من عاش أجواء الجمعة الماضية، سيدرك أن «جمعة لم الشمل» إنما هي جمعة محاولة الإخوان إدراك الأمر فقد عادوا إلى الميدان، بعد أن خسروا التأسيسية، وخرج الشاطر من سباق الرئاسة ووجدوا أنفسهم بلا حائط يستندون إليه فلجأوا إلى «عباطة» تسكن الليبراليين، و«عته» يرسم ملامح التيارات الثورية، فقالوا بما قال به أحد زعمائهم «الاعتذار» . والطريف أن تيارات.. وقيادات.. من أمثال عمرو حمزاوى حاولوا أن يفتحوا بابا للخديعة أمام الجماعة، عندما تحدثوا عن اعتذار واجب على الجماعة، وهو الأمر الذى سيجعل الجماعة تقول » قالوا للحرامي احلف قال جالك الفرج» !! ومن شاهد هذا التناقض بين صفوف الإخوان، سيدرك أننا أمام جماعة ليس لها كبير، فهذا يتحدث عن دور العسكر في اختيار وزير الدفاع في اى حكومة قادمة، وآخر يخطب في الناس «يسقط يسقط حكم العسكر»، على أن اغرب ما قيل هو ما قاله عضو شوري الجماعة سعد عمارة «علي الجميع أن يدرك درس سوريا» مشيرا إلي أن الشعب المصري لم يقدم التضحيات الكفيلة بأن ينعم بالحرية،وهو بذلك إنما يريد القول إننا «أي هم » - الجماعة يعني - ستقدم شهداء على غرار النموذج السوري، وحتى يعرف عمارة ما يحدث بالضبط في سوريا، عليه ان يقرأ الخبر التالي: قال نوفال الدواليبي المعارض السوري الشهير، فى حوار له مع إذاعة "صوت إسرائيل الآن.. إن المعارضة السورية تنتظر سقوط الأسد بفارغ الصبر، من أجل تحسين أوضاع الشعب المقهور بالإضافة إلى البدء في علاقات "طبيعية" مع مختلف الأطراف الإقليمية أو الدولية بالمنطقة والعالم وعلى رأسها إسرائيل. وطالب الدواليبي إسرائيل بالعمل جديا من أجل الضغط على المجتمع الدولي، لإقرار عقوبات أكثر غلاظة وقوة على نظام الرئيس الأسد ، مشيرا إلى أن العقوبات الأخيرة التي فرضها المجتمع الدولي على دمشق غير كافية، ولا يوجد لها أي مردود ، مشيرا إلى أن الدعم الروسي أو الصيني ل"الأسد" يقوض أي عقوبات يتم فرضها عليه. وزعم الدواليبي أن سقوط الأسد سيكون هو بداية التغيير في المنطقة ، مشيرا إلى أن الرئيس السوري هو الرئيس الأشرس والأكثر حبا للكرسي من بين زعماء المنطقة ، مطالبا من جديد وفي نهاية حواره الذي أجراه معه محرر الشئون العربية بالإذاعة الإسرائيلية "عيرن زينجر" إسرائيل بضرورة التعاون مع مختلف الهيئات أو المؤسسات أو الدول لإسقاط نظام الأسد. هذا ما نشرته بوابة الأهرام فهل سيادتكم تريدون أن نكون مثل النموذج السورى؟! .. عملاء، وخونة، نعمل مع إسرائيل لنسقط رئيسا.. أو نظاما.. إن كان كذلك فأرجوكم » متعملوش حسابنا »، وجاهدوا انتم ورفاقكم من أجل تقديم شهداء للعمل مع إسرائيل ورغم إيماننا المطلق بحق الشعب السورى فى تقرير مصيره فإننا يجب ألا نقف مكتوفى الأيدى أمام أمثال الدواليبى، فما حدث فى ليبيا ينبغي ألا يتكرر، ويكفي أن نري ثلث الشعب الليبي ضحايا أول ثمار الحرية القادمة على ظهور الدبابات القطرية، وصواريخ الناتو، ويكفي