«الجندي»: مراعاة فقه الواقع ضرورة.. والثورة التكنولوجية تتطلب خطيبا عصريا يدخل المصلى للصلاة يوم الجمعة وهو في انتظار سماع خطبة قائمة على النصح ورؤية الشرع في المواقف التي تمر بالمجتمع، والحصول على موعظة يخرج منها بإجابات واضحة ومحددة، فالخطبة جزء من الصلاة يهدف إلى التوعية والترقيق للقلوب والدعوة للإيمان، وهى ربط بين الواقع بكل أحداثه وتفاصيله وبين ما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- إلا أن ما تمر به خطب الجمعة وما يسمع فيها أبعد ما يكون عن الترقيق والترغيب في ظل خطب تبعد عن الواقع ودائمة الترهيب في الغالب، رغم أنه يشترط في الخطيب الإلمام بالواقع وفقهه حتى يحدث الناس في أمورهم الحياتية. يرى الدكتور محمد الشحات الجندى عضو مجمع البحوث الإسلامية: أن مراعاة فقه الواقع يأتى من معايشة خطيب المنبر للواقع الذي يدور حوله، وأن ينطلق من الثورة التكنولوجية، والاتصال بالوسائل الحديثة لمعايشة الواقع. ويضيف الجندي: «الواقع اليوم أصبح عبارة عن شباب كل كلامه عن الإنترنت والتكنولوجيا، وإذا كان الخطيب غير ملم بها لن يستطيع أن يتحاور وينصح الشباب، وبالتالى الشباب سيظل على حيرته لا يعلم الصواب من الخطأ والحلال من الحرام، وستزداد الفجوة بينه وبين الدين، وهو ما يؤدى إلى زيادة معدلات الجريمة وسوء الخلق". كما يجب على الخطيب أن تكون لديه القدرة على تمييز ما يحتاج له المجتمع وما لا يحتاج له، وأن يكون على قدر المسئولية الدعوية، ويكون حديثه عن الماضى محدودا، فلا بد من التركيز على القضايا المعاصرة وسبل معالجتها فكريًا ووضع حلول جذرية لها، ولن يستطيع أن يتقنها خطيب الجمعة إلا إذا كان على دراية كافية بفقه الواقع. وفى بحث مطول يقول مارك جبريال الكاتب والمتخصص في الشئون الإسلامية والقانون الدولى لحقوق الإنسان: «إن فقه الواقع هو العلم الذي يساعد علماء الإسلام على الوقوف والإلمام بواقع المسلمين وربطه بنمط الحياة المعاصرة وضغوطها ومشكلاتها، وهو الذي يجعلها تختلف تمامًا عن حال المسلمين في العصور المتأخرة، ويستدعى اجتهادات وفتاوى جديدة تساعد على تقدم المسلمين وتحافظ على صيانة حقوق الإنسان ونشر العدل والمساواة وقبول الآخرين مهما كان شكل الاختلافات بينهم وبين المسلمين». وذكر الراحل الدكتور محمد مختار المهدى الرئيس العام للجمعية الشرعية وعضو مجمع البحوث الإسلامية السابق في بعض كتبه أن عدم إدراك الخطيب أحوال وطبيعة المخاطبين ينعكس على اختياره الأسلوب الملائم لمستمعيه سواء كانوا من المثقفين أو أنصاف المتعلمين أو الأميين، مما يفقده التفاهم والتجاوب مع الناس، فالحكمة التي ندعو إليها الخطباء هي الكلمة المناسبة للشخص المناسب في الوقت المناسب. فليس من جمهور المستمعين له من بسطاء الناس في حى شعبى كمن يستمع له ناس من المتعلمين في حى راق فلكل لغته واحتياجاته وطرق التأثير عليه. وعندما سئل الحسن البصرى عن الخطباء والوعاظ، ما بال بعضهم تؤثر فينا موعظته بينما الآخر لا يهز منا شعرة، فقال: إذا خرج الكلام من القلب بلغ إلى الجنان، وإذا خرج من اللسان لم يجاوز الآذان. وقد كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا خطب كمنذر جيش، فيجب أن تكون نية الخطيب خالصة لله تعالى، حتى يكون كلامه مؤثرا وفعالا ومقبولا عند الناس، وبعد كل ذلك يتوجه لنصح الناس بقلب صادق مخلص. عدم اختيار الخطيب الموضوعات التي تهم المستمع إليه في الخطبة وعرض مواضيع محددة وتكرارها يسبب للمصلين رتابة وهى ليست درسا شرعيًا أو ندوة يستطيع المستمع أن يخرج منها في أي وقت، لذا فالمستمع في حاجة لربط الخطبة بالواقع فكثيرا ما يخرج الإمام عن الواقع ليحدث عن قضايا خلافية لا أثر لها في الحياة الآن نظرا للتقدم العلمى والتكنولوجي. وما يهم المصلى يوم الجمعة الإجابة على السؤال الأهم لديه فور انتهاء خطبة الجمعة ويتعلق دائما ماذا نفعل الآن وما هو المطلوب الآن وقال العديد من العلماء والفقهاء إنه يجب على الخطيب أن يراعى التسلسل في خطبته ووضع هدف وإجابة نهائية لما هو مطلوب من المصلي، فحين يتناول قضية القدسالمحتلة، وما يحدث فيها من اعتداءات يستغل بعض الأئمة الناحية العاطفية لدى الناس ويقوم بتهييج مشاعرهم دون أن يحدد لهم ما هو المطلوب منهم على وجه التحديد. حالة الفراغ الدينى التي يعانى منها الكثير من الناس، يرجع بعضها لخطباء ومشايخ لإثارتهم قضايا خلافية، وربما كان لدى البعض قناعات معينة حول بعض المسائل فإذا استمع للإمام وهو يهاجم معتقداته انصرف عنه، لا بد من تجنب القضايا الخلافية والتحدث فيما هو متفق عليه حتى يخرج المصلى بالنصح الذي يريد.