كنت سأحب رجل الكتابة، أتعرى أمامه بلا حرج. لا أضطر فى صحبته إلى الحديث عن الثورة، والسياسة، والجنون الذى يطبق على روحى. امرأة وحيدة لا تشاهد المناظرات حول انتخابات الرئاسة، لا تشاهد شىء، غير فيلم أجنبى رومانسى على إحدى القنوات. تسمع صوت "منير" فى أغانيه الجديدة، وتتحسس كل شىء كأنها لا ترى. هى لا ترى، دخلت بالخطأ فى رواية ساراماجو العمى وبقت حبيسة الصفحات. كانت ستحب رجل الكتابة، الذى لا يمكنه مضاجعتها لأنه بلا عضو جنسى. لكنه يصحبها للرقص فى الموالد، يجعلها ترتدى التنورة، وتدور حتى تتلاشى كنقطة لون أزرق تبخرت فى السماء وتلاشت. رجل الكتابة يسعها مثل رحم أو قبر، يحنو عليها ويوجعها. تبادله القسوة بأكثر منها، والكراهية بجنون، والعتاب بعقاب، لا يحتمله أى منهما. تقرفص.. الآن يمكنها أن تكتب هذا الفعل. لكن إصابة قديمة فى ركبتها تمنعها من ممارسته، تقرفص داخل الكتاب، وتصمت حتى لا تفسد أحداث الرواية. تفكر فى بيت الشعر الذى كتبته دينا فى الصباح، وسألتها بعفوية إن كانت تذكرة! "لو أنك لى.. لو أن قلبى قبعة ساحر". سوزان علوان تلك الرقيقة! أفكر طوال اليوم فى –رجل الكتابة– ذلك المقصود ببيت الشعر. يموت لحظة ملامسة قدمه للشارع، هو يحيا داخل الصفحة البيضاء، ينزلق عليها ويعيش. هى تختفى داخل فستان زفاف أبيض تبدو مثل نقطة حليب، ندفة ثلج، بقلب يرتجف. وحزن لا يداويه الوقت، ولا تداريه الروح. كنت سأحب رجل الكتابة، وسأكتب له بيت الشعر هذا! وأنتظر منه ردًا لعشر سنوات. ثم ارتدى الفستان الأبيض المعلق على فرع شجرة لا أعرف نوعها، وأغادر لألحق بالعرس. فى حضن الرجل الحقيقى ساتقيأ مرار الهزيمة، وساعترف بذنوبى كلها، وسأحتفظ بقطرات دمائى الوردية فى منديل قديم أهدته لى الشمس ذات مرة عندما كنت نقطة لون زرقاء فى السماء. مالت عليّ وقبلتنى وأهدتنى المنديل. أنا أحب الشمس، ولو كنت رجلًا لكتبت فيها قصائد، وراودتها عن نفسها حتى تقع فى غرامى. لو كنت رجلًا لكنت قاسية مثل الرجال، ولكسرت قلب الشمس، وتركتها تنز دمًا كل غروب. لكنى امرأة تتعلق برجل الكتابة، وتنجب ثلاثة أطفال من الرجل الحقيقى. وتمتنع عن مشاهدة نشرات الأخبار وصفحات الحوادث وبرامج التوك شو. ستحب ناشرها، وصديقها الكاتب، وصديقتها الرسامة، ورفيقة روحها التى سافرت ولم ترجع. ستنتظر إنجاب فتاة صغيرة لتنكسر لعنتها؛ لتجد رجلًا حقيقيًّا يعد لها قهوتها الغامقة المرة، يخفيها فى حضنه من عمى ساراماجو. يبقيها بعيدًا فى جوف الكهف حتى لا تنتقم الشمس منها، ولا يؤذيها رجل الكتابة؛ لأنها رقصت معه وضاجعت رجلًا آخر صادف، وجوده فى الزحام نفسه الذى سقطت فيه نقطتها الزرقاء.