مصر يا بلد العجايب الفالح فيكى غايب، والخايب فيكى غالب أنا من جيل عادل وسعاد، اللى كانوا بيأكلوا الفول الحراتى في كتاب القراءة الرشيدة، والواد نبيل اللى خلع قميصه، وشاور به علشان ينقذ القطار، قبل مايخرج عن قضبانه ويتقلب بإللي فيه. دخلت عالم الحواديت السحرى، على صوت أبلة فضيلة وحواديتها، لحبايبها الحلوين إللى هو إحنا، أنا وأبناء جيلى وعرفت كل أسراره. تربيت على الكلمتين ونص بتوع فؤاد المهندس كل يوم الصبح، وكانت صيحته الشهيرة في آخر البرنامج "مش كدة ولا إيه" هي ناقوس الخطر اللى بينبهنا يوميًا، لسلوكياتنا وعادتنا الخاطئة. ومن عادل وسعاد في كتاب القراءة، ونبيل البطل الذي أصبح فارس أحلامى لسنين طويلة، إلى "الأيام" لطه حسين، و"غادة رشيد " للجارم، في مرحلة إعدادى. ومع "عبقريات" العقاد في مرحلة ثانوى، تشكل وعينا الثقافى الأدبى والفكرى، أنا وكل أبناء جيلى. كنا نردد في هذه المرحلة، إن مصر هي أمى ونيلها هو دمى بمنتهى الصدق في المشاعر، والجدية في الأداء،كأننا في مارشات عسكرية، كنا نشعر بالفعل إنه مافيش مثالها وست كل عصر كما تقول كلمات الأغنية. إتنططنا في مرحلة الثمانينات، مع "ميال" لعمرو دياب وحطينا إيدينا في جنبنا وغنينا مع منير "شجر الليمون" دبلان على أرضه و"الليلة ياسمرا" وغنت كل البنات مع فرقة المصريين "ماتفتكروش يابنات إن الجواز راحة". هي دى كانت أيامنا، وليالينا، وأغانينا، عشناها بالطول والعرض، وبالجنب وبالورب أيامها كانت بلدنا بلد الأمن والأمان بجد. أكيد إنها لسة بلدى وبحبها، وكل شبر في أرضها، وأكيد إنها لسة بلد عمر الشريف وعادل إمام أبو دم خفيف. لكن الأكيد أكيد إن بقى فيها حاجة مش حلوة. مابقاش فيها عادل وسعاد بياكلوا فول حراتى. عادل وسعاد بقوا بيتجوزوا عرفى في المدارس، ونبيل الشهم البطل منقذ القطار وفارس أحلامى بقى بلطجى بيفك ويسرق فلنكات القطار علشان ينقلب بركابه. وبقى إرهابى بيفجر نفسه وإللى حواليه، وبقى متحرش وعنتيل طالع من هدومه. وعالم أبلة فضيلة السحرى وحواديته، استولت عليه ريهام سعيد وحولته لعالم الجن والعفاريت."الكلمتين ونص" بتوع عمو فؤاد إللى ربوا أجيال بقوا " لت وعجن" وشتيمة وردح على الفضائيات غادة رشيد "زبيدة" إللى كانت فتاة أحلام جيل بأكمله بقت صافينار" اللولبية بس صوت وصورة. أيام طه حسين المظلمة التي أنارت الطريق لأجيال عديدة بعده بقت أيامنا أسود منها، بسبب قطع النور، وسرقة محولات الكهربا. صحيح إن إحنا إللى ركبنا الهوا ودهناه دوكو، بقانون الحداقة والفهلوة والسبهللة وصحيح إن إحنا أحفاد الفراعنة، وحضارة سبعة آلاف سنة، بس إحنا برضة إللى كسرنا مناخير أبو الهول وجبناها الأرض، وسرقنا أثارنا وهربناها، وطفشنا السياح بفهلوتنا،وغرقنا معابدنا بالمجارى، بسبب إهمالنا وفسادنا. إحنا إللي بعبقريتنا حولنا إسكندرية الجميلة المرية إلى" فينيسيا" العائمة في المجارى ومشينا على جثتها بالمراكب فىشوارعها بمنتهى البجاحة.لما الفقير يموت عندنا مرتين، مرة من المرض لأنه مالقاش أنبوبة أكسجين، ومرة من الفرحة بسبب أنبوبة بوتجاز، يبقى معلش بقى إحنا كدة بنستهبل. إحنا مش عايزينها فيها حاجة حلوة، وحاجات كتير وحشة، إحنا عايزينها كلها حلوة،أحلى الحلوين، وترجع أم الدنيا بجد بتاريخها وأيامها ولياليها، وتبقى فعلًا قد الدنيا، زي مابيتمنى الراجل المحترم إللي بيحكمها، ونشرفه زى ماهو مشرفنا، بس ياريت نبطل نستهبل