أننا لم نحقق بعد في الجريمة النكراء التي تعرض لها شعب ليبيا، ومن بعده نطالع تصريحات معارض سورى بهذه الصفاقة. وعندما تكون العمالة هى بديل الديكتاتورية، فعلى قيادات الإخوان أن يختاروا ما يتوافق مع تاريخهم، ونحن على يقين أنهم لن يختلفوا كثيرا عن الدواليبى، وأمثاله فالاخوان انقضوا على السلطة التى صرخت فيهم بما قاله أبو علقمة النحوى الشهير عندما سقط علي الأرض، والتف الناس من حوله ليفيقوه ، وعندما أفاق قال: «مالكم تكأكأتم على كما تكأكأتم على رجل ذي جنة افرنقعوا عنى » والمعني لماذا اجتمعتم على وكأني مجنون .. أعزاؤنا الإخوان افرنقعوا عن السلطة . الود الموصول بين الإخوان وكل صاحب صولجان عندما قال الدكتور زكريا عزمى رئيس ديوان رئيس الجمهورية المتنحى « الفساد للركب » ،ظلت هذه التيمة شهادة حق كنا نستعملها في سطورنا، باعتبارها جاءت تحت شعار و«شهد شاهد من أهلها»، وكان زكريا عزمى يقوم بدور المعارضة داخل البرلمان،على اعتبار أن المعارضة كانت مصابة بداء الوسواس القهرى إلا فيما ندر من قيادات لايمكن للتاريخ أن ينساهم من أمثال الشيخ صلاح أبو إسماعيل، وممتاز نصار، وعلوى حافظ، وغيرهم كثيرون. لا نذكر من المعارضين واحدا من الإخوان، فالدكتور زكريا نفسه كان اكثر معارضة منهم أو بالأحري كان يقوم بدور المعارض الشرس! عوضا عن خنوع المعارضة، وإمعانا من النظام فى تقديم بديل حتى للمعارضة التي استطاع أن يستأصل شأفتها، بالانشقاقات حينا، وبأوراق الضعف أحيانا، وبالحاجة والعوز مرات عديدة . الجماعة كانت دوما فى مرمى الجهاز الأمنى، ولكنها للأمانة كانت مخلصة لنظام مبارك، منذ تربع الرئيس المخلوع على عرش البلاد، وحتي قبيل التنحي بأيام قليلة عندما جلسوا مع عمر سليمان . والتواصل بين الجماعة ونظام مبارك لم ينقطع، فكلاهما كان ضروريا للآخر .. النظام ضرورى بمطارداته لقيادات الجماعة للحفاظ على بقاء نموذج الولاء والطاعة العمياء، ويتردد أن أحد أهم قادتهم على الساحة الآن كان ضابط الاتصال بمباحث امن الدولة،لدرجة ان ضابطا كبيرا اتصل بقيادة إخوانية قائلا:«نرجوكم كفاية معلومات » وذلك بالطبع لأن معظم أعضاء الجماعة كانوا مرشدين للأمن . وفكرة الود الموصول واحدة من مبادئ الجماعة فقد كانوا على وصال بالملك فاروق، وبالضباط الأحرار في ذات الوقت وظلوا على ود موصول بعبد الناصر ومع الانجليز في ذات اللحظة ومع السادات وافرزوا له تيارات العنف -جهاد وجماعة إسلامية وشوقيين وتكفير وهجرة - وبعد مقتل السادات، حافظوا على الود الخالد مع مبارك ولا نظن أنهم قطعوه حتي تاريخه فربما يعود مبارك أو ابنه الذى اتفقوا حول تمرير صفقة توريثه. وإذا كان معاوية بن ابى سفيان يقول " إنّي لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، كانوا إذا مدّوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها» فإن الإخوان عادة ما يضعون السيف عندما يصلح السوط، واللسان عندما