مخطئ فى ظنى من يعتقد أن مشكلات البرلمان الجديد ستنحصر فى فزاعة السلفيين أصحاب «الفانوس» أو الإخوان أصحاب «الميزان»، وأن خلاص مصر ودخول جنة الديمقراطية لن يكون إلا فى إعاقتهما عن تحقيق أغلبية كاسحة فى مجلس الشعب القادم.. هؤلاء الذين انشغلوا طوال الأيام الماضية بالولولة والنحيب على مصير الثورة ممن ينظرون تحت أقدامهم قد يكونون أخطر على الثورة إذا لم يدركوا سريعا أن عامل الأغلبية لن يكون وحده المتحكم فى قرارات ومناقشات البرلمان الجديد.. حتما ولا بد ستظهر نغمة أصابع الطرف الثالث الشرير التى صدرتها «الداخلية» و«العسكرى» إلى الشعب فى أزمات الأشهر الماضية.. تلك الأصابع «المعلومة- المجهولة» التى لا هم لها سوى إزاحة القوى الوطنية والثورية من الصورة، لانفراد القوى العسكرية بالكادر الشعبى. ليس من المستبعد ظهور تلك الأصابع فى جلسة البرلمان الأولى باصطناع خلاف حول تقسيم تورتة المناصب البرلمانية بين أصحاب الفانوس والميزان لينشغل به الرأى العام لأسابيع.. الصراع قد لا يكون على رئاسة المجلس الذى يبدو محسوما حتى الآن لصالح المستشار الخضيرى، إنْ لم يَجِد جديد يرى معه الإخوان أن الدكتور عصام العريان قيادى الجماعة البارز أو الكتاتنى أوغيرهما من نواب «الميزان» أكثر استحقاقا من الخضيرى لقيادة البرلمان.. وإن كنت أعتقد أن ذكاء الإخوان السياسى سيجعلهم بلا شك يبتعدون عن ذلك المنزلق، مؤجلين طموحاتهم السلطاوية إلى مرحلة لاحقة، مكتفين بمنصب الوكيل الأول للبرلمان ورئاسة عدد من اللجان فى مقدمتها لجنة التشريع والأمن القومى. رمانة الميزان التى سيحاول الإخوان إمساك دفتيها بأغلبيتهم الواضحة، ستصطدم بطموحات أصحاب «الفانوس» الذين لا يخفى على أحدٍ تعطشهم للسلطة، واندفاعهم المفتقد لأدنى خبرة سياسية تؤهلهم أصلا للوجود فى البرلمان، وهو ما سيسهل على «الطرف الشرير إشعال الخلافات الدائمة بين قطبى البرلمان الرئيسيين، بما يعيق البرلمان عن هدفه الأساسى فى إصدار التشريعات واستكمال الخطوات اللازمة لنقل السلطة إلى إدارة مدنية»، لن ينسى ذلك الطرف جر المعارضة المدنية المتناثرة داخل البرلمان إلى الانغماس فى قضايا فرعية وشكلية يستكملون من خلالها معاركهم الانتخابية مع التيارات الإسلامية المسيطرة على البرلمان.. لنصل فى النهاية إلى مخطط سيناريو مارس 1954.. لكن بنيولوك يتناسب مع 2011 تظهر فيه الكتل السياسية المتنافرة داخل البرلمان وخارجه عاجزة عن قيادة البلد، ومنغمسة حتى النخاع فى حساباتها الخاصة، وهو ما سيتلقفه سدنة وحوارىِّ المجلس العسكرى فى الإعلام «حكومى وخاص» ويحولونه إلى حرب نفسية منظمة ومدروسة الخطوات لإحباط المصريين وإفقادهم الأمل فى الثورة والإصلاح، واستعدائهم ضد النخبة المؤمنة بها.. ولأن «الزن على الودان أمرّ من السحر» -كما يقولون- فإن بث تفاصيل خناقات البرلمان الزاعقة، مع الأخبار المشؤومة الناتجة عن التواطؤ أو الدلع الأمنى -سَمِّه كما شئت- سينتج فى النهاية الكثير من ميادين العباسية التى لن يقف فيها حينذاك المنافقون والمنتفعون والمرضى النفسيون وحدهم، بل سينضم إليهم المتضررون من الأوضاع المتأزمة والخائفون من الغد لينادوا بحكم الجنرالات الدائم. أكاد أرى حينها «هيروا» البطل المخلص الذى يخرج من بين مجلس الجنرالات، ملبيا رغبة الشعب ليقود ثورة تصحيح جديدة على طريقة ثورة تصحيح عبد الناصر، يتخلص فيها من منافسيه، وسط تصفيق شعبى لا يدرك أنه فقد فرصته التاريخية للانتقال من حكم الفرعون الفرد إلى حكم مدنى يقول الشعب فيه كلمته وتنحنى جباه حكامه احتراما لرغبته. من أجل أن لا نرى ذلك اليوم الذى نسير إليه بخطى سريعة.. وحتى لا نقع فى الفخ المنصوب منذ يوم 11 فبراير.. علينا التخلص من فوبيا «الفانوس» و«الميزان» وعلى تلك القوى المتصارعة على حلبة البرلمان وضع يدها فى يد الإخوان، لإمساك لجام مندوبى «الفانوس» وإجهاض مخطط الطرف الثالث.