ذات صباح، استيقظ المصريون على خبر مفجع، فقد اختفى «البنكليون» من عموم أسواق مصر، ولم يعد للناس حديث إلا عن تلك الظاهرة المخيفة فكيف يعيشون بعد اليوم دونه، خاصة وأن حرارة الجو تكفى لشى خروف بينما البلاد كالصحراء الجرداء التى لا ماء فيها ولا كهرباء! فى غضون ساعات من انتشار الخبر بين العامة، سارعت رئاسة الجمهورية بإصدار بيان يتعهد فيه الرئيس بإعادة «البنكليون» قبل مرور مائة يوم، مؤكدا أن أياد خفية تدير المكائد وتسعى لإفشال الرئيس فى مهمته حتى يظهر بشكل غير جيد أمام مواطنيه ليثوروا عليه ويسقطونه كما اسقطوا الذين من قبله. وسريعا عقدت الحكومة أول اجتماع لها بعد حلف اليمين لبحث الأمر، فقال وزير الداخلية شحتة عبد القوى أن البلطجية والخارجين على القانون هم من تسبب فى اختفاء «البنكليون» لحساب أباطرة معروفين بالاسم يسعون لزعزعة استقرار البلاد وإشاعة الفوضى، متوعدا بضرب هؤلاء المجرمين فى جحورهم حتى تتخلص البلاد من شرورهم. أما وزيرة التجارة الخارجية سميحة سامح فوعدت باستيراد أطنان من «البنكليون» فور اعتماد رئيس الوزراء للطلب الذي تقدمت به متعهدة بإنجاز المهمة على وجه السرعة. وهنا قفز وزير التموين رجب البقال، مكذبا الخبر، فقال إن مخازن الوزارة مكتظة بالبنكليون، وأن الأمر ليس سوى شائعة تستهدف رفع سعر «البنكليون» وذلك لصالح فئة بيعنها، وهى هؤلاء الذين يحتكرون تجارة «البنكليون» خاصة وأن رمضان والعيد هما موسم تلك التجارة التى تدر دخلا بعشرات الملايين من الجنيهات. لم يقف عبده العايق وزير الخارجية مكتوف الأيدى، فوقف بين المجتمعين ليعلن انه أجرى اتصالا بوزير خارجية الصين، بصفتها الدولة الأعلى إنتاجا للبنكليون، وأن الوزير الصينى وعده بتوفير الكميات التى تطلبها مصر وبأقل من سعر الجملة، وذلك إكراما للإخوة والعيش والملح. وزير الإعلام محسن الجميل من جانبه،عاب على الصحف الخاصة والقنوات الفضائية غير التابعة للدولة، وقال إن هؤلاء الذين يمثلون الصحافة الصفراء هم من أشعل فتيل الأزمة, وذلك من أجل زيادة توزيع جرائدهم ومجلاتهم فى موسم كساد مطبوعاتهم، مطالبا بإغلاق تلك الصحف والفضائيات لتكون عبرة لمن تسول له نفسه أن ينشر خبرا كاذبا. هنا تدخل وزير الصحة شديد العترة قائلا بأن فحص «البنكليون» المستورد ضرورى وذلك بالتعاون مع المراكز البحثية والجهات المختصة، مؤكدا أن «البنكليون» المضروب قد يتسبب فى إصابة من يتعاطاه بالفشل الكلوى والزائدة الدودية. وحين سئل وزير الزراعة محمد أبو سويلم عن السبب فى عدم زراعة «البنكليون» فى مصر، قال إن هناك تجارب أجريت فى غير منطقة فاكتشفوا أن «البنكليون» يحتاج لدرجة حرارة منخفضة لا تتعدى الواحد تحت الصفر وهو السبب الذى يصعب من المهمة، مضيفا بأن زراعة «البنكليون» فى الصوب قد تنجح لكنها ستكون ذات تكلفة عالية للغاية. وفى المقابل صرح وزير الصناعة أبو الحديد النحاس بأن مصانع العاشر من رمضان نجحت فى إنتاج أول «بنكليون» مصرى خالص ويجرى الآن العمل على تطبيق التجربة فى مصانع مدينة السادس من أكتوبر ومدينة السادات. وفى ضيق، تحدث السيد شلاطة وزير السياحة وأبدى انزعاجه من اختفاء «البنكليون» وهو الأمر الذى بدأ ينعكس على السياحة فالأجانب لا يستطيعون العيش بدونه بل