ينفع السوط، وعادة ما يرخون الشعرة مع السلطة وعندما يشدونها فإنها تعني بالنسبة لهم «الكفاح المسلح» الذي عبر عنه المناضل الكبير خيرت الشاطر. اللى اختشوا عاشوا كان المشهد المهيب يوحي أن شيئا ما.. غير عادى ستدور أحداثه بمسجد أسد بن الفرات بالدقى ، مئات الآلاف من الشباب والشيوخ ، منتقبات سيطرن على الأرصفة المجاورة للمسجد ، أطفال يرتدون الجلابيب البيضاء بصحبة ذويهن ، بحر من العمائم السلفية الشهيرة هي ما تستطيع أن تراه علي «مدد الشوف». كلما سألت واحدا منهم لا يرد علىّ .. تنبهت أخيرا إلى أني بلا لحية .. شعرت بغربة على المكان، فكأني بميدان داخل الأراضى الحجازية ، لم يكن المشهد يشبه مكة التي تزخر بألوان من البشر جاءوها من كل مكان ، الحاضرون هنا مصريون بأزياء سعودية، أو باكستانية، وربما خليط من الهندى على المصرى .. لاشيء يوحي بمصرية الوجوه ولا هنديتها . لم يكن ما يشدني هو هذا الكم من الأجانب بقدر إحساسى أن شيئا ما يدبر أو أن شيئا ما يحدث غريب وعجيب. حاولت أن أجد لنفسى مكانا .. ذهبت مع الذاهبين .. بين طابورين وجدت نفسى اتحرك، كيفما يتحركون، لاحول لى ولا قوة، حتي وجدتني داخل المسجد أردد أيضا ما يرددون :«حازمون حازمون .. الله أكبر ولله الحمد» وهتافات أخري لم أتبينها ولكني كنت أقول ما يقولون . فترات.. وساد صمت رهيب .. هاهو الشيخ ابن الشيخ، جاء من مكان خفى .. اعتلى المنبر، وحمد الله وأثنى عليه، وقال: « أعرف أن ما سأقوله اليوم قد لا يرضيكم ولكني للأمانة أذكر لكم ما لا تعرفونه .. أنا حازم ابن الشيخ صلاح أبو إسماعيل أمي مصرية مائة فى المائة كما قلت لكم من قبل، ولكنها تجنست بالأمريكية، وكنت اعرف ذلك، وأنا بينكم الآن امتلك شجاعة الاعتذار «.. لم يكمل الرجل ما كان يود قوله، وخرجت الهتافات:» الله أكبر ولله الحمد .. حازمون حازمون ..» إن الرجل عذبوه حتي يتراجع، ولكننا لن نتراجع .. سنقف وراءه مهما كانت جنسية أمه، وقبل أن أتبين ماذا حدث أيقظتنى زوجتى متساءلة: هل أصبحت من أتباع أبو إسماعيل وقالت: لماذا تهتف طوال الليل «حازمون حازمون» .. استيقظت .. استغفرت .. أمسكت بيدي كتابا أضعه دوما بجواري «الأمثال الشعبية». قرأت قصة المثل الشعبى «اللى اختشوا ماتوا» وللذى لايعرف لماذا نقول اللى إختشوا ماتوا عليه أن يراجع جزءا من حياء مرضى تاريخى عاش فوق أرضنا أدى إلى أن يعيش هذا المثل حيث يقال إن الحمامات البلدية قديما كانت تستخدم الفحم والأخشاب والحطب في تسخين المياه¡ وكانت هناك أوقات للنساء، وأخرى للرجال، ويقال أيضا إنهم استخدموا حمامات للنساء وأخري للرجال . وذات يوم شب حريق هائل في أحد الحمامات وأمام النيران الشديدة، هرب بعض السيدات ولم يهتممن بحال كونهن عرايا بلا شيء يسترهن بينما فضلت أخريات الموت عن الهرب عرايا، وعندما سئل الحارس: هل مات أحد فرد قائلا «اللى اختشوا ماتوا» .. أدركت ساعتها أننا يجب أن نراجع أصل هذا المثل!!