كان الرسول يعد أصحابه للخطابة فى وجوده ومن ذلك ما روى عن أبى الدرداء أنه قال أمر رسول الله «صلى الله عليه وسلم» بعد أن فرغ من خطبته أبا بكر ليقوم فيخطب، فقام أبو بكر فخطب... ثم أمر ابن أم عبد «عبدالله بن مسعود» أن يقوم فيخطب فقام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إن الله عز وجل ربنا، وإن الإسلام ديننا، وإن القرآن إمامنا وإن البيت قبلتنا. وأن هذا نبينا «وأوما إلى النبى صلى الله عليه وسلم» رضينا ما رضى الله لنا ورسوله، وكرهنا ما كره الله لنا ورسوله. والسلام عليكم. فقال رسول الله «صلى الله عليه وسلم:« أصاب ابن أم عبد وصدق. رضيت بما رضى الله لأننى وابن أم عبد، وكرهت ما كره الله لأمتى وابن أم عبدى، وصدق رسول الله فقد كان عبدالله بن مسعود من المشهود لهم بالتفقه فى الدين ويفتى الناس على عهد الرسول وبعده واستقر بالكوفة بعد فتحها على عهد عمر بن الخطاب وأسس هناك مدرسة الرأى التى تتلمذ عليه فيها كبار التابعين وهى المدرسة التى أنجبت الإمام أبو حنيفة النعمان فيما بعد. كذلك كان عمر بن الخطاب فى عهده «صلى الله عليه وسلم» يجتهد حتى قال عنه رسول الله «صلى الله عليه وسلم» إن القرأن ينزل على رأى عمر، وفى عهد الخليفة الأول أبى بكرالصديق كان عمر بن الخطاب على رأس القضاء يفتى الناس ويقضى بينهم ومن أشهر أقضيته فى ذلك الوقت وقف سهم المؤلفة قلوبهم من توزيع الغنائم، وكان القرأن قد جعل لهم سهما من الغنائم وهم بعض كبار زعماء قريش الذين أسلموا يوم فتح مكة، فأراد الله ورسوله أن يشعرهم بأهميتهم وتميزهم حتى يؤلف قلوبهم على الإسلام والمسلمين فجعل لهم هذا السهم، وعندما جاء عهد أبى بكر منع عنهم عمر بن الخطاب هذا السهم وقال لهم إنما كنا نتألف قلوبكم عندما كنا «قليل» أما الآن فلا حاجة لتأليف قلوبكم وبيننا وبينكم السيف، فذهب أصحاب السهم يشكون للخليفة أبى بكر وحاولوا الوقيعة بينه وبين عمر بن الخطاب فقالوا للخليفة إننا لا نعرف أأنت الخليفة أم هو، فرد عليهم أبو بكر بل هو إن شاء الله، والأمثلة على اجتهاد عمر بن الخطاب كثيرة خاصة بعد أن تولى الخلافة وفتح الله على المسلمين الأمصار وازدادت الغنائم فى بيت المال. فكان الاجتهاد سبل أوسع خاصة فى البلاد المفتوحة التى كانت تختلف فى حياتها وخلفيتها الحضارية عن بلاد الحجاز مكة والمدينة، أى كان على بن أبى طالب من المجتهدين على عهد رسول الله «صلى الله عليه وسلم» وفى العهود التى تلت حتى توليه الخلافة بعد ذلك، وكان عمر بن الخطاب يستشيره فى كل كبيرة وصغيرة حتى إنه كان يقول «قضية ولا أبا الحسن»، وروى عن على بن أبى طالب إنه قال: بعثنى رسول الله «صلى الله عليه وسلم» إلى اليمن، فقلت يارسول الله بعثتنى وأنا شاب أقضى بينهم ولا أدرى ما القضاء فضرب صدرى بيده ثم قال:«اللهم أهد قلبه وثبت لسانه» فو الذى فلق الحبة ما شككت فى قضاء بين اثنين وعندما اعتلى على بن أبى طالب الخلافة بعد مقتل عثمان بن عفان ودار القتال بينه وبين معاوية بن أبى سفيان بعد أن امتنع عن مبايعته واعتصم مع الكثير من بنى أمية فى ربوع الشام يطالبون بالقصاص من قتلة عثمان، هنا تحديدا بداية الفتنة وبداية الفتاوى الشاذة البعيدة كل البعد عن الآراء الوسطية المستنيرة التى نزل بها القرأن وعاش بها المسلمون فى عهد رسول الله «صلى الله عليه وسلم» وخلفائه الراشدين وكانت الحرب