غريب أمر بعض القوى والجماعات السياسية، خصوصا الإسلامية منها، هذه الأيام فى حديثها عن وثيقة المبادئ الدستورية، فتعلن رفضها الوصاية على اختيار الشعب.. هكذا يقولون، وبالطبع لا أحد يعترض على ذلك، لكن كل سياساتهم قائمة بالوصاية على جماعاتهم.. فليس هناك حوار أو نقاش أو رفض لم تذكره القيادات، ولا يتحملون أى جدل أو معارضة لقرارات القيادات، أو قل القيادة التى تسير الأمور. خذ عندك «الإخوان» هى الفيصل الرئيسى الذى يعارض وثيقة المبادئ الدستورية ويعتبرها التفافا حول نتائج الاستفتاء على الترقيع الدستورى الذى أجراه المجلس العسكرى، رغم أن الاستفتاء نفسه التفاف على الثورة ومطالبها.. فقد كان المطلب الأساسى والرئيسى للثورة هو وضع دستور جديد للبلاد بعد إسقاط النظام، وكان هناك إجماع على ذلك من جميع القوى السياسية الداعية للخروج على الحاكم الظالم، تلك الدعوة التى وقفت فيها الجماعات التى تثير اللغط وتعلىّ من صوتها الآن وتتكلم عن الوصاية، رفضتها، وأصدرت فتاوى تمنع الخروج على الحاكم حتى ولو كان ظالما.. وحتى جماعة الإخوان لم تكن مع تلك الدعوة وإن حاولت بعد ذلك ترميم هذا الموقف بتصريحات مطاطة مهلهلة على لسان بعض قياداتها.. ويمكن الرجوع إلى ذلك من خلال الموقع الإلكترونى لجماعة الإخوان على الإنترنت. فتلك الجماعة لا تتحمل طموحات بعض أعضائها فى التطور والرؤى المختلفة فى علاج القضايا وتقديم رؤى مختلفة طموحة، وتأخذ إجراءات تعسفية ضد من يفكر فى أن يكون له رأى خاص حتى وإن كان فى الإطار العام الذى تدعيه الجماعة، ويحظى باحترام قوى أخرى.. فيكون الفصل بالمرصاد، وهو ما حدث مع الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح الذى دفع كثيرا من حياته من أجل الجماعة، ولكن عندما دعاه عدد من محبيه ومعجبيه إلى الترشح للرئاسة، وبدأ الرجل فى اتخاذ قراره.. فصلوه من الجماعة وفعلوا نفس الأمر مع مجموعة من الشباب الذين كانوا وقودا للثورة.. وكانوا الشىء الوحيد الذى يربط جماعة الإخوان بالثورة، وهو ما كان يدلل به بعض قيادات الجماعة -بالادعاء- على مشاركة الإخوان فى الثورة من أول يوم، رغم أنهم شاركوا رأى شباب الإخوان فى الثورة بعيدا عن الجماعة ومكتب إرشادها ومجلس شوراها اللذين جعلتهما الثورة يعقدان اجتماعاتهما علنية، وذلك بفضل القوى المدنية التى أشعلت الثورة وجعلت الشعب كله بجميع طوائفه يشارك فيها.. ولم تكن الجماعة فى قيادتها أو فى حشدها.. وكانت دائما تفتخر بما تملكه من حشد الآلاف.. لكن الثورة استطاعت أن تحشد الملايين عن طريق القوى المدنية.. ولنفاجأ بعد ذلك أنهم يشكلون لجنة تنسيقية وائتلافات لم يكن لهم فيها شىء.. ولكنها موجة جنى الثمار غير الناضجة. لكن الإخوان ومن معهم يأتون الآن وينقلبون على مطالب الثورة ويعتبرون وضع مبادئ دستورية أو مبادئ أساسية، وحتى شكل اللجنة الدستورية التى ستضع الدستور بعد أن استطاعوا «المغالبة» فى فرض الانتخابات أولا، بمزاج القوى الحاكمة الممثلة فى المجلس العسكرى، وبناء على مستشارين واستشاريين ذوى نظرة قصيرة، واتضح أنهم ليس لهم فى أمر السياسة شىء.. إن أى دولة تريد نقلة جديدة حضارية لا بد لها من دستور جديد يضع خريطة واضحة يسير عليها المجتمع، وبعد ذلك تأتى الانتخابات.. وانظروا إلى تونس ملهمة وصاحبة الثورة المحفزة للثورة المصرية.. فقد استقر الجدل إلى وضع دستور جديد مدنى، ثم تنطلق الحياة بعد ذلك.. فما العيب فى مبادئ تشكل لدولة مدنية ديمقراطية حديثة؟! لكن إخواننا فى جماعة الإخوان لا يريدون شيئا من ذلك ويريدون «المغالبة»، حتى ولو كان ذلك بتحالفات غريبة ومريبة وعلى طريقة الحزب الوطنى وصفوت الشريف الذى كان يستدعى أحزاب أمن الدولة التى كان يحركها.. فها هم الآن يستدعون محمد عبد العال والشهاوى أو الشهابى والفضالى وغيرهم من أصحاب الأحزاب الكرتونية لمساندتهم فى معركة «المبادئ»، وهم الذين بعيدون كل البعد عن أى مبادئ ربما مقابل وضعهم فى قوائم الانتخابات ومنحهم بعض المقاعد، وهو ما كان يفعله صفوت الشريف وأمن الدولة والحزب الوطنى بالضبط. يا أيها الذين فى «الإخوان» ارجعوا وارشدوا وعودوا إلى الشعب، وجماعتكم ليست وحدها الشعب.. .. ويا أيها الذين فى المجلس العسكرى.. الشعب يريد دولة مدنية حديثة، وقد خرج فى الثورة ضد نظام استبدادى فاسد وسالت الدماء فى الشوارع من أجل الدولة الديمقراطية.. وكفى تعطيلا وتباطؤا.