كان المشهد غريبا ومثيرا فى أحد شوارع مدينة كرداسة.. رجل فى العقد السابع من العمر يمسك امرأة شابة ويضع سكينا حادا على رقبتها ويصيح بأعلى صوته: « يا أهل المنطقة.. اشهدوا بأنى غسلت عارى بيدى.. اشهدوا بأننى قتلت ابنتى بعد أن وضعت رأسى فى التراب».. ثم توقف عن الكلام وبسرعة البرق ذبحها غير مهتم بتوسلاتها له.. فى لحظات التف حولهما عشرات الشباب المسلحين وكونوا دائرة لمنع وصول أى شخص اليهما، بينما واصل الأب طعناته لابنته حتى مزقها تماما، ثم نحرها كالخروف وفصل رأسها عن جسدها، وقبل ان يهرب بالرأس وصلت قوات الشرطة وألقت القبض عليه.. المشهد السابق كان هو مشهد النهاية لواحدة من أبشع الجرائم وأكثرها إثارة، وقد سبقته مجموعة من المشاهد ينقلها محقق « فيتو» كما جاءت على لسان شهود العيان فى الموضوع التالى: المشهد الأول: نظرة.. فابتسامة.. فموعد.. ففضيحة قبل أكثر من عشر سنوات.. هجر «عبد النبى» بلدته فى محافظة سوهاج وحضر الى الجيزة، واستقر مع اسرته فى منطقة كرداسة، ومع الوقت افتتح مقهى بلدى وتحسنت اوضاعة المادية.. مرت السنوات سريعة وكبرت ابنته «سمية» وأصبحت شابة على قدر كبير من الأنوثة والجمال.. تقدم لها العديد من الشباب طلبا للزواج منها، ولكن والدها رفضهم جميعا لأن التقاليد الصعيدية تقضى بتزويج البنات من شباب عائلتهن فقط.. أما الفتاة فقد ارتبطت بعلاقة حب مع شاب من أهالى المنطقة بعد أن تلاقت عيونهما وتبادلا ابتسامات تؤكد حب كل منها للآخر واتفقا على الزواج.. تقدم لخطبتها ورفضه والدها بحجة العادات والتقاليد.. استمرت علاقة الشاب وسمية واعتادا الخروج معا والتنزه بعيدا عن العيون، وذات مرة لعب الشيطان بعقليهما وسقطا فى المحظور.. عاد الشاب يطلب الزواج منها لإصلاح غلطته وأصر والدها على الرفض وأعلن خطبتها لابن عمها الذى يقيم بالقرب منهم فى كرداسة وحدد موعد الزفاف المشهد الثانى: كارثة فى ليلة الدخلة قبل خمس سنوات.. علقت الزينة والأنوار على منزل عبد النبى.. فاليوم ستزف ابنته سمية الى ابن عمها.. بعد آذان العصر مباشرة ذهبت العروس مع مجموعة من صديقاتها الى الكوافير لتتزين لعريسها.. لاحظ جميع من حولها علامات الهم والحزن عليها ثم انخرطت فى بكاء حار ادهش صديقاتها والعاملات فى الكوافير.. بعد دقائق طلبت من صاحب المحل ان تخرج لإجراء مكالمة تليفونية، وما ان خرجت حتى أطلقت ساقيها للريح وهربت الى مدينة السلام، وهناك تعرفت على سيدة عجوز وأخبرتها بأنها تائهة فاصطحبتها معها الى منزلها فى مدينة 6 اكتوبر. فى كرداسة.. جلس الأب والشرر يتطاير من عينيه بعد أن فقد الأمل فى عودة العروس.. أطفئت الأنوار وانصرف المعازيم وهم يتهامسون ويتغامزون ويروجون الشائعات عن سمية وسلوكها.. فى اليوم التالى توجه الأب الى قسم الشرطة وحرر بلاغا باختفاء ابنته، ووعد المسئولون ببذل كل جهدهم للعثور عليها.. ووالدها وأشقاؤها وأقاربهم من جهتهم عقدوا العزم على الانتقام منها والثأر لشرفهم