بينما كانت عقارب الساعة تتأهب لإعلان الخامسة من مساء السبت الماضي, فارقت روح قداسة البابا شنودة الثالث, بابا الأقباط الأرثوذكس و بطريرك الكرازة المرقسية جسده إلى الأمجاد السماوية, لتنتهي حياة الآلام التى عاشها نياحته قرابة تسعين عاما, قضى أكثر من أربعين عاما منها فى خدمة شعب الكنيسة والملايين من جموع المسيحيين فى مشارق الأرض ومغاربها, ذهب البابا بجسده وترك سجلا عامرا وحافلا بالمواقف الروحانية والوطنية وتلالا من الأسرار ربما تبقى رهينة ضمائر البعض لفترة غير قليلة.. وفى السطور التالية أدق تفاصيل الساعات الأخيرة من عمر البابا الذي يحل فى الترتيب ال117 بين من تولوا ذلك المنصب الروحاني على لسان طبيبه الخاص , الدكتور ماهر أسعد, والذي تحدث ل(فيتو)عن كواليس الرحيل المؤلم لملايين من المصريين, مسلمين قبل الأقباط, فى وقت عصيب تمر به مصر وتضع نقاطا فوق حروف مستقبل علاقة مصرية خالصة بين أبنائها من مسلمين ومسيحيين . طبيبه الخاص يتحدث فى تأثر بالغ, يحكى الدكتور أسعد :فى ذات الشهر الذي شهد رحيل البابا كيرلس السادس, فارق البابا شنودة الحياة الدنيا , إثر تعرضه لهبوط حاد في الدورة الدموية, ولم يكن الأمر مفاجئا لقداسته فقد كان يعرف أن أيامه باتت معدودة بعد أن ساءت حالته الصحية , وتأكد من عدم جدوى تلقى العلاج حيث فقدت السيطرة على الأمراض التي أصيب بها, حيث أصيب بسرطان الرئة ومن ثم انتشر المرض اللعين وانتقل إلى العمود الفقري. وعن اللحظات الحاسمة في عمر البابا أضاف الدكتور أسعد: فى الأيام الأخيرة تركت عيادتي وعملي بشكل كامل من أجل مرافقة قداسته, وقد تيقنت من رحيله عندما دخل عليه أحد من يخدمون نياحته ليعطيه أدوية الساعة الرابعة والنصف عصرا, فوجد تنفسه وقد توقف بينما جسده كان دافئا, فأسرعت إليه واكتشفت توقف القلب تماما عن النبض, وفشلت كل محاولات إعادته للحياة , وهنا أخبرت المقر الباباوى لتحرير محضر كنسي ذكرت فيه كل التفاصيل. زيارة العذراء ومواصلا كلامه يقول الدكتور أسعد: بعد ذلك تم حقن جثمان البابا بمادة الفورمالين التى تستخدم لحفظ الأنسجة البشرية, وتم تحنيط جسده, وكفن في ثياب البطريركية التى كان قد ارتداها فى عيد الميلاد الأخير, فضلا عن عصا الرعاية الذهبية والتاج الملوكي المنحوت عليه صورة السيدة العذراء, والتي جاء على لسان الأنبا ارميا أنها زارته قبل نياحته بيومين. وعن عرض جثمان البابا على شعبه جالسا على كرسي البابوية , قال الدكتور أسعد: هذه ليست المرة الأولى, فعند رحيل البابا كيرلس عام 1971 قام طبيب شهير بتحنيط جثمانه ليلقى شعبه عليه نظرة الوداع, وهو ما حدث مع نياحة البابا شنودة الذي يدفن اليوم – الثلاثاء- ليدفن في أحب الأماكن إلى قلبه – بعد السماء – دير الأنبا بيشوى بوادي النطرون والذي قضى فيه أكثر من عشر سنوات بقلايته التى لم يغادرها فى بداية حياته الكنسية. الوصية صباح الأحد الماضي فتحت وصية البابا شنودة بحضور أعضاء المجمع