الدكتور وحيد عبد المجيد.. مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية: وضع الحريات حاليا أسوأ من عهدى مبارك والسادات.. وتحسين الأوضاع ليس ترفًا بل ضرورة لإنقاذ المجتمع من الصدام له رؤية نقدية للأوضاع والظروف الراهنة بالبلاد، لا يستهدف منها إلا الإصلاح، يرى أن مستقبل مصر مرهون بتحديد رؤية واضحة تسير على إثرها مؤسسات الدولة، مؤكدًا ضرورة معالجة الخلل المتراكم في البنية المؤسسية المصرية من عقود طويلة، إنه الدكتور وحيد عبد المجيد، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، الذي حل ضيفًا على صالون «فيتو» ليقيم الأوضاع السياسية في البلاد، ويطرح رؤيته حول الأزمات التي تشهدها مصر مؤخرًا. ما هي قراءتك لزيارة الرئيس الفرنسى لمصر وما نتج عنها من اتفاقيات بين البلدين ؟ الحديث عن الاتفاقيات في مصر «كلام للاستهلاك المحلى»، فمصر من أكثر البلاد التي تعقد اتفاقيات اقتصادية مع دول العالم وهى أيضًا من أقل البلاد استفادة منها، وللعلم لا يوجد اقتصاد في أي دولة يمكن أن ينمو ويتطور عن طريق اتفاقيات مع دول أخرى أو من خلال العلاقات الاقتصادية أو عبر سياسات «التسول» والمنح والقروض. وللعلم تأثير أي علاقات اقتصادية سيكون هامشيًا وثانويًا وقد تكون له تأثيرات سلبية تفوق تأثيراته الإيجابية ما لم يكن هناك بناء اقتصادى داخلى حقيقى وقوى قادر على النمو والتطور، لذلك فإن مشكلة مصر الاقتصادية الأساسية في الداخل وليس الخارج، وزيارة هولاند لمصر صحبها ضجة إعلامية لا داعى لها فهى تقع في إطار بروتوكول العلاقات بين الدول لا أكثر. وما تقييمك لاتفاقية إعادة ترسيم الحدود بين مصر والسعودية وتداعيات تلك القضية على الرأى العام ؟ مجمل المشهد على مدى ما حدث خلال العقود الأخيرة، وكل «القرائن» تؤكد حق السعودية في المطالبة بتلك الجزيرتين وأن ما حدث إعادة الأمر لوضعه الأصلى، لأن مصر لم تزعم يومًا أن لها سيادة عليهما كما لم يُرفع العلم المصرى في أي وقت على الجزيرتين ولكن كان هناك وجود عسكري فيهما، وللعلم كل من مصر أو السعودية لم تهتم بهاتين الجزيرتين قبل الصراع العربى الإسرائيلي، وتشير المؤشرات المتوفرة بحكم المعرفة العامة أن جزيرة صنافير هي أقرب إلى المياه الإقليمية السعودية، أما جزيرة تيران فلا يقين لدى بشأنها، لذا فإن الأمر ما زال يحتاج إلى دليل حاسم، حيث إن كل الوثائق التي تم إعلانها من كل الأطراف ليس بها وثيقة واحدة يُعتد بها أو تحسم ملكية الجزيرة لأى من السعودية ومصر. هل تنازل مصر عن جزيرتى تيران وصنافير من أجل بناء الجسر السعودى المصرى.. وماذا عن مشهد التظاهرات الرافضة تلك الاتفاقية ؟ كل هذه الشكوك نتجت عن طريقة إدارة الأزمة، فالطريقة التي تُدار بها البلاد صانعة للأزمات في الداخل والخارج ومباغتة المصريين بقرار بهذا الحجم وتركهم يبحثون عن تفسيرات لها، نتيجة لغياب العقلية السياسية ونتيجة عشوائية أسلوب الحكم في التعامل مع القضايا الكبرى والاستهانة بالرأى العام والعقل الجمعى للمجتمع، يثير أسئلة كثيرة معظمها لا أساس له أو محل في موضوع ما زال به التباس وتظاهرات «الأرض هي العرض» صورة مصغرة لتغيير اتجاهات الرأى العام. وما تعليقك على البيان الرسمى الذي أصدرته الخارجية السودانية للمطالبة باسترداد حلايب وشلاتين أسوة بإعادة تيران وصنافير إلى السعودية؟ موضوع حلايب وشلاتين ليس جديدًا والسودان يثير هذا الموضوع من وقت لآخر، وهذه ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة، ولقد شجعت الطريقة التي أدارت بها السلطة أزمة تيران وصنافير، السودان لإعادة فتح هذا الملف، وحسم قضية الحدود البرية تتم بوثائق تاريخية وقانونية، حيث تم إصدار خريطة عام 1899 بموجب الاتفاقية البريطانية، بحدود كل من مصر والسودان وهذه الخريطة واضحة لا يوجد مثلها بالنسبة لتيران وصنافير. لماذا تتكرر انتهاكات أمناء الشرطة بحق مواطنين ؟ هذه القضية هي انعكاس لأزمة تتعلق بهيكلة كثير من مؤسسات الدولة نتيجة لتراكمات تاريخية مرت بها على مدى عقود ونتيجة أوضاع غير طبيعية لم تتم معالجتها، فأصبح هناك خلل هيلكي في الأغلبية الساحقة من مؤسسات الدولة بما فيها وزارة الداخلية، ولكن بعض هذه المؤسسات تظهر تداعيات الخلل بها في الشارع وعلى الملأ، وعند الإشارة إلى قضية الأمن المركزى، فإن هذا الجهاز تم إنشاؤه بشكل عشوائى نتيجة قرار أخرق من أحد وزراء الداخلية أو ممن كان يعلوه، وكان الهدف منه مواجهة الشغب، وأخذ هذا الجهاز يتضخم ويتسع ثم تحول إلى مشكلة داخل هيكل وزارة الداخلية، لأن الأمناء يشعرون بالغبن بشأن وضعهم المعنوى والمادى في هيكل الوزارة، ومع ذلك تم التوسع في هذا الجهاز، ومع هذا التراكم أصبح هذا القطاع مصدر مشكلات لوزارة الداخلية وللمجتمع وحتى الآن لم يحدث أي إصلاح جوهرى لأى اختلال هيكلى متراكم في المؤسسات ويتم التعامل مع الموضوع بطريقة المسكنات أو الحلول الجزئية ودون التعامل مع جوهر الأزمة، والمشكلة ليست منحصرة في الأمن المركزى ووزارة الداخلية بل هي جزء من أزمة عامة. إذًا فمشكلة مصر الحقيقية تكمن في سوء الإدارة في مؤسسات الدولة؟ أسلوب الحكم «اللاسياسي» لا يناسب مصر في هذا العصر، وأعنى بأسلوب الحكم بداية من قمة السلطة التنفيذية ويشمل هذا السلطة بأكملها، بما فيها من مؤسسات ووزارات، وتغيير هذا الأسلوب يأتى من تغيير المنهج وهذا التغيير يأتى من أعلى قمة السلطة التنفيذية، كما أن مشكلة مصر ليست في بنيتها الأساسية بل في بنيتها المؤسسية. في رأيك هل ستتأثر شعبية الرئيس السيسي سلبًا في ظل الأوضاع الحالية التي تشهدها الدولة المصرية؟ الظروف الحالية وغياب الرؤية وتفاقم الأزمات أثرت بالفعل في شعبية السيسي، وللعلم من يشعرون بالإحباط من السياسات القائمة ومن خابت توقعاتهم وآمالهم أكثر بكثير ممن خرجوا في التظاهرات الأخيرة، وهذه التظاهرات ليست إلا صورة مصغرة لما حدث خلال الفترة الماضية من تغييرات في اتجاهات الرأى العام، وهذا أمر ينبغى أن يعيه نظام الحكم ورئيس الجمهورية شخصيًا يفيد أن هناك نزيفًا مستمرًا يحدث نتيجة طريقة حكم هو لا يزال معتقدًا في صحتها لكنها طريقة تجعله الخاسر الأول وكذلك البلد، وإذا استمر الوضع بهذا الشكل سندخل مرة أخرى في طريق مسدود. كيف قرأت بيان الحكومة؟ تمامًا مثل ما قرأت بيانات أكثر من 30 حكومة على مدى 50 عامًا مضت، فهو البيان ذاته الذي تؤكد دلالته الأساسية أنه «لا توجد حكومة»، وبيانات الحكومات منذ 50 عامًا مجرد قص ولزق، وللعلم فإن الحكومة ليست شكلًا مكونًا من مجموعة وزارات ووزراء، بل هي مؤسسة تعمل وفقًا لرؤية سياسية كاملة وواضحة وتعمل كفريق عمل واحد لتنفيذ هذه الرؤية، أما الوزارات في مصر فتتبع سياسة الجزر المنعزلة فلا توجد علاقة بين بعضهم البعض حتى أصبح من الصعوبة بمكان تعاون وزارتين معًا. كيف تقيم أداء النواب بعد 100 يوم على بداية عمل البرلمان؟ ليس هناك أداء حتى الآن لكى يمكن تقييمه، لأن هذا المجلس لم يعمل إلا لمدة أسبوعين تقريبًا ناقش فيهما القرارات الصادرة قبل انتخابه، وبعد ذلك حدثت كارثة وهى تعطيل عمله لحين انتهاء إصدار اللائحة وهذا قرار عشوائى يدل على انعدام الخبرة لأن لائحة المجلس كأى لائحة أو قانون يمكن تعديلها في أي وقت، والوضع الطبيعى أن يعمل المجلس وفقًا للائحة الموجودة فيتم تشكيل اللجان ويبدأ عمل المجلس، وتقوم اللجنة التشريعية بتعديل مشروع اللائحة ضمن عملها والنظر في التشريعات المعطلة والمكدسة، ولكن المجلس فعليًا سيبدأ عمله من الأسبوع المقبل. وما رأيك في أداء الدكتور على عبد العال رئيس مجلس النواب وما يشهده المجلس من تراشقات ومشاحنات بين النواب؟ أرى أن أداء رئيس مجلس النواب ضعيف، فضلًا عن أنه المسئول الأساسى عن تعطيل عمل المجلس لمدة أربعة شهور، وهو قرار خاطئ أدى إلى الإساءة لصورة المجلس الذي جاء نتيجة انتخابات «سيئة السمعة» فزاد الطين بلة، وللأسف التعديل في لائحة المجلس أبقى على سلطات رئيس البرلمان بالرغم من أنه لا يُعقل أن يحظى رئيس المجلس بصلاحيات على السلطة التشريعية أكثر من صلاحيات رئيس الجمهورية على السلطة التنفيذية، فهذا وضع مختل وبفعله يمكن لرئيس المجلس إلغاء البرلمان بأكمله، وأن يفعل ما يشاء، أي أنه حاكم بأمره وهذا وضع لا يستقيم. وماذا عن وضع الحريات في مصر؟ الحريات حاليًا في أسوأ وضع لها منذ ستينيات القرن الماضى، فهى أسوأ مما كانت عليه في عهدى مبارك والسادات، في ظل الاستقطاب الحاد الذي يخلق حالة من الإقصاء والتخوين المتبادل، وبالتالى فإن تحسين أوضاع الحريات في مصر ليس نوعًا من «الترف»، بل ضرورة لإنقاذ المجتمع من حالة الصدام السائدة بين المصريين، والتي تظهر على صفحات مواقع التواصل الاجتماعى بسبب غلق باب الحوار على أرض الواقع، وهنا تظهر أهمية الحوار الإيجابى والبناء الذي يجب أن يُتبع بعيدًا عن المهاترات التي نعيش فيها. تقييمك للمبادرات التي تهدف ل«لم شمل» ومنها دعوة عصام كامل رئيس تحرير فيتو والتي تهدف إلى لم شمل المعارضة تحت راية واحدة؟ كل هذه المبادرات تعبر عن روح إيجابية نحتاج لها خاصة أن لدينا الكثير من الأفكار والرؤى التي طرحت خلال الفترة الماضية، وتم الإعلان عنها في وسائل الإعلام أو من خلال أبحاث ودراسات بمراكز الأبحاث المصرية، وبالتالى لدينا أساس يمكن أن ننطلق منه لإيجاد سياسات بديلة يمكن للحكومة أن تستعين بها خاصة الأجندة الاقتصادية والنقدية والسياسات الاجتماعية والعلاقة بين الأمن والحرية وهذه القضايا والسياسات هي التي يوجد بها تعثر واضح وتحتاج إلى مراجعة ويمكن أن تسهم هذه المبادرات في تجميع الأفكار المطروحة للقضايا وتنطلق منها لطرح الرؤية الجديدة التي نتطلع إليها وإيجاد سياسات بديلة في مختلف القضايا والملفات، ولذلك فإنه من المتوقع أن تشهد مصر خلال الفترة المقبلة ظهور قوى معارضة جديدة مع انتهاء دور المعارضة القديمة التي كانت موجودة في عهد مبارك والإخوان، باستثناء عدد من الأحزاب ربما يكون لهم دور في صورة المعارضة الجديدة. وما هي صورة المعارضة الجديدة في رأيك؟ تشمل هذه الصورة أجيالا جديدة بصورة أكبر من الأجيال القديمة، حيث إن معظم الأحزاب التي لديها مواقف مع النظام أصبحت بحكم التركيب العمرى للمجتمع المصرى في حالة شيخوخة، لذا فإنه من المتوقع في السنوات المقبلة ظهور أطر وكيانات وأحزاب جديدة بقيادة أجيال جديدة مختلفة بحيث ألا يبقى من كل هذا القديم سوى عدد قليل من الأحزاب التي تتضمن بداخلها أعدادًا معقولة من الشباب. من أين يبدأ الإصلاح في مصر؟ يبدأ الإصلاح الحقيقى في مصر من أسلوب إدارة البلاد ووجود رؤية سياسية متكاملة مع تغيير البنية المؤسسية بدءًا من طريقة تشكيل الحكومة والإصلاح الهيكلى بمختلف المؤسسات مع إعادة توزيع الموارد وفقًا للأولويات، فضلًا عن ضرورة وجود حوار مجتمعى عام في مناخ من الحرية؛ لأنه لا يمكن معالجة مشكلات الوضع الراهن دون إصلاح الخلل المتراكم عبر عقود بعيدة.