الدين لله والوطن للجميع, وليذهب مشعلو الفتنة الطائفية والحرائق إلى الجحيم.. فهذه قصة واقعية لتعايش المسلمين والمسيحيين فى صعيد مصر, اسمها العم كراس جرجس الذى يعد بحق نموذجا ومثالا حيا لوحدة وتلاحم نسيج المصريين.. «يارب المساجد بيوتك والكنائس بيوتك, يارب رد على ابنى» كلمات مقتضبة ومعبرة خرجت من أعماق قلب العم كراس، وهو رافع يديه إلى السماء فى أحد مساجد نجع حمادى, ليقابلها دعاء وصلوات جيرانه المسلمين المتواجدين بالمسجد يشاطرونه مصيبته ويقولون فى صوت واحد: « يا رب يا مالك الملك رد لعبدك وخادمك كراس ابنه». بعضكم يتساءل عن سر وجود «كراس» بالمسجد, الإجابة لمن لا يعرف: أن «كراس جرجس ميخائيل»، ذا الاثنين والستين عاما يعد من أمهر النجارين بمحافظة قنا فى صناعة المنابر, ووجوده بالمسجد كان بهدف تركيب أول منبر للمسجد. ومن أجل عودة ابنه نذر «كراس» التنازل عن ثلث أجره فى صناعة أى منبر لو رد الله ابنه سالما، وهو ما حدث بعد يومين من دعائه بالمسجد وعاد ابنه سالما. 28 عاما ينقش الهلال بيده التى نقش عليها الصليب, هذه علاقة العم كراس بالمهنة وعلاقته بإخوانه من المسلمين, فصناعة المنابر التى يحترفها كراس جاءت بعد إلحاح شديد من أصدقائه المسلمين للقيام بهذه المهمة بسبب الثقة فى أدائه, ونظرا للحب الذى يجمعه بهؤلاء الأصدقاء أبى أن يرفض لهم طلبا, فقام بالمرور على المساجد ليشاهد على الطبيعة المنابر وجميل صنعها. مسجد سيدى عبد الرحيم القنائى أكبر وأشهر مساجد قنا يدحر كيد المعتدين والمتربصين بالوحدة الوطنية ويشهد بأن كراس جرجس هو من صنع منبره وهو تحفة فنية مدهشة. «العلاقة بين جناحى الأمة أقوى بكثير مما يقال, وأنا بحب أهل نجع حمادى مسلميه ومسيحييه», كلمات عميقة وبسيطة قالها العم كراس ل«فيتو» مؤكداً أن الجميع هنا فى قنا يعيشون أخوة متحابين على الفطرة التى فطر الله الناس عليها. عن احترافه لصناعة منابر المسجد يقول العم كراس: المنابر صناعة صعبة وتحتاج إلى حرفية شديدة, لأنها ترتبط بالشغل اليدوى وتحتاج إلى شخص يعشق الجمال ويتذوقه ولديه مقدرة على التخيل. كراس أكد أن صناعة المنبر تحتاج إلى عمل متواصل لمدة تتراوح بين أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، وبعدها يتم استخدام الدهانات المناسبة ثم يتم نصب المنبر فى المسجد مشيرا إلى أنه يقوم بنفسه بموازة المنبر فى اتجاه القبلة مستخدما فى ذلك تعشيقات الأرابيسك وبعض الحليات وفورم الأبنوس والصدف المختلف الذى يجلبه خصيصا من البحر الأحمر ومن نهر النيل لإعطاء ألوان الطيف وجمالا للمنبر. وعن تكوين المنبر يقول كراس جرجس: المنبر يتكون من جسم وهو عبارة عن الباب والدرابزين ثم الرميثة والروضة وقبة المنبر والهلال موضحا بأن يستخدم فى عمل هذا منشارا وأزاميلا. . الملفت أن ورشة العم كراس المتفرعة من شارع توفيق الحكيم بمدينة نجع حمادي صارت قبلة للمسلمين الذين يولون وجوههم شطرها مع بناء مسجد جديد أو لتجديد منبر مسجد قديم، وتبقى ورشته شاهدا حيا على وحدة المصريين وتماسكهم، وتبقى كلمته الحكيمة: «المساجد والكنائس بيوت الله يا إخوانا، ووطننا مصر أكبر من كل من يريدون بها سوءا» صفعة على وجوه صانعى الفتن.