المشهد الثالث: الدجالون يكشفون السر قبل شهرين.. عاد الأب الى بلدته فى سوهاج وهناك التقى بمجموعة من الدجالين والمشعوذين وطلب مساعدتهم فى الوصول الى مكان ابنته.. احدهم اخبره بانه جند عفريتا للبحث عنها واخبره بانها لم تبتعد كثيرا عن مقر إقامته فى الجيزة وربما تعيش فى مدينة 6 اكتوبر، واكد له انها هربت خوفا من افتضاح امرها بعد ان حملت من أحد الشباب.. عاد مسرعا وواصل بحثه عنها إلى أن تقابل مع سائق تاكسى وسأله عن فتاة ووصف له ابنته، فأخبره السائق بوجود فتاة تنطبق عليها كل المواصفات تعمل بائعة شاى على « نصبة» صغيرة فى ميدان ليلة القدر بمدينة 6 اكتوبر.. لم يضع الرجل وقتا وانطلق الى المكان الذى حدده له السائق.. وهناك شاهد ابنته سمية وقد تغيرت ملامحها قليلا.. اقترب منها وعرفته.. خافت منه وحاولت الهروب ولكنه طمأنها واكد لها أنه نسى موضوع هروبها وجاء ليعيدها الى منزلها.. أشارت الى طفل عمره نحو خمس سنوات وقالت: «هو ابنى من الشاب الذى تقدم لخطبتى ورفضته انت».. كظم الأب غيظه واقنعها بالعودة معه وترك الصغير مع السيدة العجوز لفترة حتى لا يفتضح أمرها فى المنطقة. المشهد الرابع: اجتماع كتيبة الإعدام قبل أيام قليلة.. عقد الأب عبد النبى اجتماعا مغلقا مع أبنائه وأبناء شقيقه واتفقوا جميعا على وضع حد لكلام الناس واستهزائهم بهم ومعايرتهم بسوء سلوك «سمية»، وفى نهاية الاجتماع أصدروا حكما بإعدامها ذبحا نهارا جهارا وأمام الجميع فى الشارع.. فى الموعد المحدد حمل الأبناء وأبناء عمومتهم الأسلحة النارية والبيضاء وانتشروا فى الشارع.. بعد لحظات خرج الأب ممسكا بابنته وواضعا السكين على رقبتها ونحرها كالخراف، وفصل رأسها ووضعها فى قطعة قماش بيضاء تمهيدا لتقديمها لكبير العائلة فى سوهاج لتأكيد أنه غسل عاره بيده، بينما منع المسلحون اقتراب أى شخص منه.. دقائق معدودة ووصل رجال المباحث وألقوا القبض عليه، وأثناء ركوبه «البوكس» ضحك بشكل هستيرى وطلب من الجميع إطلاق الزغاريد وتهنئته على ما فعل. المشهد الخامس: اعترافات.. وعتاب.. وتوعد داخل مكتب المقدم ضياء رفعت رئيس مباحث كرداسة.. جلس الأب القاتل متماسكا واعترف بتفاصيل جريمته قائلا: « الآن فقط ارتاح قلبى.. الآن فقط استرددت رجولتى وكرامتى.. الآن فقط يستطيع أبنائى رفع رءوسهم بين الجيران.. قتلت «الخاطئة» وغسلت عارى بدمائها».. ثم تغيرت نبرة صوته ووجه حديثه محتدا للضابط: « أين كنتم طوال خمس سنوات؟ فشلتم فى العثور على ابنتى وتوصلت إليها انا عن طريق الدجالين.. انتم السبب فى هذه الجريمة، فلو عادت منذ هروبها ربما تمكنا من إخفاء الفضيحة.. أنا لست نادما على جريمتى، واليوم هو يوم عيد وفرح وسعادة، ولكن فرحتى لن تكتمل إلا بقتل الشاب الذى غرر بها ووضع رأسى فى التراب ومازلت مصرا على الانتقام منه».. بعد ان انهى المتهم اعترافاته أحاله رئيس المباحث الى النيابة العامة لتواصل التحقيقات معه، ومن جانبها أمرت بحبسه على ذمة القضية.