منتهى الغباء السياسي أن تطلق فئة على نفسها مسمى أو مصطلح "الشعب" وأن تتجاهل باقي الجماعات أو القوى الأخرى الممثلة للمجتمع بل وتسعى لعزلها والطعن في وطنيتها وتشويه صورتها على الساحة السياسية، والأسوأ أن تستخدم الدين ذريعة لفرض أفكارها وسياساتها على عقول أبناء المجتمع مستغلة في ذلك السلبية التي يتصف بها عدد كبير منهم. ومنتهى العته السياسي أن تقم ثورة شعبية من أجل تغيير جذري وشامل في المجتمع ثم تأتي هذه الجماعة لتشارك برفع المطالب التي تحقق مصالحها وتترك ما لا يتفق معها معتمدة في ذلك على الحشد البشري الذي دائماً ما تنجح فيه من منطلق ديني أيضاً، وأن تصف هذه الجماعة ما يريده الشعب بأنه التفاف على إرادة الشعب ما دام لا يتفق مع مصالحها وما تطمح إليه. الإخوان المسلمون والسلفيون آخر من التحق بركب الثورة المصرية وآخر من نادى بسقوط النظام الحاكم فضلاً عن مواقفهم المتخاذلة أيام الثورة وما بعدها، ثم تحولوا إلى ما أشبه بيأجوج ومأجوج بعد أن سقط النظام وتنفسوا نسيم الحرية الذي كثيراً ما حرموه، راحوا يناورون القوى السياسية الأخرى ويحللون المطالب المرفوعة وإن شاركوا فيها يحاولون دائماً فرض سيطرتهم عليها والظهور الإعلامي الذي يضمن لهم كسب ثقة وولاء طائفة كبيرة من المجتمع وراهنوا على تفريق كل القوى السياسية الأخرى وضعف أعداد المنتمين إليها وتركوا الثورة في حالة غير جيدة وانشغلوا بتأسيس أحزابهم التي تضمن بقاء جماعاتهم وفرض أفكارهم على المجتمع. حاولوا امتطاء الترقيع الدستوري الذي أجراه المجلس العسكري الحاكم ليصلوا من خلاله إلى السيطرة التامة على مجلس الشعب كي يخول لهم اللعب بالدستور الجديد للدولة رغم أن هذا مخالف لكل الدساتير والقوانين والأعراف في العالم كله وليس في مصر فقط. ظنوا أن نجاح الاستفتاء جاء بالحشد الذي كرسوا فيه استخدام التوجيه الديني للتصويت بنعم وتجاهلوا أن نجاح الاستفتاء جاء بأيدي المصريين الذين كانوا يخشون من الفراغ الدستوري فقط. أرادوا للابن أن يلد أباه وطالبوا بالانتخابات قبل الدستور ورفضوا وجود جمعية تأسيسية تضع دستوراً يكون اللبنة الأولى لبناء الدولة المدنية التي يحلم بها كل مصري وراحوا يخططون لسابقة هي الأولى من نوعها أن يضع مجلس الشعب دستور الدولة؛ متهمين كل من لا يتفق معهم بأنه ليبرالي علماني لا يريد لمصر خيراً فهم من وجهة نظرهم مصريون والبقية أصحاب أجندات خارجية يريدون المساس بهوية مصر الإسلامية وهذا أمر مرفوض تماماً فهناك من الأقباط في مصر لا يقبل بأن تكون هوية الدولة غير إسلامية فما بالكم بالمسلمين. ولأن الله لم يرد بمصر من هذه الثورة إلا خيراً وليثبت للجميع أن الثورة ثورة شعب وليست بفرض السطوة العددية على الميادين بعد أن أصبح كل شيء سهل بعد أن خلت الميادين من صناع الثورة الحقيقيين وأصبح كل شيء مباح في ظل النظام الجديد فقد عاد المجلس العسكري والحكومة إلى رشدهم وآمنوا بأن الدولة المدنية الديمقراطية لا يمكن أن تقوم إلى على دستور صحيح يكون هو أساسها المتين. الآن ذاق الإخوان والسلفيون مرارة العزلة والانسلاخ من الجسد الثوري للشعب بعد إعلان المجلس العسكري عن المبادئ الدستورية الحاكمة والجمعية التأسيسية للدستور والإعلان الدستوري الجديد الذي سيعلن عنه قريباً دون الرجوع إلى القوى السياسية في الدولة ودون المشاورة، وعادوا يصارعون من أجل إبطال مفعول هذا الإعلان والإبقاء على ما حققه الاستفتاء على الترقيع الدستوري السابق، وأنى لهم؟ فلم يعد لديهم ما يحاربون به على الجبهة السياسية للحصول على ثقة أحد وإن خرجوا لكل ميادين الدولة ونادوا بأعلى صوتهم فمن ذا الذي سيؤيدهم؟