السيسي: مصر دار الأمن والاستقرار ولدينا 10 ملايين شخص من بلاد كثيرة    السيسي يلقي كلمة مهمة للمصريين، بعد قليل    محافظ الفيوم يهنئ رئيس مجلس الوزراء بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو    بالفيديو.. أستاذ تاريخ حديث: طرد الاحتلال البريطاني أعظم إنجاز لثورة يوليو    بدء خطة إطلاق منصة بين مصر والكويت لتوفير فرص عمل مباشرة    صفقة التعريفات الأكبر، كيف اتفقت واشنطن وطوكيو بعد 7 جولات فاشلة؟ وهذه أبرز المكاسب الاقتصادية للبلدين    اعتذاره مرفوض والأيام دول، سيد عبد الحفيظ يشن هجوما ناريا على وسام أبو علي (فيديو)    حالة المرور اليوم، تحذير للسائقين من كثافة خانقة بهذه المحاور والكباري بالقاهرة والجيزة    الطالبة سمية السيد: "مكنتش مصدقة أطلع الأولى على الثانوية العامة ودا رزق ربنا".. فيديو    «100 يوم صحة» تقدم 10 ملايين و871 ألف خدمة مجانية خلال 7 أيام    الأهلي السعودي يشارك رسميًا في كأس السوبر بدلًا من الهلال    الكنيسة الأرثوذكسية تُهني الرئيس والشعب بذكرى 23 يوليو    فيديو.. متحدث الحكومة: حريصون على إقامة حفل افتتاح المتحف المصري الكبير هذا العام    تفاصيل اتفاق الصفاقسي مع معلول    رئيس هيئة الرقابة الصحية من مطروح: تحقيق جودة الخدمات يعتمد بالأساس على تأهيل الكوادر البشرية (تفاصيل)    بكام طن الشعير؟.. أسعار الأرز اليوم الأربعاء 23 -7-2025 في أسواق الشرقية    ننشر نص كلمة الرئيس السيسى بمناسبة الاحتفال بالذكرى 73 لثورة 23 يوليو المجيدة    البث العبرية: واشنطن تهدد حماس بسحب الضمانات بشأن اتفاق غزة    استشهاد 14 فلسطينيًا خلال غارات للاحتلال على قطاع غزة منذ فجر اليوم    بزشكيان: إنهاء البرنامج النووي الإيراني وهم.. ومستعدون لضرب عمق الأراضي المحتلة من جديد    علاقات إسرائيل وأوكرانيا.. دعم دبلوماسي وتحفظ عسكري    توافد المواطنين على ضريح الزعيم جمال عبد الناصر لإحياء ذكرى ثورة 23 يوليو    تنسيق الثانوية العامة 2025.. مؤشرات كليات الطب الجامعات الحكومية جميع المحافظات    انخفاض أسعار البيض اليوم الأربعاء بالأسواق (موقع رسمي)    مرتضى منصور لحسن شحاتة: للأسف أنا مسافر ومنعزل عن العالم    أسعار الذهب في مصر اليوم الأربعاء 23 يوليو 2025    بالأسماء.. إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم سيارة أجرة بعمود إنارة بأسوان    بيان صحفي مشترك من وزارتي التربية والتعليم والتعليم الفني والتعليم العالي والبحث العلمي    أخبار الطقس في السعودية اليوم الأربعاء 23 يوليو    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الأربعاء    وزير الصناعة والنقل يشارك في الملتقى الاستثماري المصري الكويتي    محمد عبد الحافظ ناصف مستشارًا للشؤون الفنية والثقافية بالهيئة العامة لقصور الثقافة    شمال سيناء تواصل عروضها التراثية بمهرجان جرش في الأردن    توصيل خطوط مياه الشرب للتجمعات البدوية المحرومة بسانت كاترين    البنك الزراعي المصري يبحث تعزيز التعاون مع اتحاد نقابات جنوب إفريقيا    الوداد يتحرك لضم يحيى عطية الله من سوتشي الروسي    رئيس وزراء اليابان: دراسة تفاصيل الاتفاقية التجارية مع أمريكا بدقة    المرور اليوم.. كثافات مرتفعة بشوارع وميادين القاهرة والجيزة    دار الإفتاء المصرية توضح حكم تشريح جثة الميت    رئيس اتحاد شمال إفريقيا للخماسي يكرم الطالبة وسام بكري الأولى على الجمهورية (دمج) ب 100 ألف جنيه    وزير الخارجية يتوجه إلى النيجر في المحطة الثالثة من جولته بغرب إفريقيا    «الصحة»: «100 يوم صحة» تقدم 10 ملايين و871 ألف خدمة طبية مجانية خلال 7 أيام    حريق يلتهم محلين تجاريين وشقة في أسيوط    50 % حسمت الأمر.. 