أمام أزمتها التى فاقت قدرة حكومة الجنزورى المسماة بحكومة الانقاذ الوطني، كان لابد من مغامرة لكشف كل أبعاد المؤامرة، أى مؤامرة المافيا التى تسيطر على أنابيب البوتاجاز وتبيعها فى السوق السوداء فى ظل حلف ما بعد الثورة ، البلطجية والانفلات المدعوم ببقايا الفساد، فى الوزارة والمستودعات. بعد أن استهوتنى الفكرة وسيطرت على المخ حتى النخاع استأجرت «تروسيكل» على شاكلة ما يستخدمه الباعة الجائلون وحرصت على أن يكون سهل وسريع فى الحركة لمساعدتى على التمكن من الهروب فى حالة وجود ظرف طارئ كالحملات التفتيشية. ايجار التروسيكل مائة جنيه فى اليوم الواحد، أعرف أنه مبلغ كبير وفيه استغلال وابتزاز ولكننى دفعت تحت وطأة استغلال أصحابها لأزمة البوتاجاز فى رفع ايجار التروسيكلات بهدف تحقيق أكبر المكاسب. فورا وعلى أمل اجراء تحقيق صحفي توجهت إلى أحد المستودعات، ولم يكن من السهل الدخول للمستودع. الدخول إلى عالم غامض يحرص أصحابه على احتكار غنيمته، وبالفعل رفض أصحاب المستودع التعامل معي، وكادت المغامرة تفشل لولا نجاحى فى التفاهم مع أحد الباعة لمساعدتى مقابل رشوة مالية، وضعها فى جيبه واعتبرها اكرامية، بعد أن قبلها ومسح بها جبهته، قائلاً: رزق من عند الله. «يامعلم الولد ده ابن خالتى وغلبان ويريد أن يأكل عيش وأريدك أن تجربه معنا» هكذا قال هو، فأعطانى المعلم عشر أنابيب بسعر 02جنيها للانبوبة، كحصة يومية حسب اتفاق شفوى برغم أن سعر الانبوبة المدعم والرسمى 4 جنيهات فقط لاغير. الفضول المصحوب بالحاسة الصحفية مكننى من فك أحد طلاسم اللغز فالفارق المتمثل فى ال 61 جنيها يتم توزيعه على بواقع6 جنيهات لمفتش التموين ومثلهم لصاحب المستودع و 4 جنيهات للعامل، أى مكسبى 04 جنيها والمكسب مضمون وأنا وشطارتى وقدرتى على ابتزاز الناس. معلومة أخرى عرفتها كشفت طلمساً آخر مفادها أن المستودع يحصل من الدولة على 0001 اسطوانة مدعمة يبيع منها 004 أسطوانة بالسعر الطبيعى ويهرب 006 لمافيا السوق السوداء ليحقق مكسباً يوميا له وحده قدره 0063 جنيه مثلهم للمفتشين و 0042 للغلابة من أمثالي. السيارة لا تأتى مباشرة إلى المستودع ولكنها تقف فى مكان سرى معلوم لصاحب المستودع يتم فيه تفريغ أغلب الشحنة للباعة الجائلين، هكذا كانت التعليمات القاسية التى التزمت بها حتى لا ينكشف أمرى ويتحول المغامر إلى متآمر فى عيون ناس لا تعرف الرحمة والشفقة. التهريب لا يتم فى المكان السرى المتفق عليه وإنما أثناء تفريغ الاسطوانات فى مخازن المستودعات أيضا، واحدة إلى داخل المستودع، والأخرى للبائع فى «السكرتة». أثناء المغامرة اكتشفت طريقة جديدة للتهريب وهى اعطاء أنابيب لباعة موسمين غير أساسين بسعر 22 جنيها للانبوبة وتباع بحسب الادوار، 53 جنيها للارضى والثانى و73جنيها للخامس و54 جنيها من السادس وحتى التاسع. المأساة الغالبة على المشهد كله هى رحلة، حصول المواطن على الانبوبة، ب 5 جنيهات من المستودع، أى بفارق جنيه عن السعر المدعم، فهى تبدأ من صلاة الفجر حتى السادسة مساء، ويكون المشهد أشبه بيوم الحشر وعويل ناقص الايمان على قبر الميت، حيث تحضر سيارة بها 005 أنبوبة فى العاشرة صباحا يندفع نحوها الحاجزون من الرابعة فجرا ومن لا يسعفه الحظ ينتظر الثانية حتى آذان العشاء. البلطجية، لهم دور كبير فى الازمة، رأيته بعينى أخطر بكثير مما كنت أتخيله فالمسجلون خطر يفرضون اتاوة على صاحب المستودع بطريقتين احداهما دفع مبلغ نقدى والثانية تخصيص كمية من الانابيب لهم وبسعر أقل لبيعها في السوق السوداء مقابل حمايته من غضب الأهالي، فضلا عن قيامهم بتنظيم الطوابير وتخويف أى معترض على المهازل التى تحدث. صاحب المستودع يحقق مكاسب معنوية فضلا عن المادية وهى العلاقات العامة والشخصية مع أصحاب النفوذ عن طريق حجز جزء من الشحنة لهم، خوفا من بطشهم به بالشكاوى والاتصالات وهو ما يعتبرونه بمثابة «جميل» من صاحب المستودع. أغرب ما اكتشفته فى المغامرة هو أن ازمة الاسطوانة اصبحت لها ايحاءات جنسية، حيث يتم تخصيص جزء من الاسطوانات للسيدات سيئة السمعة بهدف التقرب منهن وخاصة فى المناطق العشوائية،والاغراب أن ذلك يتم أحيانا بمعرفة بعض مفتشي التموين وللعمال أيضا نصيب فيه. فى بعض المناطق شاهدت تواجد لمرشحين مجلس شورى يستثمرون الحادث فى الدعاية الانتخابية ووجدتاً ناسا مقربين من أصحاب المستودعات يحصلون على الانبوبة لمن يريدها مقابل الحصول على 51 جنيها منه فوق سعرها المدعم، فضلا عن أنابيب صغيرة يتم تسربيها بالمخالفة للقانون لأصحاب المطاعم والمقاهي. إلى جانب البلطجية وجدنا مستجدا سياسيا أشبه بما كان يفعله رجال الحزب الوطنى الذى كان وهو محاولة الإخوان المسلمين اغتنام الفرصة لتحقيق المزيد من التواجد الخادع فى الشارع، حيث ينظمون الصفوف ويتابعون البيع ويمنعون الباعة الجائلين من الحصول على الانابيب. ما يقوم به الإخوان لا يأتى بثماره المرجوة منه لأن أصحاب المستودعات أذكى بكثير، والدليل أن وفداً من إخوان المنيب توجة لصاحب المستودع فرحب بهم بحرارة وأبلغهم عن موعد حضور السيارة ثم استأذن منهم وانزوى جانباً واتصل بالسائق «توقف ونم فى السيارة لحين الاتصال بك» بعدها اكتشف الإخوان «الملعوب» بعد تكرار نوم السائقين فى السيارات بتوجيهات من أصحاب المستودعات، فأستاجروا «توك توك» وعلقوا عليه ميكروفوناً وطلبوا من أهالى المنطقة عدم الرضوخ لاستغلال الباعة، وبدلا من تشجيعهم على شرائها بالسعر المدعم ال 4 جنيهات طلبوامنهم عدم دفع أكثر من 01 جنيهات فى الانبوبة!.