سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«جيش مصر» من هنا كانت البداية.. محمد على واجه تمرد "البشبوزق" وهروب المماليك بأول قوات نظامية.. مذبحة القلعة الخطوة الأولى لبناء الجيش ومنع الألبان من الانضمام خوفا من الخيانة
من بين كل الإنجازات التي حققها والي مصر محمد على باشا في مختلف مناحي الدولة الحديثة التي أسسها يبقى الإنجاز الأكبر له تأسيس "الجيش المصري" النظامي، حيث كان ذلك إنهاءً لفترة طويلة من سيطرة المرتزقة تحت مسميات مختلفة. وكانت القوات العسكرية قبل محمد على في مصر مؤلفة من عناصر تميل بطبيعتها إلى الشغب والفوضى، فمعظمها من الأكراد والألبان والشراكسة الذين تطلق عليهم لفظة (بشبوزق) أي الجنود غير النظاميين، ولم يكن لمثل تلك المجموعة المختلطة من الأجناس الغربية عن مصر الشعور القومى الذي يشعر به أبناء البلاد، وكان تنظيم هذه القوات خاضعا للانقلابات السياسية التي أملتها الثورات في الولايات العثمانية والمعارك والاختلافات التي ألفتها حياة المماليك أثناء القرن الثامن عشر. وتضاف إلى تلك القوات جماعات من الأعراب الذين كانوا يهددون الأمن في بعض الأقاليم، ولم تكن هذه القوات في مجموعها خاضعة لنظام عام أو تدريب ثابت منسق، وإنما كانت أعمالها عبارة عن حرب عصابات وكر وفر. أسباب بناء أول جيش نظامى وهناك أسباب كثيرة دفعت محمد على لاتخاذ مثل هذا القرار، ولكن لفهمها لا بد للعودة إلى ما قبل تولي محمد على باشا للحكم، حيث سيطرت القوات الفرنسية على مصر لمدة 3 سنوات، هربت فيها قوات المماليك المحاربة تاركة الشعب يواجه الفرنسيين وحده، حيث هرب مراد بك وهو أحد قيادات المماليك إلى الصعيد، إلى أن دفعت الدولة العثمانية بفرقة عسكرية من الجيش العثماني لإخراج القوات الفرنسية من مصر التي رأت في ذلك فرصة لاستعادة حكم مصر الذي استقر في أيدي المماليك منذ على بك الكبير، ولمدة 5 سنوات عقب خروج الفرنسيين من مصر سادت الفوضى والنهب بين المتنازعين على السلطة والولاة، وبدا جليًا في تلك الفترة أن عدم وجود جيش نظامي وترك السلطة بين فرق المماليك والبشبوزق لن يؤدي إلى دولة مستقرة، وأعقب ذلك ما قامت به الزعامات الشعبية المختلفة من تولية محمد على للسلطة ليبقى في ذهنه أن استقرار دولته لن يكون إلا بتوحيد القوى وتركيزها في يده من خلال جيش قوي. حملة فريزر وجاءت حملة فريرز لتثبت له أهمية وجود جيش نظامي لمصر، فالحملة التي أرادت خلعه عام 1807 وتولية محمد بك الألفي أحد زعامات المماليك انهزمت بسبب مقاومة الأهالي بالإضافة إلى موت محمد الألفي قبل وصولها شواطئ الإسكندرية ب 4 شهور مما جعل الحملة تفقد أي مساندة لهم من داخل مصر. بدأ محمد على خطته لتكوين الجيش على مرحلتين الأولى كانت التخلص من القوى المحاربة في ذلك التوقيت وكان ذلك بالتخلص من المماليك في مذبحة القلعة، حيث استغل حربًا أخرى بعد طلب السلطان العثماني منه التوجه إلى الجزيرة العربية لمواجهة أخطار الحركة الوهابية فأقام مأدبة دعى لها كل المماليك وتخلص منهم بقتلهم في مارس 1811. حرب الوهابيين وفي حرب محمد على ضد الوهابية التي كانت بقيادة ابنه طوسون سبب آخر في رغبة محمد على في تأسيس الجيش المصري النظامي، حيث اعتمد جيش ابنه طوسون على عناصر البشبوزق "المرتزقة"، وهو ما هدد مصير الحرب بالكامل، رغم الانتصارات المحدودة التي استطاع طوسون تحقيقها، والتي انتهت بعقد هدنة مع الوهابيين احتفظوا فيها بنجد، وبعد موت طوسون تجددت المعارك إلى أن أسقطت عاصمة الوهابيين الدرعية عام 1818. تمرد "البشبوزق" وكانت أولى إشكاليات قرار تأسيس الجيش المصري، عدم وجود عناصر كافية لتأسيس هذا الجيش من الجنود، فحاول محمد على إدخال الأساليب النظامية على جنود البشبوزق عام 1815 