قررت أن أخوض غمار التأليف ،ولم لا فأنا أمتلك قلم باركر ليس له نظير ،والتأليف في هذه الأيام مهنة من لا مهنة له ،كما أنه يساهم في حل مشكلة الخبز لأن الكاتب الحاذق لن يضطر لأكل العيش ولكنه سيأكل بقلاوة ،أو جاتوه ،على حسب كلام الست ماري انطوانيت طيب الله ثراها ،يجب أن أكتب بلا مراء ولا جدال ،أيكتب عصام كامل وغيره من طائفة المؤلفين ويسكت أبو يكح الجوسقي إذا مت مغتاظا من عدم الكتابة فلا نزل الحبرُ على رأي الشاعر أبي فراس الحمداني . ولكن كيف أبدأ الكتابة ،أحيانا يبدأ الكاتب منا على أساس أنني من فصيلة الكُتَّاب كتابته بعبارة خالدة هي «مما لاشك فيه» ويوجد نوع من الكُتّاب وهم من فصيلة المحللين السياسيين يبدأ كتابته بكلمة «لاريب» أما النوع الكلاسيكي فيبدأ كتابته بعبارة موغلة في القدم ( بكسر الباء وفتح الدال ) هي عبارة «في الواقع» ولكن توجد طائفة أخرى من الذين يكتبون حينما تضطرهم مهنهم للكتابة فالمحامي يبدأ مذكرة دفاعه بعبارة «حضرات المستشارين المتهم بريء هذا إذا كان موكلا من قبل المتهم أو المتهم ذئب زنيم ومجرم أثيم هذا إذا كان موكلا من قبل المجني عليه « والمحاسب يبدأ كتابة الميزانية العمومية بعبارة «ميزانية مقدمة للضرائب ( وهي غير الميزانية التي يتم تقديمها للشركاء ) أما الطبيب فيبدأ كتابة تقريره الطبي بعبارة «حالة ميئوس منها وتحتاج إلى علاج في الخارج على نفقة الدولة» إذا كان المريض فنانا أو رياضيا أو رجل أعمال أو إخوانجي أو عبارة «حالة ميئوس منها وتحتاج إلى ترتيب إجراءات الدفن في مقابر الخفير» هذا إذا كان المواطن من محدودي أو مهدودي الدخل أو ليس عضوا في حزب الحرية والعدالة أما وزير الداخلية من هنا سندخل للسياسة فيبدأ الكتابة الصباحية بعبارة تاريخية هي عبارة « يحرر لهذا المواطن الليبرالي قرار اعتقال ثم نتحرى بعد ذلك لنعرف سبب الاعتقال أو «عبارة « يتم الإفراج عن المتهم لأنه تبع حازم صلاح أبو إسماعيل « أما الدكتور فتحي سرور ،عفوا أقصد الدكتور سعد الكتاتني أو صديقه الدكتور أحمد فهمي ،فيبدأ يومه بكتابة كلمة واحدة هي «مواااافقون» ( وهو حريص على مد الألف من باب تأكيد الموافقة ) ثم يسأل بعد ذلك سكرتيره الخاص قائلا : هو إحنا وافقنا على إيه ؟ أما وزير الصحة في وزارة هشام قنديل فيبدأ يومه بكتابة عبارة يلقيها دائما أمام المواطنين أثناء جولاته هي عبارة : إزي الصحة ؟إزي الحال ؟ طبعا فل وعال العال ، أما وزير المالية فيبدأ يومه بكتابة عبارة « يتم بيع المواطن المصري بالمزاد العلني لسد العجز في الموازنة « ثم يشرع الوزير بعد ذلك في بناء فيللته الجديدة ،أما الأخ متولي عبد المقصود وزير الإعلام الشهير بصلاااااااح فيبدأ يومه بكتابة عبارة « هذه المذيعة سخنة « ولكن وزير الثقافة يبدأ يومه بكتابة عبارة ( ) ملحوظة ،،،، اضطررت لترك مابين القوسين خاليا من الكتابة إذ اتضح لي أن وزير الثقافة لا يعرف الكتابة أصلا ،،،، انتهت الملحوظة ،أما وزير العدل فيبدأ يومه بكتابة عبارة « يتم إغلاق نادي القضاة والمحكمة الدستورية والقضاء الإداري وتشريد المعارضين وإحالتهم للإصلاحية « ( لاحظوا أنني لم أذكر ماذا يكتب محمد مرسي في بداية يومه... مكافأة مني لمن يستطيع معرفة هذا المكتوب والمكافأة عبارة عن شيك سيتم صرفه من البنك الأهلي بعد بيعه ) أما أنا أبو يكح الجوسقي العبد الفقير لله الذي جلس يصدع أدمغتكم بهذه المقالة أقول :إنني في لحظة صفاء وتجل أمسكت بالقلم وقررت أن أكتب رواية سميتها ( شيك من الخوف ) وها أنا ذا سأحكي لكم قصة هذه الرواية المبدعة التي عجزت أقلام الكتاب عن الإتيان بمثلها ، رواية «شيك من الخوف» تدور أحداثها حول طبيعة الاستبداد ووسائله ،وطبيعة شخصية المستبد ،أظن الكلام المكتوب آنفا هو من نوعية الكلام الكبير الذي يجب أن يبدأ به أي كاتب روايته ، وقد وضعت في روايتي التي أنا كتبتها لا أحد