مشاركة المغرب كضيف شرف في "الأسبوع الأخضر" ببرلين أظهرت إلى أي حد يطمح هذا البلد المغاربي في تطوير علاقته مع أوربا. معرض "الأسبوع الأخضر" المتواصل في برلين، كان مناسبة لإبراز آفاق الشراكة المغربية الأوربية. ما لذ وطاب من الفواكه كالتمر واللوز والجوز والرمان والتين والكرز والفرولة والصبار والحمضيات حولت أروقة الجناح المغربي إلى بستان ثمار، ولكن بلا أشجار. وزينت الخضراوات بألوانها المتنوعة الباهية من بندورة وفُلَيْفِلَة ونعناع وغيرها باحات الجناح. لفتت زيوت الزيتون وزيوت الأركان والزيوت العطرية الأنظار، فتحلق حولها الزوار. أما العسل ونباتات العلاج الطبي ومستخلصات الورد الجوري فكان لها عشاقها. حضور المنتجات الزراعية هذه رافقه موسيقى وعروض فلكلورية، وتقديم الشاي بالنعناع والحلويات المغربية للزوار. يريد المغرب من خلال هذه المنتوجات المعروضة وما يرافقها من فعاليات فلكلورية، أن يقول: استحق أن أكون ضيف الشرف لهذا العام، وأنتم بدوركم تستحقون مني كرم الضيافة وحفاوة الاستقبال. يحتفل المعرض بالذكرى التسعين على انطلاقته ويشارك فيه هذا العام عارضون من 68 دولة. ويعتبر المعرض الأهم دوليًا في مجال الزراعة والصناعات الغذائية والبستنة، ويزوره سنويًا نحو 400 ألف زائر. والمغرب هو أول دولة أفريقية تحظي بأن تكون ضيف الشرف بعد أن كان أول دولة أفريقية تشارك بالمعرض في العام 1960. إقبال على المعرض في الجناح المغربي إلتقينا باربارا، زائرة ألمانية، وهي تقول: "الجناح جيد والقائمون على العرض لطفاء ويقدمون المعلومات المفيدة عند السؤال. وهذا الشيء لا نجده في كل الأجنحة". أما صديقتها إليزبيث فيعجبها أن أسعار المعروضات "معقولة". الدكتور ماتيس بنكي، من غرفة الزراعة في ولاية ساكسونيا السفلى، يدلي بدلوه: "الجناح جذاب وتصميمه رائع. ولكن لو تم تضمين الجناح قسم ليزود الزائر ببعض المعلومات السياحية، كان سيكون أفضل". الزوجان يورغ وريناتا وجدا أن "الجو ممتع والجناح مزخرف بشكل رائع". وقد حظيت فعاليات المعرض المغربي ضمن "الأسبوع الأخضر" (15-25 يناير 2016)، باهتمام ورعاية من أعلى المستويات في الدولة، حيث شاركت الأميرة للا مريم شقيقة العاهل المغربي الملك محمد السادس ووزير الفلاحة(الزراعة) والصيد البحري، عزيز أخنوش، بافتتاح الجناح. "في الأعوام السابقة كنا نشارك ب 17 عارض، اليوم نشارك ب 55 عارض يمثلون 286 تعاونية و9700 مُنْتِج" يقول محمد الكروج، مدير "وكالة التنمية الفلاحية"، في تصريح خاص بDWعربية. تضطلع الزراعة بدور إستراتيجي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المغرب؛ حيث تساهم بنحو 16.5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي وتوفر نحو 40 بالمائة من فرص العمل، وتساهم بنحو 11 بالمائة من إجمالي الصادرات. عندما يتحول إعداد طبق الكسكس كنموذج للشراكة وزير التعاون الاقتصادي والتنمية الألماني، الدكتور غيرد مولر، بدوره زار الجناح المغربي وحضر والوزير أخنوش تطبيقا عمليا لكيفية إعداد طبق الكسكس وشاركا قليلا بإعداده ثم تناولا لقيمات منه. عكست هذه المشاركة والاهتمام المستوى العالي للعلاقات الاقتصادية المغربية-الألمانية. تحتل ألمانيا المرتبة السابعة في الميزان التجاري المغربي والاتحاد الأوربي هو الشريك التجاري الأول للمغرب وبفارق كبير عن الشريك الثاني. وقد أثمر التعاون الاقتصادي المشترك في المجال الزراعي عن عشرات المشاريع الكبرى، منها "مركز