منذ أن وحد الملك مينا مصر فى كيان واحد، بعد أن كانت مصريين شمالاً وجنوباً، وأسس الأسرة الحاكمة الأولى، كأول نظام مسيطر، لم يحكمها أحد إلا إذا انتمى لكيانٍ جمعى فاعل وقادر، سواء انتسب لأسرة ملكية، أو جماعة عسكرية، أو إثنية، أو عقائدية، أو كان محتلاً خارجياً، وكل مجموعة حاكمة لا تتنازل عن حكمها طواعية، فحكم مصر يغرى الجالس على عرشه فلا يتركه إلا بالقهر، أو انتهاء الأجل، فلا ينتهى حكم طائفة إلا إذا انتزعته طائفة أخرى منها بالجبر والقوة، وهذا يفسر عجز أى فرد فيها لا يملك إلا كفاءته، ونقاءه، وإخلاصه لبلده، أن تتوفر له فرصة حكم بلده، إلا إذا دعمته من خلفه جماعة، أو فئة تستطيع أن تنحى الكيان القائم، وتقيم نظامها وتنصب رجلها، فحكم مصر يستند إلى قوة مجموع وليس لذات فرد. فى عصر الأسر المصرية القديمة، لم ينته حكم أسرة إلا على يد أسرة تالية، تعمل على محو ذكر سابقتها، وتطمس آثارها، ولم ينه حكم الأسر المتعاقبة إلا الاحتلال الإغريقى، الذى سلم الحكم للاحتلال الرومانى، فلما جاء العرب المسلمون أنهوا الحكم الرومانى، حيث تعاقب بعد ذلك حكم الأمويين، فالعباسيين، ثم جاء الطولونيون، فالإخشيديون، فالفاطميون، فالأيوبيون، ثم المماليك حتى ظهر الغزو العثمانى، حيث حُكمت مصر من الباب العالى بالأستانة، ثم كانت الحملة الفرنسية، وبعدها أجاز الباب العالى محمد على لحكم مصر، فلم يخل له المقام حتى تخلص من المماليك المناوئين فى مذبحة القلعة، ورأينا الاحتلال الانجليزى يبقى على الأسرة العلوية الحاكمة، حتى انقلبت عليها جماعة العسكر عام 52 وأسسوا دولتهم، التى انتفض المصريون بعدها على آخر رموزها بعد ست عقود، حيث كانت جماعة الإخوان المسلمون ترتب أوراقها انتظاراً لتلك اللحظة الموعودة، فاستطاعت أخيراً أن تقصى الجميع وتجلس على عرش مصر. وأخفق المعارضون الفرادى فى التغلب على سطوة الجماعة، لأنهم فشلوا ابتداءً فى تأسيس، وإقامة الهيكل الجمعى الواحد الذى يستطيع المجابهة، والمغالبة مع الكيان القائم، فهل يستطيعون ذلك؟ أو فلينتظروا عقوداً أخرى، مراهنين على سقوط النظام الحاكم من داخله، كما سقط سلفه.