إنهم قد يفكرون فى عدم العودة إلى مصر بسبب نقصه، فقد أعلنت كل من شرم الشيخ والغردقة والساحل الشمالى عدم وجود أى «بنكليون» فى المحال والصيدليات والأسواق بشكل عام. الأوقاف من جانبها وعبر وزيرها فضيلة الشيخ مخلوف خلفاوى عبرت عن استيائها من إفراط المصريين فى استهلاك «البنكليون»، وأمر الوزير خطباء وأئمة المساجد بضرورة أن تكون خطبة الجمعة المقبلة عن حرمة الإسراف فى استخدام البنكليون أو تخزين كميات كبيرة منه، ومطالبة الأهالى بإخراج زكاة هذا العام فى شكل بنكليون مجفف وتوزيعه على الأسر المحتاجة. وكذا فعلت دار الإفتاء ومشيخة الأزهر فاصدرا بيانا مشتركا يقول إن البنكليون فى نهار رمضان يفطر وان الإفراط فى تناوله ليلا لا يجوز ومكروه كراهة التحريم. فى غضون ذلك، عقد مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين اجتماعا طارئا، أكد فيه فضيلة المرشد أن أجهزة الدولة تعمل على ضرب حكم الإخوان فى مقتل بإخفاء «البنكليون» وطالب مسئولى الجماعة فى عموم مصر بضرورة الخروج فى حملة قومية تحت عنون « وطن بنكليون» من أجل مساعدة الرئيس فى استعادة «المخفى» حتى يهدأ الرأى العام. فضيلة المرشد العام صرح بأن الثورة المضادة هى من تقف وراء اختفاء «البنكليون»، وطالب نائبه الأول بالدعاء على فلول الحزب الوطنى حتى يعود البنكليون إلى مصر. أما حزب النور فأصدر بيانا يستنكر فيه عبر بكار متحدثه الإعلامى عن استيائه من اختفاء «البنكليون» مرجحا أن يكون التيار الليبرالى هو السبب فى ذلك. بينما أصدر الشيخ عبد المعبود حنضل فتوى تكفر من يحتفظ بأكثر من «بنكليون» فى منزله، وكذا تكفر كل من يشترى «بنكليون» من بائع ديمقراطى أو علمانى. طبعا التيار الليبرالى لم يعجبه الأمر، فرد ببيان شديد اللهجة حذر فيه القوى الثورية من الانسياق وراء الإخوان والسلفيين مؤكدا أن جماعات الإسلام السياسى هى السبب فى اختفاء «البنكليون». الناصريون والاشتراكيون طالبوا بالاستغناء عن «البنكليون» من أساسه واستبداله بأى منتج محلى حتى لا تضع مصر صباعها تحت ضرس القوى الاستعمارية الإمبريالية التوسعية. حركة 6 ابريل قالت فى مؤتمر صحفى إن «البنكليون» اختفى بفعل فاعل وان رجال مبارك مازالوا يتحكمون فى مجريات الأمور، ومؤكد أنهم هم السبب ودعت لمليونية «البنكليون» يوم الجمعة المقبل. جماعات الألتراس عبر صفحاتها على الفيس بوك قالت إن اتحاد الكرة هو من يخفى «البنكليون» بغرض التأثير على مجريات محاكمة مذبحة بورسعيد. حركة إحنا آسفين يا ريس تجمعت بميدان سفنكس ورفعت أعلاما ولافتات تؤكد أن اختفاء البنكليون يؤكد براءة الرئيس المخلوع ونجليه وان الأمر مجرد مؤامرة الهدف منها تشويه صورة النظام السابق. وفى المساء، عقد المجلس العسكرى اجتماعا عاجلا لبحث الأوضاع، وأكد بعده أن هناك طرفا ثالثا يقف وراء الأمر، مشيرا إلى احتمال ضلوع جهات خارجية فيه. أما الخارجية الأمريكية فألمحت إلى أن اختفاء «البنكليون» شأن مصرى داخلى لا يمكن لأى جهة أجنبية التدخل فيه، ومع ذلك أبدت واشنطن قلقها حيال الأمر وطالبت بالسماح للجنة تقصى حقائق من الكونجرس بأن تزور القاهرة للوقوف على حقيقة الأمر. وأخيرا، تجمع كل المذكورين أعلاه ليسألوا سؤالا واحدا وهو: «يعنى إيه «بنكليون» أصلا؟!»