يقام في العاصمة الروسية معرض عن الزعيم السوفيتي السابق يوري أندروبوف الذي ترأس جهاز الاستخبارات "كاي جي بي" لفترة طويلة في الحقبة السوفييتية واشتهر بقمعه الشرس للمعارضين، والذي يعتبره الرئيس فلاديمير بوتين "شخصا موهوبا"، بالتزامن مع عرض أفلام عنه على الشاشات الروسية. ولدى افتتاح المعرض قبل أيام، وجه بوتين تحية إلى هذا الرجل الذي شغل منصب الأمين العام للحزب الشيوعي، واصفا إياه بالشخص "الموهوب الذي كان يتمتع بقدرات كبيرة جدا". وأقيم هذا المعرض بمناسبة الذكرى المئوية لولادة أندروبوف، وهو توفي في العام 1984. واشتهر أندروبوف بإرسال بعض المعارضين السياسيين إلى مصحات عقلية، مثل الشاعرة ناتاليا غوربان جوربانيفسكايا، وليونيد بليوشتش، والجنرال بيترو جريجورنكو، والشاعر يوري جالانسكوف الذي توفي في سن الثالثة والثلاثين، وفلاديمير شيلكوف. ويستمر المعرض حتى شهر أغسطس، وهو يقدم للجمهور وثائق رسمية دون أي تعليق عليها. وقد زينت الجدران بالأقوال المنقولة عن اندروبوف التي تندد بأجهزة الاستخبارات "الإمبريالية"، و"عملياتها المخربة"، في جو يعيد إلى الأذهان حقبة الدعاية السوفييتية إبان الحرب الباردة. ورغم أن الهدف من المعرض هو تكريم أندروبوف، إلا أن بعض المعروضات تبدو صادمة. ومن هذه المعروضات رسالة بعثها في العام 1951 إلى السلطات السوفياتية العليا يطلب فيها الإذن بتهجير مزارعين ليتوانيين من أراضيهم بعدما أفلتوا من موجة أولى من الاعتقالات. وخصص جزء من المعرض لدوره المهم في قمع الثورة المعادية للشيوعية في بودابست العام 1956، والتي سحقتها الدبابات السوفييتية. وفي تلك الآونة كان أندروبوف يشغل منصب سفير موسكو في المجر. والمرحلة الأهم من حياة أندروبوف هي تلك التي تولى فيها قيادة جهاز الاستخبارات السوفييتية بين العامين 1967 و1982، في عهد ليونيد بريجنيف. وتظهر وثائق وقع عليها أندروبوف تتعلق بالمعارض يوري أورلوف وآخرين كيف أن جهاز "كاي جي بي" كان يقرر مسبقا العقوبة التي يصدرها القضاء على المعارضين. وتظهر تقارير معروضة كان اندروبوف رفعها إلى السلطات السوفييتية العليا الرقابة المشددة المفروضة على الكاتب ألكسندر سولجينيتسين، والأكاديمي المعارض أندري ساخاروف، بسبب "انشطتهما المعادية للاتحاد السوفياتي". لكن القيمين على المعرض لم يشاءوا الغوص في الزوايا الأكثر سوادا من تاريخ اندروبوف، ولاسيما ما عرف عنه من إرسال المعارضين السياسيين إلى معسكرات الاعتقال سنوات طوال، أو تحويلهم إلى مصحات نفسية عوملوا فيها على أنهم مضطربون عقليا. وتشير وثائق معروضة إلى القلق الذي اعترى جهاز الاستخبارات بعد تسرب مذكرات نيكيتا خروتشوف سرا إلى الغرب والتي قدمت أحيانا رواية للتاريخ تختلف عن تلك التي يتبناها الكرملين. واقترح أندروبوف إجراء عملية تفتيش سرية لأغراض الزعيم السابق الذي اطاح به بريجينيف، بحثا عن وثائق ذات صلة لإخفائها. ومن المقتنيات المعروضة أيضا اسطوانة لفرقة الجاز الاميركية "تكساس جاز لاب باند"، وهي معلقة بين وثيقتين معروضتين، وهو ما يؤكد ما كان معروفا عنه من ولعه بهذه الفرقة رغم عدائه لقيم الغرب وأسلوب الحياة فيه. وإضافة إلى هذا المعرض، تحيي روسيا الذكرى المئوية لأندروبوف بعرض أفلام عنه و"إنجازاته". وتظهره هذه الأفلام مثاليا ودبلوماسيا وقريبا من المثقفين، وشاعرا ومصلحا وذا حياة متقشفة. لكن في نظر منظمة ميموريال الحقوقية فان اندروبوف "كان جلادا سوفياتيا نموذجيا انتهك حقوق الإنسان، وترأس جهازا قمع الأشخاص الأكثر تميزا في بلدنا". ويندرج تكريم أندروبوف في إطار برنامج إحياء التراث السوفياتي الذي يعتمده بوتين منذ وصوله إلى الكرملين في العام 2000، وقد تصاعدت وتيرة هذا التوجه في السنوات القليلة الماضية.