غيري وضعت تشخيصا لنفسية المستبد من خلال عتريس بن العمدة الذي كان ذات يوم طفلا غضا غريرا بريئا يحمل قلبا مفعما بالحب والمشاعر الإنسانية الطيبة ،ويا سبحان الله خالق الخلق وزارع الحب في القلب ،أحب الفتى عتريس فؤادة التي ملكت فؤاده ،لكن والد الفتى (العُمدة الأب) كان قد جل على الظلم والقسوة والاستبداد ،مثله مثل أي رئيس يحكمنا ،كان الأب المستبد يقود الفلاحين بالعصا والقهر ومسكونٌ بهاجس من سيرث العمودية من بعده ،فلا يجد غير ولده ،وطبعا من ظروف القصة سنعرف أن التوريث للابن الشرعي فشل ،لكن هناك ابن غير شرعي للعمدة يحب الطيور والحمام خصوصا حمامة اسمها «طائر النهضة» بتعلو في السما ،ولها ذيل يحركها يمينا ويسارا ،ولكن هل يصح للحكم في عرف المستبد حاكم يحب الحمام ؟ كان أول ما فكر فيه العُمدة الأب هو كيف يغير من طبيعة شخصية ذلك الابن البريء وكيف يجعله صاحب نفسية مستبدة عنيفة ؟ كان الحل هو أن يستنفر من داخل هذا الابن العنف الكامن في نفسيته ،كان الأب يدرك أنه في داخل كل إنسان يسكن مستبد صغير في أعماقه ينتظر لحظة سانحة يظهر فيها كي يمارس استبداده ،فقام بحبس الابن الصغير في أوضة الفئران أحيانا ،وفي عشة الفراخ أحيانا أخرى ،ثم قام الأب الديكتاتور بنزع الحَمامة من يد الابن غير الشرعي ثم ذبحها بالسكين بقسوة ورماها مضرجةً بالدم على وجه الفتى البريء، كأنما يقول له ( إن خليفتي من بعدي لا ينفع أن يكون في مثل حبكَ للحَمام) . ويشب عتريس الصغير ويشب معه حبه لرفيقة صباه (فؤادة) التي أطلق عليها كعادة أهل الريف «الجماعة» لكن عتريس اليوم لم يعد ببراءة الأمس ،فقد مات الأب وذهب أدراج الرياح وأصبح عتريس هو العمدة الشاب من بعد أبيه ،أصبح عمدة وقد قتلتْ البراءة بداخله وصار شخصاً آخر وعتريساً آخر، يسلك مسلك أبيه في القسوة على الفلاحين وممارسة كل أصناف التخويف والظلم والبطش عليهم ،أرهبهم، وداس رجاله بحوافر الخيل على أكواخ الفلاحين الضعفاء والغلابة ،الاستبداد ينتشر في القرية ورجال القرية وأعيانها خضعوا للعمدة الجديد وخالفوا ضمائرهم وتركوا العمدة يأكل أقوات أهل القرية ويهد أركانها ويبدد أراضيها لمصلحة «الجماعة» وفؤادة تشجعه على ظلمه ،ولا يوجد في القرية إلا مجموعة صغيرة من الأحرار هي التي حاربت ظلم واستبداد وتزوير عتريس . يتصدى الأحرار لعتريس وجماعته فؤادة بعد أن خاف منه كل الفلاحين ،ولما لم يستطع عتريس قتل الأحرار قرر أن يتحاور معهم بشرط أن يسمعوا الكلام وينفذوا التعليمات وإلا فلا حوار ولا يحزنون ، ولكن الفلاحين ذات يوم غريب خرجوا من بيوتهم وهم يهتفون ( حوار عتريس مع الأحرار باطل ،حوار عتريس مع الأحرار باطل ) ثم أخذت كلمة باطل تتكرر وتتكرر وتصاحبها موسيقى مرعبة ،ففر عتريس ،كُتبتْ هذه العبارة على الجدران، أول من كتبها (الشيخ ابراهيم) إمام مسجد القرية ،وللعلم كان هذا الشيخ ملحدا وفقا لمفهوم عتريس لأنه ليبرالي ولذلك كان يصلي بالناس في مسجد الملحدين ،قال الشيخ إبراهيم الملحد للمصلين الملحدين: إن الملحد الحق لا يسكت عن الظلم ،وصاح في الفلاحين الملحدين ،ثوروا على الظلم ،وبعد ذلك قام رجال عتريس بقتل عريس اسمه الحسيني أبو ضيف زينة شباب الفلاحين الملحدين وولد(الشيخ الملحد ابراهيم) ليرهب الشيخ عن قولة الحق في المسجد الليبرالي ،فر عتريس خائفا مذعورا أمام غضبة الفلاحين ،ولكن أحد الشطار الذين كانوا مع عتريس واسمه أبو جهل الشاطر أراد أن يتزوج من فتاة شامية تسكن في القرية ولكنه كان كبيرا عنها وظن أنه عتريس أو في قوته فخرج للفلاحين وهو يقول « أنا ستين عتريس في بعض « . انتهت القصة لكن أحب أقول لكم :إن هذه القصة اقتبسها مني بعد أن كتبتها منذ أيام كاتب قديم اسمه ثروت أباظة حيث كتبها من خمسين سنة وقام أحد المخرجين بإخراجها للسينما فإذا وجدتم أي تشابه فاعلموا أن قصتي هي الأصلية ... أصلية يا لورد .