لابد أن نعترف بأن الخيال السياسى الإخوانى عقيم عقماً لا حدود له! وذلك لأنه يبدو أن حزب «الحرية والعدالة» أراد أن يستعرض عضلاته السياسية فاخترع صورة جديدة من صور الإرهاب السياسى، أطلق عليها السلاسل البشرية! وقد صرح أحد قادة الجماعة، وهو يشعر بالزهو الشديد وبالفخر العميق أنه من أسوان إلى الإسكندرية هناك سلاسل بشرية ممتدة، تتشكل من أعضاء الإخوان المسلمين فى مختلف المحافظات رجالاً ونساء وأطفالاً، صدرت إليهم الأوامر- التى لابد أن تنفذ تطبيقاً لمبدأ السمع والطاعة- بأن يقفوا بالساعات فى حر الشمس وهم يحملون صور المرشح الإخوانى الاحتياطى الأصلى الدكتور «محمد المرسى». وقد أثارت هذه السلاسل الممتدة استياء جماهير الشعب من جميع الطبقات، لأنها تحمل الأبرياء من أعضاء الجماعة فوق ما يحتملون، بعد أن غسلوا أمخاخهم وأقنعوهم أنهم لابد أن يضحوا براحتهم فى سبيل تحقيق الأهداف السامية، والتى تتمثل فى النجاح الحتمى للمرشح الإخوانى والذى لا شعبية له. ومن أعجب العجب أن يتولى «صبحى صالح» القيادى بجماعة «الإخوان المسلمين» وعضو مجلس الشعب الدفاع عن هذا السلوك المرفوض جماهيرياً قائلاً – لا فض فوه- فى تصريح نشر فى جريدة اليوم السابع بتاريخ 19 مايو 2012 بأن السلسلة البشرية التى نظمها حزب «الحرية والعدالة» من إسكندرية لأسوان «استعراض عضلات»! واستطرد قائلاً «من لديه أنصار أكثر مننا ينزلهم الشارع»، وكل واحد يتكلم على قده، واللى معندوش يدارى» ولو تأملنا لغة هذا الخطاب، لاكتشفنا أنها زاخرة بالغرور الأجوف والاستعلاء الممقوت. وفى هذه التصريحات الاستفزازية يسخر فيها نفس الشخص ممن يقولون إن «مرسى» ليس له «كاريزما» قائلاً «يقولون لنا فين ونروح نشتريها». وتابع قائلاً -وهو معروف بتصريحاته الاستفزازية- «كتر الشتيمة فى الإخوان علمتهم السلطنة ونحّسوا ولو ما تشتموش يعطسوا»! ما هذا الأدب الرفيع فى مخاطبة جماهير الشعب المصرى، وفى الرد على انتقادات الخصوم السياسيين؟ فى التقاليد الديمقراطية الحقيقية، يقوم الخصوم بتوجيه الانتقادات إلى بعضهم بعضاً بأسلوب ليس فيه تجريح لأحد أو إهانات متعمدة. كما أن نفس التقاليد تشجع السياسيين على ممارسة «النقد الذاتى»، حيثما يرتكبون أخطاء معينة، يحسون أنه من الضرروى أن يعتذروا عنها. غير أن جماعة الإخوان المسلمين التى «استأسدت» عقب حصولها على الأكثرية فى مجلسى الشعب والشورى، ارتكبت أخطاء سياسية فادحة فى حق أعضائها قبل أن يكون ذلك فى حق الشعب المصرى بأطيافه السياسية المختلفة. وذلك لأنه تشوهت صورة الجماعة وأعضائها، وأصبحوا متهمين من قبل الرأى العام بأنهم يريدون «التكويش» على كل مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والرئاسية. كما أن مسلكهم معيب فى الإصرار على إقالة حكومة «الجنزورى»، وفى اتجاههم الخاطئ فى الاستئثار بتشكيل اللجنة التأسيسية للدستور. وبالرغم من أن محكمة القضاء الإدارى ألغت القرار المعيب ودارت مشاورات سياسية شتى للوصول إلى حل توافقى، إلا أن جماعة الإخوان المسلمين بذراعها السياسى وهو حزب «الحرية والعدالة»، وعن طريق اللجنة التشريعية التى تهيمن عليها وضعت كل العقبات الممكنة لعدم الوصول إلى حل، حتى لا يوضع الدستور قبل ظهور انتخابات الرئاسة. ومن الظواهر السياسية العجيبة أن قادة جماعة الإخوان المسلمين لا يشعرون بفقد مصداقيتهم فى الشارع السياسى، ويصرون على مواصلة ارتكاب أخطائهم السياسية القاتلة. بل إن بعض المحللين السياسيين المرموقين ومن بينهم الأستاذ «فهمى هويدى» والذى لا يمكن أن يحسب على جبهة خصوم الإخوان المسلمين أبدوا دهشتهم من إصرار جماعة الإخوان المسلمين على عدم الاعتداد بالرأى العام السياسى، ولا باتجاهات الجماهير السلبية إزاء الجماعة وذراعها السياسى ومرشحها الاحتياطى الأصلي. هذه صورة بارزة فى الواقع من صور الانتحار السياسى لجماعة زعمت أنها ستطبق فى مصر مشروعاً للنهضة، مع أن النهضة الحقيقية لا يمكن أن تبنى على أساس الهيمنة أو الاحتكار! كما أن النهضة – لو راجعنا بدقة التراث النهضوى العربى فى العصر الحديث- قامت على أساس بناء دولة مدنية ديمقراطية، وليس دولة دينية! ومن هنا يمكن القول إن مشروع النهضة بمرجعية إسلامية الذى قدمه المرشح الإخوانى، يعد فى الواقع تزييفاً لفكر النهضة الأصيل!