كان المشهد غريبا ومثيرا.. عدد كبير من الرجال يحملون نعشا وينطلقون بميت إلى مثواه الأخير ومن خلفهم يسير بعض النسوة وقد اتشحن بالسواد.. ما أن وصل الموكب الجنائزي إلى المقابر حتى انهمر عليه الرصاص كالمطر من كل اتجاه.. ألقى المشيعون النعش على الأرض واتخذ كل منهم ساترا.. الميت خرج من نعشه وانكشف ستره.. الرصاصات مزقت الكفن واستقر عدد كبير منها فى الجثة.. بعد نحو ربع الساعة وضعت المعركة أوزارها مخلفة قتيلين وعشرة مصابين.. محقق «فيتو» فى أسيوط علم بالواقعة التى دارت أحداثها فى قرية «مجريس» التابعة لمركز صدفا، فانطلق إلى هناك واكتشف أن المشهد السابق ما هو إلا نهاية وربما بداية لسلسلة طويلة من العنف أسقطت وستسقط العديد من القتلى.. أما التفاصيل فتحملها السطور التالية.. استطاع المحقق اختراق الحصار الأمني المفروض على القرية، وراح يتجول فى شوارعها.. لاحظ علامات القلق والترقب فى كل العيون وانتشار السلاح فى يد الجميع.. استوقف أحد الأشخاص وسأله عما حدث، فأكد أن الخلافات بين عائلتي «المغاربة» و«الرئيسية» تجددت مؤخرا، وكل طرف يستعد للانتقام من الطرف الآخر ولم يزد الرجل شيئا وانصرف.. واصل المحقق تجوله فى شوارع القرية إلى أن تقابل مع خفير نظامي يدعى «م.ر»، وطلب منه أن يحكى له بالتفصيل ما حدث فقال:«قبل عامين.. أراد بدوى محمود من عائلة الرئيسية وضع بعض الأنقاض أمام منزل جاره فقير المغربي، فاعترض ابن الأخير ويدعى «أشرف».. تطور الأمر إلى مشاجرة عنيفة انتهت بمقتل الابن على يد بدوى.. اشتعل غضب عائلة المغاربة وعقدت العزم على الأخذ بثأرها من عائلة الرئيسية، واستمرت المناوشات بين العائلتين عاما كاملا.. ومنذ عام تقريبا نجح أفراد من المغاربة في قتل بدوى أثناء سيره مع زوجته رئيسة زيدان.. وبدلا من أن تنتحب الزوجة على جثة زوجها، حملت سلاحه وأطلقت النار على قاتليه، فبادلوها إطلاق النار لتسقط قتيلة هي الأخرى». واصل الخفير حديثه مع المحقق موضحا: «أثار مقتل رئيسة غضب عائلة الرئيسية وعزموا على الأخذ بثأرها.. ولجأت العائلتان لأسلوب جديد في الحرب بينهما، يعتمد على إطفاء أنوار القرية كاملة من بعد المغرب، وتنظيم كمائن متحركة مع إطلاق نار كثيف طوال الوقت.. وذات ليلة سقط خليفة عبد النبي من عائلة الرئيسية في كمين للمغاربة، فقتلوه ومثلوا بجثته وألقوها وسط الزراعات.. من وقتها والرئيسية لا يهدأون.. جلبوا كميات كبيرة من الأسلحة الآلية ومدافع الجرانوف والآر بى جى، واستعدوا لمعركة فاصلة مع المغاربة». و«عندما مات أبو سريع خلاف من عائلة المغاربة، قررت الرئيسية استغلال فرصة تجمع أكبر عدد منهم في الجنازة، وأعدوا كمينا لهم.. ما إن وصل المشيعون بالميت إلى المقابر حتى فتحوا عليهم الرصاص من كل اتجاه، ألقى المغاربة النعش على الأرض وأخرجوا أسلحتهم ونشبت معركة عنيفة بين الطرفين.. المثير في الأمر أن هذه المعركة أسفرت عن مقتل نورا سيد احمد وكانت حاملا، وابنها حسين ممدوح من عائلة الرئيسية.. بينما أصيب 4 من عائلة المغاربة بإصابات مختلفة» سأله المحقق: «وما موقف الشرطة من كل ذلك؟».. أجاب الشاهد: «بعد توقف إطلاق النار حضرت قوات الأمن والمباحث الجنائية وفرضت كردونا امنيا محكما على القرية، وألقت القبض على عدد كبير من أفراد العائلتين، قال المحقق: «وهل يعنى ذلك انتهاء المعركة في القرية؟».. قال الشاهد: «بالطبع لا.. فالرئيسية سيسعون بكل قوة للأخذ بثأر السيدتين والشابين، ولن تتوقف المعارك أبدا.