لم يكن التسلل خلف خطوط الداخلية سهلا، كان الأسهل لنا أن نبقى فى ميدان التحرير، وسط الآلاف نتابع ما يحدث، لكن كان من المهم أن نعرف كيف يتحرك «الآخر»، كيف يتعامل «الجيش» و«الشرطة» اللذان أصبحا يدا واحدة وتركا الشعب على الطرف الآخر، وحده، عبرنا إلى الطرف الآخر وداخل معمعة المناوشات بين الداخلية ومن معهم من البلطجية كما رأينا بأعيننا، والمتظاهرون من ناحية أخرى، كنا ندرك أننا فى خطر، خصوصا ولو تم اكتشاف أمرنا ونحن وسط قيادات الشرطة والجيش، ونحن نلتقط الصور التى تعضد الأحداث وترصد حالة الارتباك الواضحة التى كان عليها قيادات الشرطة والجيش على حد سواء. المشهد الأول: اضرب يا عسكرى بداية الرحلة كانت من ميدان التحرير، مرورا بشارع محمد محمود، حاولنا تجنب المناوشات بين الداخلية والمتظاهرين، حاولنا أن نتخفى فى المطاعم، دخلنا إلى مطعم جاد كأننا سنتناول الطعام، بعدها سرنا مسرعين لدخول شارع نوبار. كانت الأمور تسير بشكل هادئ، يدفع إلى الريبة، فالشارع الذى تقع فيه وزارة الداخلية لا توجد به أى آثار لاحتكاكات أو إطلاق للنار من جانب الوزارة تجاه المتظاهرين، ولكن بمجرد وصولنا إلى شارع محمد محمود وجدنا العشرات من جنود الأمن المتسلحين بالسلاح والرصاص الآلى والقنابل المسيلة للدموع والخرطوش والجميع فى حالة تأهب واستعداد للضرب، وكان أمامهم مجموعة من العساكر الذين يطلقون قنابل مسيلة للدموع فى اتجاه المتظاهرين، محاولين منع تقدمهم تجاه وزارة الداخلية. ما لفت انتباهنا فى هذا المشهد أمران مهمان، الأول هو حالة الإعياء الكبيرة التى كان عليها جنود الأمن المركزى الذين يقومون بإطلاق القنابل المسيلة للدموع على المتظاهرين ووجدنا العشرات منهم يعودون منهكين ومتعبين وفى حالة من الإعياء وصلت إلى الإغماء للبعض منهم نتيجة انهماكهم فى صد تقدم المتظاهرين إلى الوزارة منذ يوم الجمعة الماضى، وفى الوقت ذاته لا يحصلون على قسط وافر من النوم كما قال لنا البعض منهم. الأمر الآخر هو نقاش حاد بين مساعد وزير الداخلية وأحد اللواءات المسؤولين عن الأمن المركزى الذى كان موجودا مع أفراد الأمن المركزى الذين يعملون على إعاقة تقدم المتظاهرين إلى وزارة الداخلية، انتهى بأن قال اللواء لمساعد وزير الداخلية: الناس تعبانة يا باشا ومش قادرين إنهم يكملوا عمل بالذات لأنهم ما ناموش من يوم الجمعة وزى ما انت شايف الناس راجعة تعبانة وشايلينهم ومغمى عليهم، فرد عليه مساعد وزير الداخلية باقتضاب: غيّرهم وهات بدالهم وادّى لدول أجازة لحد ما يرتاحوا وشغل غيرهم. نقاش آخر مطوّل بين بعض المواطنين ومساعد وزير الداخلية، طالبوه خلاله بضرورة فض الميدان بالقوة بمساعدة الجيش، خصوصا وأن مطاعمهم ومحالهم توقفت، فرد مساعد وزير الداخلية: خايفين الناس تموت علشان كدا مش عايزين نقتحم الميدان، قالها وكأنه لم يمت أحد على الإطلاق فى الميدان، رغم أن حصيلة القتلى كانت قد تعدت ال33 شهيدا. كانت أوامر مساعد وزير الداخلية لمن حوله من أفراد الداخلية بضرورة الخروج للإعلام وعلى الفيس وك للتنديد بما يفعله من هم فى الميدان، وأن لا يتركوا الساحة للقنوات التى تشوه صورة الداخلية وتتهمها بقتل المتظاهرين، وطالبهم بإحضار اثنين أو ثلاثة من المتظاهرين بزعم التفاوض معهم حول المطالب التى يريدونها، مطالبا بأن لا يمسهم أحد بسوء على الإطلاق للخروج من المأزق الحالى. المجند (ا.