المقدس, وكان أبرز ما جاء فيها أن يدفن فى دير الأنبا بيشوى, الذي كان يذهب إليه عقب عظة الأربعاء الأسبوعية ولا يعود منه سوى يوم السبت, وقد شدد البابا المتنحى على سرعة تنفيذ ذلك البند من الوصية خشية أن تهمل لمدة عام كما حدث مع الأنبا كيرلس السادس الذي دفن بمقابر البطريركية لمدة عام ثم استخرجت رفاته ودفن في دير مامرينا العجايبى بالإسكندرية كما أوصى. كما أوصى البابا شنودة فى وصيته بألا تبدأ ترشيحات البطريركية إلا بعد تمام عملية دفنه وانتهاء مرسم تشييعه , فيما جمعت كل متعلقات البابا المهمة وأوراقه الخاصة , ووضعت في صندوق خشبي تم ختمه بالشمع الأحمر ولن يفتح إلا عن طريق البطريرك الجديد. القائم مقام الأنبا باخوميوس، أسقف البحيرة وكنائس شمال أفريقيا، اختير لشغل منصب القائم مقام البابا وبطريرك الكرازة المرقصية لمدة شهرين، تجري خلالهما الانتخابات لاختيار البطريرك الجديد، وجاء اختيار باخوميوس رغم أنه ليس أكبر أعضاء المجمع المقدس سناً، بعد اعتذار الأنبا ميخائيل، أسقف أسيوط وأكبر الأساقفة سنًا لظروف صحية. البطريرك الجديد وتولى البابا شنودة، كرسي البابوية في 14 نوفمبر1971 خلفاً للبابا كيرلس، ليصبح البابا ال117 في تاريخ البطريركية القبطية، وهو من مواليد أغسطس عام 1923..وتشترط لوائح الكنيسة القبطية فيمن يرشح للكرسي البطريركي أن يكون من الذين لم يسبق لهم الزواج، سواء كان مطراناً أو أسقفاً أو راهباً، ولا يقل عمره عن أربعين عاماً، كما تنص على إجراء قرعة هيكلية بين أول ثلاثة مرشحين في ترتيب الأصوات. الأنبا موسى, أسقف الشباب, نفى تعديل طريقة اختيار البطريرك وما أشيع حول الأمر, وقال إن عملية الاختيار كما هي وتتم من خلال نظام قرعة هيكلية، وهي أن يختار طفل معصوب العينين ورقة من ثلاث ورقات لثلاثة أساقفة يتم انتخابهم، وقد يكون البابا الجديد أقل الأصوات أو يحتل المرتبة الثاني. قالوا.. الكاتب لويس جريس : رغم عبقرية قداسة البابا شنودة إلا أن رحيله لن يخل بالعلاقة الحميمة بين المصريين مسلمين وأقباط والمستمرة منذ أكثر من 14 قرنا..هو كان عظيما بأعماله وله من المواقف الروحانية والوطنية الكثير والكثير, ومصر هي التي علمت العالم كله الرهبنة وأخذ عنا البروتستانت والفاتيكان تعاليم المسيحية. البرلماني السابق والمفكر جمال أسعد : مهما كان اسم من سيخلف نياحة البابا شنودة فلن تتغير علاقة الأقباط بالمسلمين, وحقا كان نياحته حكيما ورمانة ميزان في كثير من المواقف السياسية , خاصة فى أوقات حاول البعض فيها النيل من وحدتنا الوطنية, إلا أن الثورة غيرت فينا الكثير وانسلخ البعض عن الكنيسة ليشاركوا فى العملية السياسية وصياغة مستقبل مصر. د. سالم عبد الجليل, رئيس لجنة الإفتاء بوزارة الأوقاف: رحيل البابا شنودة فى هذا التوقيت له تأثير سلبي على كل المصريين لكنني متأكد من أن وضع الكنيسة المصرية سيبقى كما هو, وعلى الجميع أن يلتف حول من سيتولى المنصب الباباوى مهما كان اسمه.