بين على ومعاوية حيث رفع الأخير مع جيشه المصاحف على أسنة الرماح يطالبون بتطبيق شرع الله والاحتكام إليه بعد أن أحسوا ببوادر النصر تأتى فى صف جيش على، وهنا قبل على التحكيم حقناً لدماء المسلمين، وكان ما كان من قصة الخداع بين أبى موسى الأشعرى الذى فاوض باسم على وعمرو بن العاص الذى فاوض بإسم معاوية وأعلن أن القرار لخلافة معاوية وعزل على وسط هذه الفتن خرجت جماعة من بين صفوف جيش على بن أبى طالب وكان أغلبهم من قبيلة تميم يرفضون مسلك على ويكفرونه لأنه قبل التحكيم مخالفا فى ذلك فى رأيهم صريج القرآن وخرجوا على علي وأصحابه ولذلك أطلق عليهم المؤرخون الخوارج، وفى ظل هذه الجماعة صدرت أول فتوى شاذة فى تاريخ الإسلام بقتل الخليفة على بن أبى طالب ومعاوية بن أبى سفيان وعمرو بن العاص قصاصا منهم لعدم اتباع شرع الله والحكم بما أنزل، ونعلم أن معاوية وعمرو نجيا من القتل بينما نجح عبدالرحمن بن ملجم فى اغتيال على بن أبى طالب فكان الخليفة الرابع ضحية أول فتوى شاذة فى تاريخ الإسلام!! بعد هذا التاريخ سار الاجتهاد والفتوى فى طريقين منفصلين.. الأول هو الطريق الذى بدأه صحابة رسول الله «صلى الله عليه وسلم» فى الاجتهاد والفتوى ومنه خرجت مدارس التابعين وأشهرها مدرسة الحجاز وكان من أعلامها الإمام سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد بن أبى بكر وعبيد الله بن عبدالله بن مسعود، ومدرسة العراق والتى سميت بمدرسة الرأى وكان إمامها الصحابى الجليل عبدالله بن مسعود ومن أشهر فقهاء هذه المدرسة الإمام إبراهيم النخعى شيخ حماد بن أبى سليمان الذى تتلمذ على يديه الإمام أبو حنيفة النعمان. كما اشتهر أيضا فى هذا الوقت الإمام الحسن البصرى مولى زيد بن ثابت الأنصارى. ونشأ فى بيت أم المؤمنين أم سلمة ويقال إنها أرضعته وكانت تخرجه لكبار الصحابة فيدعون له ومنهم عمر بن الخطاب الذى دعا له قائلا:« اللهم فقهه فى الدين وحببه إلى الناس». كذلك اشتهر أيضا الإمام عطاء بن أبى رباح الذى سمع الحديث من كبار الصحابة أمثال أبو هريرة وعبدالله بن عباس وعبدالله بن عمر، كما سمع من أم المؤمنين عائشة رضى الله عنهم أجمعين. أما الطريق الثانى الذى يتمثل فى الفتاوى الشاذة والملفقة والكاذبة، والذى راح ضحيته الإمام على بن أبى طالب فاستمر بعد تأسيس دولة بنى أمية وتحويل الخلافة إلى ملك عضوض، وكان الحديث المروى عن رسول الله «صلى الله عليه وسلم» لم يدون فى صحائف حتى ذلك الوقت، وهو الأمر الذى استغله بعض فقهاء السلطان وفى ذلك يقول الدكتور يوسف قاسم أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة «إن حكام بنى أمية أنغمسوا فى الترف والنعيم وانشغلوا بالحكم والسياسة وشأن البشر فى كل العصور والأزمات. فقد وجد من ضعاف النفوس من يحاول وضع الأحاديث كذبا وافتراء على رسول الله «صلى الله عليه وسلم» لتأييد بعض الاتجاهات متى رأى أن هذا سوف يعود عليه بنفع ما. ومن ناحية أخرى فإن كثيرا من الزنادقة والمندسين فى هذا الدين حاولوا من جانبهم استغلال عدم التشدد فى رواية الحديث فوضعوا أحاديث مكذوبة على نبى الإسلام «صلى الله عليه وسلم». وبالطبع كانت هذه الأحاديث التى وضعت فى هذا العصر وما تلاه من عصور هى الوقود الذى يحرق به البعض عظمة الإسلام. مراجع الدراسة: 1- مبادئ الفقه الإسلامى د/يوسف قاسم 2- فجر الإسلام أحمد أمين