الاستشارات الزراعية المغربية الألمانية"Cecama. وهو ثمرة جهد بين وزارتي الفلاحة والصيد البحري المغربية والزراعة والتغذية الألمانية. يقوم المركز بتأهيل الموارد البشرية، وتطوير المهارات، وتوفير منصة للمبادرات. ويقول كاك، مدير المشروع ل DWعربية: "الاستثمار في القطاع الزراعي في المغرب مربح، فقد أصبح البلد حديثا ومنفتحا. وأظهر المغرب من خلال مخطط المغرب الأخضر أهمية الزراعة له واعتناءه بها. كان المخطط مدروسا بشكل جيد". أما عن المعوقات والصعوبات فتقول زميلته في المركز، الدكتورة أوتا ياكوب: "هناك القليل من المعوقات؛ فعلى سبيل المثال وعلى الرغم من أن المخطط يدعم الاستثمار في المكننة الحديثة، ولكن هناك قوانين أخرى كالجمارك تعوق ذلك. تمنح الجمارك المعدات والآلات تصريحا بالدخول إلى المغرب بعد فحصها فنيًا. وهذا يستغرق وقتا وجهدا ويشكل بذلك كابحًا للاستثمار. يمكن للمغرب أن يعتمد شهادة الفحص الفني من فرنسا أو إسبانيا أو غيرها ولا يعيد اختراع العجلة من جديد". "مخطط المغرب الأخضر" وتحدي الأسواق الأوربية أطلق المغرب في العام 2008 "مخطط المغرب الأخضر" بهدف "تحقيق استثمارات بحدود 10 مليار دولار بحلول العام 2020 وجعل الزراعة المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي. وذلك برفع الناتج المحلي الإجمالي وخلق فرص عمل وتعزيز الصادرات ومكافحة الفقر" حسب ما أُعلن حينها. ويرتكز المشروع على دعامتين أساسيين: "أولًا، تطوير قطاع زراعي عصري وذي قيمة مضافة، وثانيًا، دعم المزارعين الصغار عن طريق تحسين إنتاجهم وقدراتهم التسويقية". هذه كانت الأهداف المرسومة، وعما تحقق منها على أرض الواقع، فيقول الوزير أخنوش في تصريح خاص ب DWعربية: "تم مضاعفة الاستثمارات منذ انطلاق المشروع. وارتفع حجم الإنتاج الزراعي إلى أكثر من خمسين بالمائة". ماذا عن التكنولوجيا الحديثة؟ يجيب الوزير باقتضاب: "ارتكز المشروع على استخدام التكنولوجيا الحديثة كزيادة عدد الجرارات واستخدام التقنيات الاقتصادية للماء(الري بالتنقيط)". ويفصّل الكروج أكثر وبلغة الأرقام: "زادت نسبة الري الحديث بالتنقيط إلى 380 ألف هكتار وهدفنا الوصول لنصف مليون هكتار حتى العام 2020. وبلغ حجم الاستثمارات منذ ثمانية سنوات ما يفوق 65 مليار درهم(6.3 مليار دولار). وصلنا لمليون هكتار مزروعة بالزيتون آواخر 2014". وردا على سؤال حول نصيب المزارعين الصغار في المناطق الهشة مما تحقق، يقول الكروج: "تغرس الدولة الأشجار ثم تسلمها بعد سنتين للفلاحين الصغار. تم غرس 264 ألف هكتار لصالح الفلاحين الصغار". ويضع المغرب نصب عينيه جذب الاستثمارات وزيادة صادراته الزراعية إلى ألمانيا، وتأتي مشاركته في المعرض في هذا الإطار. وبعبارات مقتضبة تغلب عليها الديبلوماسية ينفي الوزير أخنوش وجود صعوبات لدخول المنتوجات المغربية إلى السوق الأوربية والألمانية: "هناك اتفاقية شراكة بين المغرب والاتحاد الاوربي ولا إشكاليات في دخول منتوجاتنا إلى الأسواق الأوربية". وكانت تقارير إعلامية قد أشارت إلى شكاوى جمعيات منتجين مغاربة من عراقيل تواجهها منتوجاتهم أحيانا بسبب المنافسة مع بلدان جنوب أوربا وبالخصوص إسبانيا، كما انتقدت تنسيقية منظمات مزارعي ومربي المواشي في الأندلس،"دخول الزيوت المغربية إلى الأسواق الإسبانية والأوربية دون أداء الرسوم الجمركية، ونفس المشكل مطروح بالنسبة للطماطم(البندورة) أيضا". هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل