إلى كل من انزعج مما كتبت اليومين الماضيين أقول أنا لست طبيبة نفسية، ولا أعتبر أن مسؤليتى ككاتبة صحفية أن أمنح القراء مزاجا رائقا، لذلك أكتب ما يعبر عنى فقط. أحيانا تكون الكتابة سهلة وسلسة، وأحيانا تكون مضطربة وحائرة، وأحيانا حزينة، وأحيانا مضحكة. وأنت ونصيبك. اليوم قررت أن أحكى لكم حكاية مضحكة حدثت لى الأسبوع الماضى وسط ألم الرصاص وخنقة الغازات. لكنها الحياه التى لا تقبل إلا أن تكون جميلة رغم أنف الجميع. الحكاية بدأت عندما قامت زميلة لى بإطلاق دعوة على الفيسبوك لنتجمع كأمهات وننطلق من ميدان التحرير إلى شارع محمد محمود، لكى نصنع حاجزا بشريا بين قوات الأمن وأبنائنا الذين يتساقطون بأعداد رهيبة يوميا، وبشكل أصبح لا يمكن لأى إنسان عنده بقايا ضمير أن يحتمله. ثم اتصلت بى زميلة شابة لتؤكد نفس الدعوة وتدعونى بشكل شخصى بعد أن لاحظت أننى أرغب فى فعل أى شىء يناسب قدراتى لحماية أبنائى. التقينا فى ميدان التحرير مجموعة من السيدات نتناقش فى كيفية تنفيذ الدعوة، وكنت أعتقد أن نوافق جميعا على قيادة الشابة التى بذلت جهدا كبيرا فى الاتصالات وجمعتنا «اسمها منى» طالت المناقشات بيننا، وأخيرا اتفقنا على أن نتحرك فى الميدان باللافتات التى أعدتها واحدة منا، مكتوب عليها درع نسائى بشرى لحماية الميدان. وندعو إلى موعد فى اليوم التالى نعلن عنه فى وسائل الإعلام، ويتجمع معنا أعداد أكبر وندخل شارع محمد محمود بشرط أن يحدث هذا فى النهار وتحت نظر وسمع الإعلام. اتفقنا أن هدفنا ليس أن ننتحر ولا أن نشارك فى المعركه وإنما هدفنا أن تتوقف المذبحة. بعد أن بدأنا نتحرك انضمت إلينا أعداد كبيرة، لا نعرفها ولا تعرف ما اتفقنا عليه، وعند هذا الحد لم تعد منى تتمكن من لعب دور القائدة، ربما لصغر سنها ولإصرار المسنات منّا- ومنهن أنا نفسى- على فرض رأينا عليها، فقررنا أن تكون القائدة زميلة أكبر من مُنى اسمها نور، وهى أكثرنا خبرة بالتظاهر والهتاف والقيادة. واتفقنا على أن تكون المتحدثة باسمنا وعلى أن نترك لها اتخاذ القرار النهائى فى حالة تعذر النقاش -وهو أصلا كان مستحيلا- زادت أعداد المشاركات حتى أصبحت التى تسير فى آخر المسيرة لا تتمكن من سماع الهتاف فى أولها، فانقسمت الهتافات، واحدة تهتف فى المقدمة، والثانية تهتف فى المنتصف. بعد خطوات من التحرك فوجئنا بشباب يحيطون بنا ويصنعون كردونا يلف المسيرة من الجهات الأربع لحمايتها، كان الميدان فى ذلك الوقت لا يوجد فيه موضع لقدم، وكنا نعرف إذا كان الضرب «شغّال» فى محمد محمود أم «متوقفاً» من أصوات سيارات الإسعاف التى تقطع الميدان لتلتقط مصابا وتعود به إلى المستشفى الميدانى. لما زادت الأعداد فى المسيرة؟ بدأت تنطلق دعوات لدخول شارع محمد محمود، وكانت قائدتنا تحاول السيطرة على اتجاه المسيرة لتوجيهها إلى طلعت حرب، حيث اتفقت مُنى مع مصورى قناة «سى بى سى» لتصوير المسيرة واللافتات، ثم نعلن من خلالها موعد الغد لدخول الشارع، استطاعت نور القائدة أن تفهّم الشباب الذين يصنعون الكوردون حولنا الفكرة ولكن لم تتمكن أبدا من توصيل الفكرة إلى بقية المشاركات فى المسيرة، لأنهن كن متحمسات ولا يتوقفن عن الهتاف لأى سبب، وأيضا لأنهن كن متغيرات، تخرج بعضهن وتنضم أخريات، وكانت مُنى قد ذهبت بالفعل لترشد المصورين إلى مكان وجودنا، وكانت تتصل بنا تليفونيا، لتحدد موقعنا الذى كان يتغير أيضا، فتنجح مرة وتفشل خمسا. غدا أكمل لكم كيف سارت المسيرة.. وكيف انتقلت القيادة إلى قائدة طبيعية.. لا نعرف اسمها حتى، وكيف أعلن عنها فى التليفزيون.