إلا أن هذا أدي إلى تمرد استطاع السيطرة عليه في مهده. في عام 1821 كانت البداية بتأسيس مدرسة أسوان الحربية على يد سليمان باشا الفرنساوي أو الكولونيل سيف أحد قادة جيش نابليون بونابرت الذي استقدمهم محمد على، وقد ألحق محمد على ابنه إبراهيم بهذه المدرسة كواحد من طلابها، وكان برنامج المدرسة لمدة 3 سنوات يتعلم فيها الضباط أساسيات العسكرية، وكان نواة الطلاب هم شباب المماليك. وقد نقلت هذه المدرسة من أسوان إلى إسنا ثم إلى أخميم ثم إلى بنى عدى ثم إلى اثر النبى، واستدعى محمد على باشا نخبة من الضباط الفرنسيين، منهم الجنرال بواييه والكولونيل جودان، وكان لهما أثر واضح في التدريب الحديث على نمط الجيش الفرنسى في أداء الحركات والسير والمناورات فيما عدا النداء فكان يصدر باللغة التركية، وطبقت على الجيش المصرى قوانين الجيش الفرنسى بعد ترجمة القوانين العسكرية إلى التركية للعمل بموادها. استبعاد الألبانيين أما عن حركة التجنيد فقد استبعد محمد على باشا تجنيد الألبانيين لسابق تجاربه معهم، ثم بدأ بتجنيد السودانيين وكان هذا هو السبب في فتح السودان، إلا أن التجربة فشلت، ليبدأ في تجنيد أبناء الفلاحين المصريين. كانت حركة التجنيد قائمة على قدم وساق في جميع أنحاء البلاد، ولم يأت عام 1823 حتى تألفت الأورط الست الأولى في الجيش المصرى، وعين الألف ضابط الذين تم تدريبهم بمدرسة أسوان الحربية ضباطا في هذه الأورط. استمرت سياسة التجنيد والتعليم في تزايد واتساع حتى وجد في معسكر بنى عدى في يوم من الأيام المجيدة ثلاثين أورطة بكل واحدة منها 800 جندى. وقد برهن الجنود المصريون في جميع المعارك الأولى التي اشتركوا فيها على أنهم مقاتلون أكفاء من الطراز الأول، وأبدوا من البسالة والإقدام والصبر ما كان حديث المؤرخين، وشهد به الأجانب والقناصل. حرب الحجاز وقد أراد محمد على باشا أن يعرب عن تقديره لهم فأنعم بالميداليات الذهبية والفضية على كثير من جنود الالاى الثانى بعد عودته من حرب الحجاز في أكتوبر 1826 تشجيعا لهم وتقديرا لبسالتهم، وأمر بأن يقيم الالاى في القاهرة ليكون حامية لها. وفطن محمد على إلى أهمية المعاهد العسكرية فأنشأ مجلسا يشرف على شئون التعليم والتدريب وسماه "قومسيون المدارس العسكرية" وكان يتألف من ناظر الجهادية رئيسا وعضوية قادة الالايات وغيرهم. وعقب ذلك توسع محمد على باشا في إنشاء المدارس العسكرية، فكانت مدرسة قصر العيني وهي مدرسة يتعلم فيها الطلاب اللغات والطبوغرافية ويستكملون فيها مرحلة التعليم الإعدادي ثم يتم توزيعهم على المدارس العسكرية العليا، وكان هناك عدة مدارس عسكرية منها مدرسة "البيادة" بالخانكة، ومدرسة المدفعية بطرة، ومدرسة السواري بالجيزة، ومدرسة أركان الحرب، مدرسة الطب والمستشفي العسكري، ومدرسة الهندسة العسكرية وأشرف على هذه المدارس عدد من قيادات جيش بونابرت الذين استقدمهم محمد على للتدريس في مصر وإنشاء جيش مصري قوي. وبالإضافة إلى المدارس المختلفة التي أنشأها محمد على باشا، فقد أسس محمد على الصناعات الحربية في مصر، بداية من ترسانة القلعة لتصنيع الأسلحة وقد تخصصت في صب المدافع الثقيلة، ومصنع الأسلحة بالحوض المرصود، وترسانة السفن الحربية بالإسكندرية، وكذلك معامل الباردو. أما عن الأسطول الحربي فقد بدأ كأسطول نقل تمت صناعة سفن في بولاق وكان دوره في حرب الحجاز نقل الإمدادات للجيش ثم تطور بعد ذلك لسفن حربية. المصادر مجلة المدفعية الملكية - الصادرة في 19 نوفمبر سنة 1949 بقلم اليوزباشى: محمد جمال الدين محفوظ ورقة بحثية للدكتور عاصم دسوقي قدمت لندوة "محمد على ومشروع بناء الدولة الحديثة"، مركز البحوث والدراسات السياسية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 11 أبريل 2007.