قتل قابيل لهابيل والتي تسببت في حدوث حالة من الدراما والصراع وأينما وجد الصراع والدراما وجد الفن، أما المدينة الفاضلة فلايمكن أن يوجد فيها فن، فالفن يوجد لكى يصلح المجتمع، وبالتالى لا يتواجد في مجتمع صالح بطبعه، وفى تاريخ الدراما يوجد ما يسمى بالتطهير في الدراما اليونانية. ماذا تقصد بفكرة التطهير ؟ التطهير كان موجودا وقائما في الدراما اليونانية، ويعنى أن الفن يقوم بدوره في تطهير المجتمع من آفاته وتقديم رؤية إصلاحية تنهض بذلك المجتمع في ظل وجود شر يقاومه الفن من خلال الأشكال الإبداعية المختلفة مثل السينما والدراما والمسرح وغيرها من أشكال الفن التي تقدم مضمونا تنمويا ورسالة وهدفا واضحا يساهم في تحقيق فكرة التطهير. برأيك، ألا توجد أي شخصيات منحرفة تحتاج لتجسيدها ومقاومتها من خلال الفن؟ في المدينة الفاضلة لا يمكن أن نجد مثلًا شخصية مثل ريا وسكينة أو سعيد مهران في فيلم "اللص والكلاب" فكلها نماذج للشر تختفى تمامًا في المدينة الفاضلة، والفن يجعل الفرد والمجتمع كله في حالة سمو والروح تعلو عن الصغائر والمدينة الفاضلة لا يوجد بها صغائر وبالتالى لا يكون للفن أي دور. ما أهم الصفات التي تتسم بها المدينة الفاضلة وتمنع فكرة وجود الفن تمامًا؟ في المدينة الفاضلة الحياة تكون مثالية وجميلة والعدالة قائمة، وتاريخ الدراما والسينما يؤكد أن هناك أعمالا كثيرة جدًا كان الهدف الأساسى منها مواجهة الظلم وتسليط الضوء على فكرة غياب العدالة في المجتمع، وأن الظالم دائمًا يحصل على البراءة ويعيش حياة أفضل من المظلوم، وكل ذلك يحدث في الدنيا لكن المدينة الفاضلة لايمكن أن تغيب عنها العدالة وبالتالى لايوجد ما يمكن أن يناقشه الفن. هل يمكن أن تستمر أغانى المهرجانات وأفلام السبكى والفن الهابط داخل تلك المدينة؟ بالتأكيد لا يمكن ذلك، ولن يوجد أي شكل من أشكال الفن، حيث إن الفن يلعب دوره في الجمال بمعناه الإبداعى، فإذا كانت المدينة كلها جميلة ولا يوجد بها أي مظهر من مظاهر القبح فلا يمكن أن يتواجد الفن، ولا يوجد أي مبرر لوجود أي شكل من أشكال الفن سواء الفن الراقى أو حتى الفن الهابط، فالجمال الحقيقى قائم في المدينة الفاضلة وبالتالى لا يمكن أن يضاف جمال على الجمال. في المدينة الفاضلة هل يجب أن يكون هناك رقابة على الفن لتتناسب مع أهداف تلك المدينة؟ لا يمكن أن توجد رقابة على شىء غير موجود من الأساس، فالجمال الذي سيكون أساس المدينة الفاضلة لن يسمح بوجود رقابة من أي نوع على الفن كما يحدث في مجتمعنا، والفن نفسه لن يكون هناك أي سبب لوجوده. تحدثت عن دور الفن، فهل يمكن أن يساهم ذلك الدور في خلق المدينة الفاضلة أو التمهيد لظهورها؟ الفن دوره كما ذكرت يكمن في تطهير المجتمع وتقديم رؤية إبداعية تهدف لإصلاحه، وخلق حالة جمالية وهى كلها عوامل يمكن أن تمهد بالطبع لظهور المدينة الفاضلة. هل ترى أن الفن يقوم بدوره على النحو المطلوب؟ بالتأكيد لا، حيث توجد أشكال هابطة ورديئة تطفو على السطح لكن لا داعى للقلق فالفن الجيد هو الذي يعيش فقط أما الفن الهابط فسيكون مصيره النسيان مع مرور الزمن. ما المشكلات التي تتوقع اختفاءها في المدينة الفاضلة فيما يخص الفن وواقعه الحالى؟ بالطبع لن تكون هناك رقابة، ولن يكون هناك غضب من تقييد حرية الإبداع، ولن تكون هناك أي مشكلات من أي نوع، والفن نفسه ستختفى كل مبررات وجوده حيث إن المجتمع سيكون في حالة مثالية تمامًا ولن يكون هناك حاجة للتعبير عن أي شىء من خلال الفن، وستحدث حالة من الاكتفاء بمثالية المجتمع نفسه وأخلاقه ومبادئه السامية والمثل والقيم والعدالة والحق وغيرها من الأمور المهمة والتي نفتقدها في الدنيا، ونصارع ونقاوم بالفن من أجل تحقيقها. الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية ل "فيتو"