اهذا ما يقوله ويكرره محدثو السياسة والزعامة، ممن يرون أن رأس مالهم الحقيقي هو ضعف ذاكرة الجمهور، الذي ينحاز للأعلى صوتا والأكثر جرأة وقدرة على الكذب كما يزعمون!!إنها الازدواجية المقيتة، والكيل بمكيالين و(وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ). عندما شن العسكري هجومه على التمويل الأمريكي للأحباب والأحزاب الموالية لأمنا الغولة، قامت السيمفونية التي يعزفها جماعة المنتفعين على مقام (لسة فاكر كان زمان!، ولماذا الآن! والتمويل طول عمره ماشي ماشي والناس بتدور على المَّم وما بتلاقشي)، وعندما فشل هجوم العسكر الارتجالي بسبب سوء التخطيط، وشراسة الهجوم الإمبريالي، صاح الفريق الكورالي لجماعات الانتفاع الأوبرالي.. وا قضاءاه.. وا نزاهتاه وا كرامتاه... أقيلوا هذه الحكومة التي فرطت في كرامة مصر!! إنها الازدواجية الأخلاقية التي لا تخطئها عين، ولكن ما عسانا نقول في تلك الجماعات التي لا ترى أن الأخلاق هي المنفعة، ولا شيء سوى المنفعة. أساء العسكري من دون أدنى شك إدارة المعركة، حيث كان هجومه ارتجاليا وانسحابه فوضويا دون أن يحقق أهدافه. الآن أصبحت أمريكا هي رافعة لواء نشر العدل والحرية في العالم، وأصبح قبض الأموال منها عملا مشروعا، ولا غبار عليه، وأصبح من حق (رافعي لواء مواجهة الظلم) التبجح بتلقي المعونة منها، وهي معونة لم تكن يوما ما بريئة ولا لوجه الله، كما أنها لم تكن يوما ما غير مشروطة، كما قال جيفري فيلتمان (نحن نعمل مع كل الجهات السياسية التي لا تؤيد العنف في مصر وقد توصلنا معهم إلى تفاهم على أن يحترموا اتفاقية السلام مع إسرائيل. ولقد تولّد لدينا الانطباع بأنهم يدركون أهميتها، ونحن نوضح لهم الفائدة الكامنة في الاستقرار الذي تمنحه الاتفاقية لبلادهم). المعنى الذي يقصده فيلتمان يتجاوز بكل تأكيد احترام تلك الورقة التي تسمى كامب ديفيد، بل يعني القبول التام بكل ما يحقق أمن ومصالح الكيان الغاصب للقدس، والتماهي مع سياسة أمريكا الرامية لضرب المقاومة في المنطقة، وهو ما ظهر بوضوح في موقف هذه الأحزاب المتدربة أمريكيا من الأزمة السورية. الذين يرون أن ما جرى مجرد تمثيلية، يتجاهلون أن لكل تمثيلية ممثلين وكومبارس، وأن الكومبارس من وجهة نظر هؤلاء، هم القضاة الذين كشفوا الكثير من الحقائق المهمة، ولو لم يثمر جهدهم إلا هذا الكشف فحسبهم فخرا. أولى هذه الحقائق، أن الولاياتالمتحدة لم تمول ثورة 25 يناير كما يشيع البعض، حيث كان حجم ما تدفعه لهذه المنظمات قبل الثورة مليون دولار سنويا، ثم قفز هذا الرقم إلى ما يجاوز 60 مليون دولار خلال أقل من عام، والهدف من وراء هذا هو قطف ثمار الثورة عبر أطفال أمريكا، أبناء الله وأحبائه!! الحقيقة الثانية أن المستفيد الأكبر من هذا التمويل هم (أبناء الله وأحباؤه) أي الإخوان والسلفيين والنور والأصالة، ولا بأس برشة تدريب على حزب ساويرس لإحداث نوع من التوازن، وإسكات ذلك الثرثار الذي ذهب إلى أمريكا يشكو أمريكا، لأنها سكتت على التمويل الخليجي، في حين سكت هو على التدريب الأمريكي!! الحقيقة التي كشفتها التحقيقات وأقوال المتهمين أن 63 حزباً تلقت دعماً بعد الثورة من بينها حزب «الحرية والعدالة» التابع للإخوان المسلمين، وحزب النور السلفي فضلا عن «الأصالة». لم يخجل رئيس حزب النور السلفي من التصريح بأنه أحد المستفيدين من المعونة الأمريكية المسمومة، عندما قال: «في الحقيقة كنا نلتقي معهم وكانوا ينظمون بعض اللقاءات السياسية، وكنا نحضر بعض هذه اللقاءات». وأضاف «لا شك في أنه كان هناك نوع من الإثراء للحياة السياسية.. ليس عندنا معلومات عن خلفيات (القضية)، أو ما يجري خلف الكواليس. هل هذه الجمعيات تدعم نشاطات غير قانونية، أو تناهض نظام البلاد أم لا»؟ بقي الشكر الأمريكي موصولا للإخوان على دورهم في لفلفة القضية وإنهائها، ويبقى الطابق مستورا، ويبقى تحالف المنفعة الانتهازي الإخواني الأمريكي مستمرا، حتى يأتي الله بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين. ليس هناك أحلى من شرف القضاء ونزاهته، والأحلى منه والأفضل هو نزاهة الطبقة السياسية الحاكمة قولا وفعلا، ودون ذلك يصبح الحديث عن الشرف والنزاهة محض هزل ونفاق