10 فنانين حصلوا على الثانوية العامة بعد معاناة من النتيجة والرسوب    مجلس الأمن يعتمد قرارا لحل النزاعات بالطرق السلمية    «يكرموه».. رد ساخر من أيمن عبدالعزيز بشأن تصرف الزمالك مع أحمد فتوح    حمزة نمرة يطرح اليوم الدفعة الأولى من ألبومه "قرار شخصي"    تظلمات نتيجة الثانوية العامة 2025 «الخطوات والرسوم والمواعيد الرسمية»    بانوراما أيامنا الحلوة تجسّد مشاعر الحنين إلى الماضي على المسرح المكشوف بالأوبرا    فيروس شيكونجونيا.. ما هو وباء البعوض الذي حذرت منه منظمة الصحة العالمية ويهدد 5 مليارات شخص؟    مشكلة قديمة عادت للظهور.. حظ برج الدلو اليوم 23 يوليو    «الأهلي بياخد الدوري كل أثنين وخميس».. نجم الزمالك السابق يتغنى ب مجلس الخطيب    منها السبانخ والكرنب.. أهم الأطعمة المفيدة لصحة القلب    درس حصوله على الجنسية المصرية.. شوبير يكشف مفاجأة بشأن وسام أبو علي    ما هي كفارة اليمين؟.. أمين الفتوى يجيب    هل يجوز الوضوء مع ارتداء الخواتم؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    أدعية لطلاب الثانوية العامة قبل النتيجة من الشيخ أحمد خليل    حملة دعم حفظة القرآن الكريم.. بيت الزكاة والصدقات يصل المنوفية لدعم 5400 طفل من حفظة كتاب الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تسليم مفتاح الحرية
نشر في التحرير يوم 13 - 12 - 2011

تخيل نفسك مواطنا كادحا بسيطا تستمع إلى شخص يعاونك على حل مشكلاتك الحياتية ويخبرك أن المدافعين عن الحريات الشخصية كفار يؤيدون الانحلال وشرب الخمر، بينما يأتيك شخص آخر لا يقدم إليك أى عون ليخبرك بكلمات كبيرة طنانة أن نزع الحريات الشخصية يؤدى بالضرورة إلى تكميم الأفواه وقمع المعارضة ضد نظام الحكم، لأن معاملة البشر كأنهم قطيع متمرد يساق إلى الجنة بالكرباج هو بداية الطريق إلى الديكتاتورية، وأن من يقبل التخلى عن حريته الشخصية خوفا من عصا المطوِّع لن يتجاسر على المطالبة بحريته السياسية فى مواجهة سيف الحاكم. قل لى بالله عليك من ستصدق منهما؟ أترك الإجابة لك.
لا شك أن بناء دولة مدنية تؤمن بالحريات الاجتماعية والسياسية على أنقاض دولة سلطوية تعانى غالبية سكانها من الفقر والأمية، لا يتحقق بكلمات كبيرة طنانة تقال على ألسنة المثقفين والكتاب عن حرية الرأى، والاعتقاد، والمساواة وحقوق المواطنة الكاملة، لأن تحقيق ذلك الهدف فى دولة حديثة العهد بالديمقراطية أمر يحتاج إلى دعم من جماهير لن تدافع عن تلك الأفكار إلا عندما تتأكد من أن منعها على يد سلطة دينية أو عسكرية سيؤدى إلى خسارتهم كفقراء لمصالح مادية تزيد من معاناتهم على أرض الواقع، وهو أمر ليس له أى نصيب من الصحة فى حالتنا المصرية الراهنة. فمن المؤكد أن التيارات المصرية المدافعة عن مدنية الدولة لم تقدم طوال عقود متتالية سوى القليل من الخدمات الاجتماعية والكثير من الكلمات الرنانة التى لا تهم البسطاء الذين لن يمنحوها بالقطع تأييدا شعبيا لقيادة سفينة الوطن، رغم أنهم قد يشيدون بتضحيات تلك التيارات التى دفع كثير ممن ينتمون إليها ثمنا باهظا من حياتهم وحريتهم وصحتهم ولقمة عيشهم خلال رحلة دفاعهم عن مبادئهم. والقائمة طويلة لا تبدأ بنبيل الهلالى محامى المستضعفين، وفؤاد حداد مسحراتى الوطن الصارخ فى وجه الطغيان، ولم ولن تنتهى بشباب ثورة يناير المناضلين الذين فقدوا حياتهم ونور عيونهم وحريتهم أمام محاكم عسكرية تفتقر إلى