عبد الناصر يعتقل أول نقيب للصحفيين لتأييده الديمقراطية السادات يزج بالعشرات منهم في سجونه بسبب أحداث سبتمبر حين نكث وزير الداخلية بعهده، وواجه القلم بالسلاح، وتجرأ على اقتحام نقابة الصحفيين، يومها توشح الأحد أول مايو ب«الأسود»، وبكت الأقلام وازدجرت المطابع غضبًا، وهرول «الجورنالجية» لحماية بلاط صاحبة الجلالة.. هنا أعاد «1 مايو 2016» للأذهان كوارث الأنظمة الحاكمة مع الصحفيين ونقابتهم. تحتفظ نقابة الصحفيين في سجلها بمحطات فارقة في النضال والدفاع عن قضايا الحريات وحرية الصحافة والرأى والتعبير في مصر، تراوحت تلك المحطات ما بين الارتفاع والانخفاض وانتصرت في معظمها الجماعة الصحفية على كل القوى التي واجهتها، بل ظلت النقابة لسنوات طويلة حضنًا آمنًا للاحتجاجات، سواء المتعلقة بقضايا الصحافة والصحفيين أو المطالبة بالإصلاح السياسي، وأحيانًا أخرى للاحتجاجات الفئوية؛ ما دفع البعض إلى تسميتها «قلعة الاحتجاجات» كجزء من تاريخها كقلعة للحريات. نضال الصحفيين ونقابتهم دائمًا ما قابلته الحكومات المتتالية وذراعها الأمنية بالقوة، وكثيرًا ما لعبت تلك الحكومات على «كارت» حبس الصحفيين دائمًا لإرهابهم، وخلال فترة ما قبل الثورة العرابية قبل عام 1880 وحتى 1952 في عهد الخديو توفيق والملك فؤاد والملك فاروق، قُدم العديد من الكتاب وقتها للمحاكمة بتهمة العيب في الذات الملكية، وكان من بينهم عباس محمود العقاد، بيرم التونسي، إبراهيم شكري، جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده وغيرهم الكثيرين. حينها جرم قانون المطبوعات الشهير عام 1881 كل من أهان وعاب ولى الأمر، وفى أعقاب الثورة العرابية صدر قانون العقوبات سنة 1883، حيث قنن في المادة 163 في الجنح والجنايات التي تقع بواسطة الصحف والجرائد وغيرها وفى الجنح المتعلقة بالتعليم العام أو الدينى كل من عاب في حق ذات ولى الأمر بواسطة إحدى الطرق المذكورة يعاقب بالحبس من شهر إلى 18 شهرًا، ويدفع غرامة من 100 قرش إلى ألفى قرش. وفى عهد جمال عبد الناصر، ربما كانت هي الفترة الأسوأ على الصحفيين، حيث كانت من أكثر الفترات تقييدًا لحرية الصحافة والصحفيين بداية من تقييد حق إصدار الصحف وتأميمها لتكون لسان حال النظام، خصوصًا بعد صدور قرار بإلغاء الأحزاب السياسية وغلق جميع الصحف الناطقة باسمها، بعد أن كان حق الصدور قبل ثورة يوليو بالإخطار فقط. وخلال فترة عبدالناصر أيضًا كانت هناك رقابة صارمة على كل ما ينشر في الصحف، ما أدى إلى اعتقال الصحفيين المعارضين أو المخالفين للفكر الناصرى حينها، وكان أبرزهم وقتها الكاتب الصحفى مصطفى أمين، مؤسس دار أخبار اليوم بمشاركة أخيه على أمين، بتهمة التخابر لصالح أمريكا، وصدر ضده الحكم بالسجن 9 سنوات قضاها أمين في السجن حتى أفرج عنه صحيًا عام 1974، وتقدم «مصطفى» بعد ذلك بطلب لإعادة محاكمته وحصل على البراءة. كما فصل عبد الناصر الكاتب الصحفى فكرى أباظة عام 1961 لكتابته سطورًا عن الحرية والديمقراطية في مقاله الساخر «الجاسوسة الحسناء»، وكاد «أباظة» الذي اعتاد على مدى 40 عامًا الذهاب إلى مكتبه بمجلة المصور في دار الهلال أن يفقد حياته، بعد أن تم فصله من عمله ليعانى مجموعة من الأمراض، واضطر في النهاية أن يعتذر بصورة مهينة إلى عبد الناصر في الصفحة الأولى لجريدة الأهرام. أما الراحل «محمود أحمد أبو الفتح»، صاحب فكرة إنشاء نقابة للصحفيين سنة 1941، كان أول نقيب للصحفيين في عهد عبد الناصر، ووقتها عطلت حركة الضباط الأحرار لثورة يوليو 1952 جريدة المصرى ومصادرة كل ممتلكات محمود أبو الفتح وأسرته وكان ذلك بسبب موقفه وجريدته المؤيدة للديمقراطية وعودة الجيش إلى ثكناته أثناء أزمة مارس 1954، وحكم عليه أمام محكمة الثورة برئاسة