يمكن القول –دون أدنى مبالغة- إن النظام القضائى المصرى من أرفع النظم القضائية في العالم، والواقع أنه بعد إلغاء المحاكم المختلطة تمت عملية تمصير القضاء المصرى تمصيرًا كاملًا. والنظام القضائى المصرى متدرج الدرجات، فهناك محاكم ابتدائية ومحاكم استثنائية وفى القضايا الجنائية هناك محاكم جنايات، وفق هذا الهرم القضائى المتدرج هناك محكمة النقض، والتي هي الحكم النهائى الذي لا معقب عليه في مجال نقض الأحكام وتطبيق صحيح القانون. وقد شغل منصب رئيس محكمة النقض عبر تاريخها قضاة أفذاذ كانوا فقهاء في القانون، والدليل على ذلك أن بعض الأحكام القضائية التي أصدرتها محكمة النقض كانت أساسًا لتعديل القوانين والتشريعات، وأصبحت مصادر أساسية لاستلهام مبادئ الفقه الصحيحة، واستفاد منها كل أساتذة القانون في كل فروعه. ولا أنسى أثناء دراستى القانون الجنائى في الدراسات العليا بحقوق القاهرة وكان أستاذى هو الفقيه المعروف الدكتور «محمود مصطفى» عميد الفقهاء الجنائيين العرب والذي تتلمذ على يده العشرات من دارسى الدكتوراه، أنه كان يعتز اعتزازًا شديدًا بأحكام محكمة النقض وكان يتحدث بفخر في محاضراته ويقول «حكمت محكمتنا العليا» توقيرًا لها ولقضاتها المتميزين. وقد استكمل النظام القضائى المصرى حلقاته بإنشاء مجلس الدولة عام 1948 والذي رأسه الفقيه العالمى الدكتور «عبد الرزاق السنهورى» الذي وضع مدونة القانون المدنى، وشارك في وضع عديد من دساتير البلاد العربية. وبإنشاء المحكمة الدستورية العليا أصبح النظام القانونى المصرى نموذجًا رفيعًا في مجال تنظيم أحكام المحاكم، وكان للمستشار الجليل «عوض المر» الفضل في إرساء منهج عمل هذه المحكمة التي أصبح لها دور حاسم في تصحيح مسار تطبيق القوانين والعدوان على الشرعية. ولذلك نندهش بشدة أن يعلن كاتب معروف «إخوانى الهوى» على أحكام محكمة النقض الأخيرة والتي نقضت بعض أحكام الإعدام التي صدرت ضد بعض القتلة والإرهابيين تحت عنوان «إعادة الاعتبار للقضاء». ونقول له في مواجهة هذا العنوان المسموم إنه ليست هناك عملية إعادة اعتبار؛ لأن أحكام النقض كانت دائمًا عنوان الحقيقة والفيصل في تطبيق صحيح القانون.