قال الكاتب الإنجليزي جدعون راخمان، إن اندلاع أي أزمة دولية يثير تلقائيا لدى الغرب سؤالين: ما ينبغي أن نفعل؟ ومَن هم حلفاؤنا الطيبون؟. وأسقط «راخمان» في مقال نشرته صحيفة الفاينانشيال تايمز الإثنين، على الأوضاع في العراق، قائلا إنه ليس ثمة حلفاء طيبون في هذه الأزمة ولا تتوافر خيارات سياسية مقنعة..الارتباك سيد الموقف، مما يستلزم انتهاج سياسة واقعية متواضعة تحكمها الأولويات. ورصد «راخمان» سقوط الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية، في أيدي تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام «داعش» وزحفه صوب العاصمة بغداد، ونوّه عن اعتراف تنظيم القاعدة بأن داعش أكثر تطرفا ودموية منه، وقال «راخمان» إن حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، رغم كل ما تؤاخذ عليه من عيوب وطائفية، أفضل بكثير من تنظيم داعش. ولفت إلى أن أقرب حلفاء المالكي بالمنطقة هو إيران، التي لا يزال ينظر إليها الغرب بمثابة خطر إستراتيجي في الشرق الأوسط، أما عندما يتعلق الأمر بسوريا، فإن مصالح كل من الغرب وداعش تتقابل في الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد. وتساءل الكاتب قائلا «إذا كانت هزيمة داعش هي هدف الغرب الأساسي في الوقت الراهن، فهل يعني ذلك ضرورة التعاون مع الحكومة السورية ومن ورائها إيران وروسيا؟». ونوه «راخمان»، عن انعقاد مباحثات مباشرة في الوقت الراهن بين الولاياتالمتحدةوإيران حول العراق، رغم استمرار اختلاف الغرب مع إيران بسبب برنامجها النووي، كما رصد الكاتب الانجليزي تدهور العلاقات بين أمريكا وروسيا إلى أسوأ مستوياتها منذ سنوات، على خلفية الأزمة الأوكرانية. ورجح صاحب المقال أن تعمد الحكومات الغربية على مضض، بدافع من الأمن الوطني، إلى انتهاج سياسة تفضّل استمرار حكم الأسد في سوريا باعتباره أهون الشيرين؛ فبرغم كل خطايا هذا النظام إلا أنه لم يستهدف الغرب بشكل مباشر في يوم من الأيام، واستدرك راخمان قائلا «لكن الأسد هو الآخر ملطخ بالدماء على نحو يشوه صورة الغرب إذا تعامل معه». ورأى الكاتب أن الليبرالية بمفهومها الصحيح تستلزم من الغرب مساعدة القوات الليبرالية التي تحارب كلا من الأسد وداعش بالتزامن، وقال إنه مما لا شك فيه أن ثمة أناسا لا تنقصهم الشجاعة في صفوف المعارضة السورية، لكن الاعتماد عليهم والثقة في تحسّن الأمور يعني مجازفة كبرى من جانب الغرب، لا سيما وأن كافة الأدلة والشواهد تشير إلى انعدام فرصة وصول القوى الليبرالية إلى سُدّة الحكم في الشرق الأوسط، وأشار «راخمان» في هذا الصدد إلى اختفاء الليبراليين المتأثرين بالفكر الغربي حتى بعد سقوط الأنظمة الديكتاتورية في كل من العراق وليبيا ومصر. وأوضح «راخمان»، أن كلا الفريقين: الداعي إلى التدخل العسكري الغربي في الصراع، والرافض لهذا التدخل يستندان في توجههما إلى التاريخ الحديث؛ ذلك أن التدخل الغربي بقيادة أمريكا في العراق عام 2003 أسفر عن تمزق العراق وتركه ساحة لفوضى دامية أبطالها المتطرفون، وعلى الجانب الآخر، أسفر عدم تدخل الغرب عسكريا في سوريا عن المصير نفسه الذي آل إليه العراق بعد التدخل. ورأى صاحب المقال أن السياسة التي يتعين على الغرب انتهاجها إزاء الشرق الأوسط بمعطياته الراهنة لابد أن ترتكز على ثلاثة محاور: المصلحة الوطنية، والدافع الإنساني، والتواضع الذي تفرضه التجربة. وبدأ «راخمان»، بالمصلحة قائلا إن الهدف الغربي الآن يتعين أن يكون هزيمة المتطرفين المسلحين، وأن الدافع الإنساني يدعو إلى التصدي للعنف المنتشر في العراقوسوريا والذي خلف عشرات الآلاف من الضحايا، ولحسن الحظ يتفق هذان الهدفان مع مكافحة الإرهاب. ولكن الدافع الإنساني ذاته يستوجب من الغرب التزام الحذر عند الحديث عن التدخل العسكري بحيث لا يكتفي بالإسفار عن زيادة معدلات الوفيات ومزيد من الاضطراب بالمنطقة. أما عن المحور الثالث لهذه السياسة بحسب راخمان وهو التواضع، فإن العشْر سنوات الماضية في الشرق الأوسط تشهد بأنه إذا كانت القوات العسكرية الغربية قادرة على إحراز انتصارات سريعة في ساحات المعارك، إلا أن هذه القوات لديها سجل سيئ فيما يتعلق بتأمين نتائج سياسية مقبولة.