أدنى شروط العدالة. كلهم مناضلون يحترمهم البسطاء، لكنهم ينظرون إليهم بحذر ككائنات مثابرة أتت من المريخ! هزيمة التيارات المدنية فى صندوق الانتخابات لا ينبغى أن تثير اليأس، ولا يجب أيضا أن يتم تعليقها ببساطة وسطحية على شماعة الفقر والجهل بدلا من النزول إلى الشارع والبدء فى مساعدة الناس لتحسين أحوالهم المعيشية الصعبة بالتزامن مع توعيتهم بأن قبولهم لتقليص مساحة حرياتهم خدعة غرضها أن يخضعوا إلى قهر السلطة ويسلموا أمرهم إلى قيادة مستبدة تحتكر الصواب، وترفض مناقشة آرائها التى قد لا تصمد أمام الرأى الآخر فى مناخ يحتكم إلى الديمقراطية التى ترفضها تلك التيارات لأنها ملزمة، بينما تقبل بالشورى لأنها اختيارية. هذه قضايا فكرية تنهار على أرض الواقع بنفخة من أفواه من يقدمون الخبز والعلاج والخدمات. ألم يقل الأقدمون عض قلبى ولا تعض رغيفى؟ وتفسيرها: خذ حريتى وأعطنى حلولا لمشكلاتى الاجتماعية، حتى إن كانت حلولا وقتية. ما أسهل أن يقول المثقف الثورى لمواطن عانى الظلم والتهميش طوال حياته: استمر فى معاناتك ولا تتنازل عن حريتك لأنها المدخل الحقيقى لعدالة اجتماعية مستقرة تستند إلى ديمقراطية تمنحك حق الاختيار بين بدائل متعددة؟! هذا كلام فلسفى لا يعد بحل قريب. قل ما تشاء من ذلك الكلام الكبير، سيستمع الجائع المكدود لك بينما يسلم رقبته إلى أقرب طوق يضعه حول عنقه من يمسك برغيف يسد جوعه. ما أطرحه ليس رفضا لاختيار الشعب أو تعاليا عليه. التعالى الحقيقى على الشعب هو أن تعامله مختلف التيارات كقطيع يساق بالعصا، وتتهمه بأنه لا يفهم دينه أو مصلحته وتفرض وصايتها عليه، بينما تنافقه وتتغنى بحكمته! تسليم مفتاح الحرية مبادلة تتم بين محتاج إلى لقمة وطامع فى ديكتاتورية. السلطة الدينية مثلا تحتكر الصواب رغم أن الدين فرِقُ وشيعُ تعتقد كل منها أنها الفرقة الناجية وتتقاتل مع غيرها لكى تنتصر لتفسيرها المذهبى الخاص منذ أربعة عشر قرنا حتى كتابة هذه السطور! الحريات حائط الصد الوحيد ضد ديكتاتورية ترتدى ثوب الدين أو رداء الحكم العسكرى، لذا فدائما ما تتم محاولة سحقها. انظر إلى الخوف من حرية الفكر الذى يدفع محتكرى الحكمة على اختلافهم إلى عدم مناقشة الآراء والاكتفاء بتحريض أنصارهم لمهاجمة من يطرحون أفكارا مغايرة، وشخصنة الخلافات الفكرية بدلا من محاولة الرد عليها بموضوعية وأدب. راجع سلسلة اتهامات شيوخ الفضائيات واللواءات والخبراء الاستراتيجيين لمعارضيهم واتهامهم بالماسونية والعمالة بلا دليل، واقرأ التعليقات التى لا حصر لها على مختلف مقالات الرأى، لتجد أن أغلبها يهدف إلى ردع الفكر الآخر بالإهانة، حتى إن التزم صاحبه بالهدوء والموضوعية. ببساطة يتم سحق الحرية لتسود ثقافة القطيع باستخدام الأكاذيب وكلاب الحراسة التى تعقر من يحاول اتخاذ مسار مختلف. ليست صدفة إذن أن كل النظم القمعية المستبدة تحتقر الفكر والفن والحريات وتفرض عليها التحريم. أباطرة الحزب الشيوعى السوفيتى السابق قمعوا حرية الفكر والفن، وضاقوا بانتقادات ماياكوفسكى شاعر الثورة الروسية العظيم، ودفعوه إلى الانتحار بعدما هاجم بقصائده بيروقراطيتهم وضيق أفقهم. لا تتعجب إذن عندما ترى النظم المستبدة المختلفة عبر التاريخ وهى ترتعد أمام الأدب والفكر والغناء والحريات، لأنها مصابيح تنير ظلام العقول والأرواح، وربما تنشر التمرد بين الحشود وتخرجها عن هرولتها العمياء خلف محتكرى الحكمة، الذين لا يريدون لأحد أن ينافسهم على القيادة، حتى لو كانوا يتجهون بالمهرولين خلفهم إلى الهاوية.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.