شفيق أمامكم ومرسي خلفكم .. هكذا أصبحنا وليس هكذا سنمسي، فالمعادلة الصعبة تلقي بحمم براكينها لحظة بلحظة .. تذيب صمودا حاول البعض بناءه، وتصهر عزما، حاول آخرون صناعته، فشفيق كما أطلق عليه شعبيا «فلول» ومرسى هو «الأستبن» وفى كلتا التسميتين إهانة بالغة للشعب، إذ إن القدر يضعنا أمام اختيار صعب بين «فل» و«استبن» ومصر أكبر بكثير من أن يحكمها أي من الاثنين الفائزين . تهمة الفلول التى وصم بها البعض الفريق أحمد شفيق، تختزل الرجل الطيار والقائد في القوات الجوية، وهى أحد أهم مدارس الانضباط، في كونه كان وزيرا فى عهد مبارك، ثم تقلد منصب رئيس الوزراء فى آخر أيام المخلوع، ويحاول هذا الفريق أن يربط بين موقعة الجمل وبينه، مع أن شفيق لم يكن واحداً من مفكرى الحزب الحاكم أو من أساطينه، أو حتى من صناع القرار فيه فقد كان شأنه شأن واحد مثل عصام شرف، الذى اختاره الثوار رئيسا لوزارة الثورة رغم ضعف ملكاته وإمكانياته . أقول وأنا كلى ثقة: «لا تنتخبوا الفلول محمد مرسى»، إذ إن تهمة الفلول لو صحت، فإن أركانها تنطبق على محمد مرسى أكثر، فقد كان شفيق وزيرا تفرض عليه هذه الوظيفة، أو ذاك المنصب أن يمارس نوعا من الرياء السياسى أو الاجتماعى مع زملائه فى الحكومة، ومع ذلك فإنه لم يصف مثلا زكريا عزمي وفايزة أبو النجا ويوسف بطرس غالى ونصر الدين علام بأنهم رموز وطنية، فى حين فعلها د. محمد مرسى، الذى يحاول البعض إيهامنا بأنه محسوب على الميدان . وأيضا فإن الأخ محمد مرسى أفرغ دوائر الوزراء المذكورين فى الفقرة السابقة، ورفض أن يكون للإخوان مرشح برلمانى فيها حرصا علي التواصل مع حكومة الوطنى ونظام مبارك، وهو ما لا يفعله شفيق لو كان في موضع مرسى . شفيق كانت له علاقات أمنية بحكم كونه وزيراً أو رئيسا للوزراء، إذ لا يعقل أن يكون هناك وزير فى حكومة، ويعيش بمعزل عن الأجهزة الأمنية، فى حين أن محمد مرسى اعترف بأنه وجماعته لديهم تفاهمات أمنية، وهو ما يعني أنهم كانوا جزءا من النظام في حين كان شفيق مجرد وزير في حكومة، أو رئيساً لحكومة لم تعش طويلا وجاءت في فترة عصيبة . وشفيق الذى كان وزيراً في حكومة الحزب الوطني المنحل لم يشارك في ثورة 25 يناير، لأن وظيفته تحول دون ذلك، فما الذي منع محمد مرسى وجماعته من الامتناع عن المشاركة منذ البداية إلا إذا كانوا جزءا لا يتجزأ من النظام، ولكنهم انقلبوا عليه، مثل المؤسسة العسكرية .. الفارق فقط فى التوجهات، فالمؤسسة العسكرية لا نستطيع التشكيك في وطنية منحاها، بينما نستطيع أن نشكك في الطرف الآخر، والدليل لقاءاتهم بالأمريكان وحرصهم على المصالح الأمريكية. شفيق كان عضواً في حكومة تنتمي إلى النظام الذي وقع اتفاقية السلام مع الكيان الصهيوني، ولذا فإنه لن يخرج عن التزامها باتفاقاتها مع إسرائيل، بينما ينتمى مرسى مجازا إلى تيار معارض فلماذا أعلن هذا التيار «احترامه» وليس «التزامه» لهذه الاتفاقيات.. ألا يعني هذا أن مرسي ينتمي إلى جماعة أكثر رجعية من نظام مبارك نفسه؟ ألا يعني هذا أن مرسى ورفاقه هم الفلول . يقول البعض إن شفيق قال إن مبارك مثله الأعلى، وبهتانا يقولون إنه قال إن مبارك أستاذه، ولم ينقل واحد فقط ما قاله مرشد الإخوان محمد بديع من أن مبارك هو أبو المصريين، وبالتالي فإنه يكون أبا الجماعة وقائدها ومرشحها للرئاسة محمد مرسى .. إذن نحن أمام ابن الرئيس مبارك مرشحا لمنصب الرئيس .. محمد مرسي وليس جمال مبارك !! وقبل هذا وذاك فإن انتماء شفيق إلى حزب منحل، لا ينفي انتماء مرسى إلى جماعة كانت ولا تزال منحلة، فكلاهما في الهم سواء، والسؤال الآن: هل أدعوكم إلى انتخاب الفريق شفيق؟ والإجابة هي: ليس لأحد على أحد وصاية، فإذا كنا على قناعة بأن المرشحين الاثنين هما من نظام الفلول، وهي بالمناسبة كلمة فلكلورية لا معني لها، فإن عليكم أن تعودوا إلي ما دعوتكم إليه فى الأسبوع الماضى «انتخبوا أبو رامي الكبابجى» ولو أنكم طاوعتمونى إلى ما دعوتكم إليه لنجحنا في فرضه رئيسا، خاصة أنه لا ينتمى إلي تيارات ظلامية، ولا أحزاب منحلة، ولم يقل فى يوم من الأيام إن مبارك أبو المصريين ولم يكن عضواً فى حكومة موقعة الجمل، أضف إلى ذلك أن الرجل يؤمن بالمساواة بين الزبائن، فهو لا يرى فرقا بين زبون مسلم وآخر مسيحى وثالث شيعى . وميزة أبو رامي أنه لم يضبط في يوم من الأيام متورطا فى وصف وزراء مبارك بأنهم رموز وطنية، فقد كان الرجل ولا يزال يؤمن بأن للكباب سعرا واحدا يباع للبيه وللخفير بذات السعر ولا فرق لعربى على أعجمى إلا بالدفع!! حتى نغفر للأقباط عليهم مبايعة فضيلة المرشد أميرا للمؤمنين فور إعلان المؤشرات النهائية، علق بعض قادة الإخوان على النتائج بقول بعضهم إن الكنيسة باعت مصر، وقال آخرون من تيارات أخري بتخوين الأقباط، وهكذا لم نتقبل الاحتكام إلى الصناديق فمن لم ينتخب محمد مرسي فهو خائن لدرجة أن واحدا منهم من العائدين من القبور قال على قناة الإخوان الفضائية إن الإخوان مدينون باعتذار، ثم أضاف لا فض فوه «كان أمامهم مرسي أو حمدين» وذلك طبعا فيما يمكن أن نسميه ديمقراطية نواعم حسب التأصيل العلمى الإخواني فى قواميس عطيات .. لم يفكر واحد ممن قالوا في الأقباط ما قاله مالك في الخمر إن القصة حكاية صناديق، ومن حق أي مواطن أن يختار ما شاء .. ولم يفكر واحد من هؤلاء كيف كان الأقباط حماة الثورة والثوار منذ اللحظة الأولي وحتى المشهد الوطني العظيم في جمعة الوحدة، التى شاهدها العالم كله .. ماذا جني الأقباط منذ الثورة وحتى الآن؟! .. شهداء أمام ماسبيرو، وقد يقول قائل إنهم مثل كل أطياف المجتمع في فقدهم ذويهم، ولهؤلاء نقول «ماذا تقولون في قطع أذن قبطى وتهجير عائلات، وماذا تقولون في هدم الكنائس لأول مرة في تاريخ المسيحية في مصر .. ماذا تقولون فيمن قال إنه يحظر الترحم على البابا شنودة .. ماذا تقولون في برلمان رفض الوقوف دقيقة حدادا على وطني غيور رحل عن عالمنا وهو البابا شنودة؟!» . هل هذه هى ثمار الثورة التي كان ينتظرها أقباط مصر؟ وماذا تقولون عندما يخرج واحد متخلف يطالب الأقباط بالاعتذار، لأن أغلبهم صوت لشفيق؟ وماذا تقولون في جاهل خرج يصف الأقباط بالخونة، وبأنهم خانوا دماء الشهداء وخانوا الثورة؟ هل مطلوب من كل قبطى الآن أن يحصل من جماعة الإخوان على ختم الوطنية بديلا عن ختم النسر في عصر مبارك، وهل أصبح لزاما علي كل مسيحي أن يختار إما محمد مرسى أو محمد مرسي فإن اختار غيره أصبح عميلا وخائنا ويجب استتابته؟ إن ديمقراطية نواعم التى يرسخ لها قادة الجماعة، هي الاختيار بينهم وبينهم، فمن حاد عن طريقهم إنما يجب قتاله، باعتباره من الخوارج وما لا يعرفه البعض أن الإخوان لن يتعاملوا مع الأقباط وحدهم بهذه النظرة العنصرية، فالجماعة لا ترى إلا نفسها وكأنه مطلوب من المجتمع كله أن يكون مرآة لها ولأعرافها وقيمها وتقاليدها . والفارق بين ديمقراطية العسس، وديمقراطية الجماعة، أن الأولى كانت تراقب أنشطتنا، والثانية تخطط لمراقبة عقولنا وضمائرنا، والأولى كانت تعتمد على أجهزة مادية تسجل وتصور وترقب كل دقيقة وكبيرة، بينما الثانية تعمل وفق نظام النية، وحسبما تتجه نية كبيرهم لابد وأن تتجه نوايا الأمة، والأمة هنا مسلميها بمسيحييها وبكفارها إن وجدوا . والطريف أن عددا كبيرا من الأقباط اهتز لتلك الحالة التى خرجوا بها علينا واهمين الشعب بأن الأقباط خرجوا عن الملة، وما عادوا يعبدون الإله الواحد القيوم بانتخابهم شفيق، وأنه لقبول توبتهم ومنحهم صكوك غفران على الشريعة، عليهم أن يعودوا إلى انتخاب محمد مرسى .. ساعتها لن يمانع الإخوان في الإعلان عن أن للمسيحيين مثل مالنا في الآخرة، حيث إن تقسيم الآخرة أصبح بعد فوزهم بأغلبية البرلمان شأنا إخوانيا. وحتى ينال الأقباط بركات من سماء المرشد وأتباعه وحتى يصبح للقبطي موضع قدم في وطن ربما يتم تغيير اسمه إلى جمهورية الإخوان بديع الشاطر وحتى نقبل مرة أخرى بوجودهم على الأرض فليس أمامهم إلا طريق واحد ... مبايعة المرشد !! كلام شوارع: إذا نجح أحمد شفيق سوف تقوم ثورة.. وإذا نجح محمد مرسى سوف تدفن ثورة. أثناء فرز الأصوات أعلنت جميع حملات المرشحين فوز مرشحيها وبعد الفرز خسر الجميع. مطالبة الشخصيات السياسية لمحمد مرسى بالانسحاب لمصلحة حمدين صباحى كمن يطالب الأسد بالتنازل عن فريسته. رفض الإخوان تغليظ عقوبة التمويل الأجنبى للإرهاب محاولة إخوانية لأسلمة العولمة!! إصرار حزب الحرية والعدالة على الانفراد بتأسيسية الدستور محاولة وطنية لرفع العبء عن كاهل الأحزاب.