قائد الجناح عبد اللطيف البغدادى وعضوية البكباشى أنور السادات وقائد الأسراب حسن إبراهيم، وكانت التهمة له ولأخيه أنهما أتيا أفعالا ضد سلامة الوطن ومن شأنها إفساد إدارة الحكم وعمل دعاية واتصالات في الخارج ضد نظام الحكم القائم بقصد تقويض النشاط القومى للبلاد وإغراء موظف عمومى بطرق غير مشروعة على المساهمة في إتمام صفقة تجارية لمصلحته الذاتية وصدر ضده حكم غيابى بالسجن 10 سنوات ومصادرة أمواله، ومعاقبة حسين أبى الفتح بالحبس 15 سنة مع إيقاف التنفيذ. وفى عهد محمد أنور السادات بدأ ما عُرف ب«ثورة التصحيح»، وكان الصحفيون الأكثر تعرضًا للتنكيل والحبس على يد أنور السادات، فتم القبض على العشرات من الصحفيين وتم الزج بهم في السجون، خصوصًا بعد اتفاقية السلام مع إسرائيل في أحداث سبتمبر الشهيرة، حيث ألقى القبض على ألف و563 شخصية معارضة من بينهم العشرات من الصحفيين، أبرزهم: محمد حسنين هيكل، فريدة النقاش، صافيناز كاظم، صلاح عيسى، نوال السعداوي، لطيفة الزيات، محمد عبد القدوس، ومحمد سلماوي، فضلا عن مصادرة أعداد بعض الصحف والمجلات مثل «الأهالي» اليسارية و«الدعوة» الإخوانية، وانتهى الأمر إلى إغلاق هذه الصحف. حاول الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك بدء عهده بمصالحة الصحفيين والإفراج عنهم من المعتقلات، وظهرت صحف جديدة معارضة مثل الأحرار والوفد والأهالي والشعب لكن الحال لم يدم كثيرًا، وظهرت تحكمات نظامه وتقييده لحرية الصحافة، وكان أبرز الأزمات قانون تشديد عقوبات جرائم النشر وفرض القيود على الصحف المستقلة والحزبية. وفى عهد مبارك، صدر قانون الصحافة رقم 96 لعام 1996 الذي يمثل التفافًا حول القانون 93 لكنه تشدد في تطبيق عقوبة الحبس للصحفيين في قضايا النشر، فتعرض الصحفيون للاعتقال والاختفاء دون معرفة مصيرهم، وأهم تلك الحالات كان الصحفى بالأهرام رضا هلال، وألقى القبض على مجدى حسين وحمدين صباحى بعد إعلان موقفهما من حرب عاصفة الصحراء 1991، كما ألقى القبض على عادل حسين بسبب كتاب «لماذا نقول لا لمبارك» عام 1993، وأحيل عبد الستار أبو حسين الصحفى بجريدة الشعب إلى المحكمة العسكرية عام 1994. كما تمت محاكمة 56 من المشتغلين في الصحافة أثناء تطبيق القانون الذي عرف بقانون اغتيال الصحافة وحبس صحفى جريدة الشعب لاتهام وزير الزراعة يوسف والى بإشرافه المباشر على دخول مبيدات وأسمدة غير صالحة للاستخدام، وأيضا حبس 3 صحفيين من جريدة المصرى اليوم في قضية وزير الإسكان، كما تم اختطاف كل من وائل جمال الصحفى في جريدة الأهرام وإبراهيم الصحارى بالعالم اليوم، عقب أحداث مظاهرات 20 مارس ضد احتلال العراق، واختطاف عبد الحليم قنديل بالعربى الناصرى وضربه في أكتوبر 2004 لانتقاده سياسة مبارك، ومحاولة توريث الحكم لنجله كما عانى أيضا الصحفى إبراهيم عيسى في عهد مبارك وصدر ضده العديد من الأحكام. وخلال فترة العام التي حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي البلاد، كان بمثابة العام الأسود على الصحافة، إذ تم الاعتداء على العديد من الصحفيين، وسقط الشهداء منهم، ودخلت الصحافة في معركة مع جماعة الإخوان التي سعت لتكميم الأفواه، بدءًا من دستور 2012 الذي كانت تعده الجمعية التأسيسية التي فرضتها الجماعة من رجالها بمجلس الشعب، وسعت إلى تقييد حرية الصحافة وإدخالها في حظيرتها، إلا أن الصحفيين انتفضوا وأجبروا مرسي على إصدار قرار جمهورى بإلغاء الحبس الاحتياطي للصحفيين، لتعديل المادة 41 من قانون الصحافة رقم 96 لسنة 1996، كما انتزع الصحفيون حقوقهم في دستور 2014، وكانت الفادحة الكبرى سقوط الزميل الحسينى أبو ضيف شهيدًا، كما وصلت الأزمات إلى اقتحام صحف وحرق مواقع والتعدى على أفراد بتهمة أنهم صحفيون.