ع) من كفر الشيخ قال بأسى كبير إنهم لا يتركونهم يأخذون قسطا كافيا من النوم على الإطلاق، فحالات الطلب التى يتلقونها للنزول لمواجهة المتظاهرين تتعدى العشرين مرة يوميا حتى إنهم ينامون بالملابس الرسمية كاملة استعدادا للمواجهة، مضيفا باستياء شديد: أوقات كثيرة أشعر بالخوف من أن يتم قتلى، وقال «أشتاق للعودة إلى أهلى مرة أخرى بعد نهاية تلك الأحداث، خصوصا أننا منذ مليونية الجمعة لم نذق للراحة طعما سوى بضع ساعات». المشهد الثانى: الداخلية تقبض على «بلطجيتها» كانت المعركة دائرة بين الداخلية والمتظاهرين العُزّل، بينما تنبعث ألسنة اللهب جراء حرق بعض السيارات فى الشارع، وتنبعث الغازات المسيلة للدموع والجميع فى حالة من الارتباك وتنتشر حالات الاختناق المتعاقبة. مشهد آخر يبعث على الضحك والسخرية من سياسة الداخلية العقيمة، فبينما كان أفراد الأمن المركزى يلقون القبض بين الحين والآخر على بعض المتظاهرين، ووسط حالات الارتباك المتكررة تم إلقاء القبض على العديد من المشاركين فى المظاهرات واصطحابهم إلى مبنى وزارة الداخلية، وما هى إلا لحظات حتى خرج المقبوض عليهم وهم يصرخون فى أفراد الأمن المركزى وفى قيادات الداخلية: «يا ولاد .............. إنتوا ماتستاهلوش أى حاجة وانتو مافيكوش ولا واحد راجل» وقد اكتشفنا أن هذا الشاب ما هو إلا بلطجى كان مندسا داخل صفوف المتظاهرين يعمل لحساب الأمن وتم إلقاء القبض عليه بالخطأ. المشهد الثالث: الداخلية تدمر محلات المواطنين فى أثناء رصد إطلاق القنابل المسيلة للدموع على المتظاهرين فوجئنا بمناوشات كلامية بين أفراد الأمن المركزى وأحد المواطنين الذى اتهمهم بتحطيم المحال الخاصة بهم الموجودة فى الشارع وسرقة المنتجات الغذائية الموجودة داخلها، وعلى الرغم من دفاع بعض أفراد الأمن المركزى عن زملائهم، فإن أحد ضباط الأمن المركزى قد تدخل وقال للرجل: نحن حرامية وبلطجية ونسرق محلات الناس، آمرا إياه بالابتعاد عن الجنود أو الحديث معهم لكى يتفرغوا لإطلاق القنابل على المتظاهرين. المناوشات التى حدثت بين المتظاهرين والأمن المركزى فى شارع محمد محمود، والقنابل الكثيفة التى تم إطلاقها من جانب الأمن على المتظاهرين، أسفرت عن إحراق سيارتين من نوع «بى إم دبليو» كانتا بجوار كافيه كوستا بالشارع. بعد لحظات فوجئنا بالأهالى يتجمعون حول موقع الحادثة، ويقومون بإلقاء المياه على السيارات المحترقة فى محاولة بائسة منهم لإطفاء الحريق. المشهد الرابع: إحراق سيارتين BMW المناوشات التى حدثت بين المتظاهرين والأمن المركزى فى شارع محمد محمود، والقنابل الكثيفة التى تم إطلاقها من جانب الأمن على المتظاهرين، أسفرت عن إحراق سيارتين من نوع «بى إم دبليو» كانتا بجوار كافيه كوستا بالشارع. بعد لحظات فوجئنا بالأهالى يتجمعون حول موقع الحادثة، ويقومون بإلقاء المياه على السيارات المحترقة فى محاولة بائسة منهم لإطفاء الحريق. المشهد الخامس: الخل للجنود من المفارقات العجيبة تعاطف أصحاب المحال الموجودين فى شارع محمد محمود مع بعض الجنود وأفراد الأمن المركزى فى المنطقة التى شهدت الاحتكاكات بين الداخلية والمتظاهرين، وقيامهم بتقديم الإسعافات الأولية من خلال استخدام المناديل والخل والبيبسى فى محاولة لمساعدتهم للعودة مرة أخرى. المشهد السادس: الروينى فى الداخلية وفى أثناء المناوشات بين الداخلية والمتظاهرين، خرج اللواء حسن الروينى قائد المنطقة العسكرية من مقر وزارة الداخلية، وهو الأمر الذى أثار العديد من التساؤلات حول أسباب وجوده داخل الوزارة فى هذه الأوقات. الروينى خرج من الوزارة يحيط به مجموعة من قيادات الجيش والضباط والحراسات الخاصة متقدما ناحية ميدان التحرير، مطالبا قائد الشرطة بالتراجع والكف عن إطلاق القنابل المسيلة للدموع فى محاولة منه للذهاب إلى ميدان التحرير للحديث مع المتظاهرين، وما إن اقترب من الميدان من ناحية شارع الجامعة الأمريكية، حتى قابله المتظاهرون بإلقاء الحجارة عليه، وعلى من معه رافضين قدومه إلى الميدان وهو ما قابلته الداخلية بالمزيد من القنابل التى أسقطت العديد من الجرحى. وفى أثناء عودة الروينى إلى مبنى وزارة الداخلية مرة أخرى، قال له أحد المواطنين: «يا سيادة اللواء إن مكالمتك فى قناة الجزيرة عصر اليوم هى التى دفعت القناة للترويج بأن الجيش والشرطة يضربون المتظاهرين».