طوال جولات كتابة الدستور المصرى الجديد من خلال التأسيسية المعيبة وغير الشرعية، كنا نحارب نحن الناشطين النوبيين لتوصيل صوتنا لمن سيقوم بصياغة الدستور بأهمية النص على التعدد الثقافى للمجتمع المصرى كنص واضح وصريح، وذلك لحماية التعدد العرقى والدينى للمجتمع المصرى والاعتراف بالنتاج الثقافى لهذه العرقيات المختلفة ودورها فى إثراء الثقافة المصرية بمفهومنا القائم على أن ثقافات هذه العرقيات من بدو سيناء و مطروح والامازيغ والنوبيين، تمثل روافد للثقافة المصرية الأم لكل منها خصوصية تثرى وتتفاعل لتشكيل الثقافة المصرية وهويتها. ومن هذا المنطلق سنعترف جميعا بثقافات مجتمعنا المختلفة ونقبلها دون صراع، ونتفاعل معها ونتبادل التأثير والتأثر ونتناغم فى إطار الثقافة والهوية المصرية. ولكن شيئا من هذا لم يحدث، وتم الالتفاف حول هذا المطلب الذى توافقنا عليه مع أبناء سيناء والامازيغ ووقف أحد رموز تيار الإسلام السياسى فى جلسة على الهواء مباشرة رافضا المادة الدستورية، ومؤكدا أن الثقافة المصرية واحدة نافيا وبحسم هذا التنوع وأيده الحاضرون دون اعتراض ومر الدستور بكل عيوبه وعدم تحقيقه لآمال أبناء هذا الوطن. قد يرى البعض أن هذا المطلب ليس بالضرورة أو الأهمية، ونرد على هؤلاء بما حدث فى المعهد الأزهرى عندما سبت مدرسة الفقه الإسلامى الفتاة النوبية معايرة إياها بلونها وأن عليها أن تعود إلى السودان أو الصومال. أرى أنها حادثة كارثية، فموقف المدرسة ينم على عنصرية فجة تجاه فتاة مصرية سمراء اللون، فنحن لا نعترف بالآخر سواء اختلف عنا فى الدين أو العرق، بل وينم أيضا عن جهل شديد بالتركيبة المجتمعية والثقافية المصرية. وكنت قد تحدثت فى لجنة استماع بمجلس الشعب المنحل وطالبت بإضافة حظر التمييز على أساس اللون إلى جانب الدين والعرق إلى مادة دستورية عن المساواة وأيدنى فى ذلك رئيس اللجنة المستشار الخضيرى ولم يحدث شىء. فلم نعترف بالتعدد الثقافى للمصريين، ولم نمنع التمييز العنصرى بنص دستورى واضح وصريح ومحدد لأنواع التمييز، فتكون النتيجة ما حدث ويحدث باستمرار، فلا دستور يحظر هذه التصرفات ولا قانون ونتعامل كل مرة على أنها حالة فردية. يا سادة إنها كارثة ثقافية وليست مشكلة قانونية فقط وسنظل ندفع ثمن أخطاء لجنة الدستور ولن يعترفوا أبدا بالكارثة التى صنعوها فى حق هذا الوطن.