إننى أضع استقالتى تحت تصرف مكاحل المومو!.. هل يصح لشخص محترم أن يقول هذا الكلام؟ إننى أضع استقالتى تحت تصرف فتحية لموناتة!.. هل هذا من شيم الرجال؟ بالطبع لا.. ومع هذا فقد رأينا شريط الأخبار الذى يلف ويدور فى التليفزيون يعلن أن مجلس الوزراء يضع استقالته تحت تصرف المجلس العسكرى؟ ما معنى هذه الجملة السخيفة التى تعود بنا إلى ما كان يحدث أيام الرئيس المجحوم عندما كان الوزير الشاذ وبعد كل مصيبة تحدث فى وزارته يزعم أنه وضع استقالته تحت تصرف الرئيس وتحت تصرف طنط زوجة الرئيس.. وبطبيعة الحال كان أونكل وطنط يرفضان إقالته فيظل سى زفت جالسا على البتاع ولا يرحل! إن من يريد أن يستقيل يا أفندية لا يحتاج إلى أن يضع استقالته تحت تصرف أحد. يحتاج فقط إلى أن يتحلى بالرجولة ويقدم استقالته ثم يغور فى ستين داهية دون تماحيك فارغة تليق بالغوانى ولا تليق بالرجال. وعلى الرغم من أن فكرة رحيل الحكومة قد تستغل فى الإلهاء وكسب الوقت، لأن المجلس العسكرى يمكن أن يذهب بشرف ويأتى بآخر من نفس ماجور العجين الطرى المبلول، فإننا نأمل فى حكومة لا تتواطأ على دماء المصريين تدير الأمور من منظور وطنى يعجل برحيل العسكر فى أسرع وقت. سألنى أحد الأصدقاء عن وزير الثقافة عماد أبو غازى الذى قدم استقالته من الحكومة بعدما هاله ما حدث للمتظاهرين بميدان التحرير وتعرضهم إلى الهجوم البربرى بواسطة جحافل التتار المجرمون الهمج.. سألنى هل هى استقالة حقيقية يعنيها ويتمسك بها أبو غازى أم أنها مثل استقالة حازم الببلاوى، التى أعلنها الشهر الماضى اعتراضا على الأداء الحكومى فى مذبحة ماسبيرو التى تم فيها سفح دم 27 من شباب مصر.. ثم عاد فلحسها! قلت للسائل إننى لا علم لى بما ينتويه وزير الثقافة، ولكن تقدمه بالاستقالة ورغبته فى الانسحاب من وسط شلة الأنس فى هذا الوقت يدل على أن الرجل يفكر فى المستقبل وتشغله حياته الآتية بعد ترك الوزارة، وهو فى الغالب لا ينوى الهجرة خارج الوطن ويعتزم تكملة بقية حياته داخل مصر.. ولهذا فإننى أعتقد أنه يريد أن تظل له القدرة على النزول من البيت والذهاب إلى البقال ودخول السينما والسير فى الشوارع دون أن يجد على كل ناصية من يبصق فى وجهه أو يقذفه بحجر أو يسبه سبابا فاحشا ويلعن آباءه وأجداده.. وهو يبدو غير باحث عن فرقعة أو شهرة زائفة، هو يرجو فقط العودة إلى حياته العادية بمفرداتها الطبيعية، التى كانت له قبل أن يختاروه للوزارة التى جرت فى عهدها وعلى يديها مخاز لم يكن منها أى داع. لقد كان للمخازى والفضائح فى حكومات عهد مبارك ما يبررها، ذلك أن الوزراء كانوا عتاولة فى اللصوصية والسرقة والقوادة، ولم يكن أمامهم بعد أن تورطوا فى كل أنواع الجرائم إلا أن يكملوا المشوار حتى نهايته فيتحالفوا مع أجهزة الأمن الباغية ويقيمون علاقات وطيدة بضباط مباحث أمن الدولة باعتبارهم الحراس الخصوصيين لأمراء الجريمة المنظمة، أما وزراء المرحلة الحالية فأغلبهم ليس له تاريخ إجرامى كبير.. هم صحيح كفتجية وحالتهم تصعب على الكافر، لكن غالبيتهم كانوا يستطيعون أن يكملوا الحياة بشكل عادى كموظفين تكراريين فى أماكنهم وكآباء عاديين فى بيوتهم وكمواطنين طبيعيين يجرى عليهم ما يجرى على الناس دون أن يتعرضوا للسباب الفاحش والشتيمة بالأم والأب كلما أطلوا برؤوسهم.. فلماذا بحق الشيطان قبلوا أن يكونوا ألعوبة فى يد المجلس العسكرى، وسمحوا له أن يستخدمهم فى كل الأشياء التى عف عن أن يفعلها بنفسه ثم قام بتصديرهم أمام الجماهير عند كل قرار معاد لأمانى الناس ومخاصم لأحلام من قاموا بالثورة؟ ولماذا بحق الأبالسة والعفاريت تركوا المجلس العسكرى يمسح بسمعتهم الأرض ويلحقهم بمملكة مبارك الجهنمية، التى تضم الحكام الملفوظين من الشعب، المكروهين من عموم الناس، الذين تنزل دعوات المظلومين فوق رؤوسهم ليل نهار فتقض مضاجع من بقى له شىء من ضمير. لماذا رضوا أن يكونوا من الذين لا يستطيعون السير فى الشارع بعد ترك السلطة دون أن يعودوا سريعا إلى البيت خوفا من بطش ضحاياهم؟ إياكم أن تقولوا إنكم قبلتم التكليف بالوزارة إيمانا منكم بالمسؤولية ورغبة فى خدمة الوطن ومحبة لأهله.. إياكم أن تتفوهوا بهذا الكلام الفارغ لأنه نفس ما كان يردده حسنى مبارك وهو يرفض الرحيل، ونفس ما قاله أحمد شفيق عندما طالبته الجماهير بالذهاب وراء حبيبه المخلوع، وذلك قبل أن يرغم الضغط الشعبى المجلس العسكرى على التضحية به مؤقتا! إياكم أن ترددوا كلام يحيى الجمل الذى كان يتسلى بالمنصب الوزارى بدلا من الجلوس فى قهوة المعاشات وتقولوا كما قال إنه وتد لا يمكن خلعه. إن أى إنسان لديه مثقال ذرة من كرامة لا يقعد على قلوب الناس وهو عاجز عن العمل لأجلهم، وعصام شرف يمثل نموذجا مثاليا للعجز والخنوع مع الرغبة فى البقاء بالمنصب بحجة خدمة الوطن، مع أن بقاءه وانسحاقه أمام تعليمات العسكر المرتبكة لا يسهم إلا فى المزيد من شخرمة الوطن!