«لم أتي هنا محاضرة وإنما أتيت محاورة»، تلك هى الجملة الأولى التي أرادت المستشارة «تهانى الجبالي» إيضاحها للحاضرين بنادي الرواد بالعاشر من رمضان مساء أمس، الجمعة. كلمات سريعة قالتها قبل أنت تبدأ في سرد أراءها المتعددة فيما يدور على الساحة السياسية الآن، «إن أعظم مايمتكله الشعب في تلك اللحظات الحرجة أن يعترف أن الجميع شركاء في وطن واحد وبالتالي فلا أحد فيه يملك الحقيقة والصواب وحده، وإنما يملك مساحة من الحوار المشترك من أجل الوصول لتوافق حول ماهو مستقر وماهو مختلف عليه». وأضافت، «أنا أقتنع تمام الإقتناع بأن مصر تقف في هذه اللحظات في مرحلة حرجة وفارقة تتعلق بثوابت الدولة؛ فالشعوب تثور على أنظة حكم مستبدة فتغيرها لكن إن لم نقتنع أننا لم نثر على الدولة المصرية، وإنما ثرنا على نظام الحكم فبذلك نكون قد فقدنا أول الطريق». واستطردت، «فقيمة الثورة أنها قامت بدون قيادة ولا أحد يملك حق نسبتها إلى نفسه؛ فتلك هى الحقيقة التي تلقى بظلالها على كل شىء في إطار أنه لم تقم بالغلبة أو الإنفراد السياسي ولن تكون لها القدرة على الإستمرار الإ من خلال الوصول للتوافق الوطني حول كل شىء؛ فخطورة الأمر أن ماهو مستقر دائما في حياة الشعوب أنها تكتب عقدها الإجتماعي مع بعضها العض، فالمصالح متعارضة والفئات الإجتماعية مختلفة، وقد تختلف الشعوب في قدرتها على التعايش مع بعضها البعض إلا إذا وجدت نقطة الإلتقاء، فإذا لم تكن قادرة قادرة على إيجاذ تلك النقطة من خلال الحوار فبذلك نكون قد فرطنا في سلامة الطريق». وتعليقا على مانشر أمس في مقالة مفادها «هل التيارات الإسلامية تخطط للإستيلاء على صياغة الدستور بإنقلابهم على وثيقة المبادىء الدستورية»، قالت «الجبالي»: لابد أن نتذكر أن المشهد السياسي المصري كان في الفترة السابقة على الثورة فيه إقصاء لكل فصائل التيار الإسلامي السياسي تقريبا، والأخوان المسلمون الذين مارسوا السياسة مارسوها من خلال كونهم متواجدون في البرلمان كمستقلين فلم ينتسبوا إلى جماعتهم من خلال حزب، وهناك أيضا تيارات لم تكن مطروحة على المشهد السياسي وفي مقدمتها التيار السلفي والجماعات الإسلامية والجهاد الإسلامي؛ فجميعهم لم يكن لديهم تعبير سياسي من قبل، ولكن الثورة قد أطلقت سراح مصر كلها فأصبح من حق كل فصيل أن يتواجد في المشهد وأن يبنى حزبه وتنظيمه، وهذه المشاركة لابد أن تتذكر أن من يلتحق بالجماعة الوطنية إنما يلتحق عليها بثوابتها؛ فنحن لا نخترع مصر اليوم، فهى دولة راسخة بتاريخها الدستورى منذ 1866، ودائما ما تكتب دساتيرها من خلال ثورات ونضال واسع وعريض، فالثورة حيث تقوم تسقط من الدساتير نظام الحكم لكن ما لايسقط هو مقومات الدولة وحريات المواطنين، فهل نحن نتذكر الآن في دخول الوافدين الجدد أن هناك ثابت لم تسقط بالدستور الذي سقط بالثورة، فاعتقد أن هذا هو مكمن الخطر أن بعض منا سواء بحسن النوايا أو بسوئها أصبح يناقش ماهو مستقر وثابت، فالبعض يعتبر أن كل شىء في الوطن قابل للمراجعة والكتابة من جديد. وتضيف قائلة: «ما حدث من جدل ينبىء أننا في حالة غير مستقرة وغير واضحة، وكثيرا من المغالطات والشحن الزائد للرأى العام دون تدقيق قد حدث في هذا الموضوع؛ ولذلك فنحن في حاجة للرشد السياسي كي يعترف أولا أن من يدخل للمشهد الوطني يدخل في فراغ؛ خاصة أن بعض هذه التيارات قد حملت السلاح ضد الدولة وبعضها إغتال رؤوساء جمهوريات ومفكرين ومثقفين وبعضها لديه وثائق مكتوبة، وهؤلاء لهم موقف من الدولة الحديثة بمكوناتها الإساسية، فمصر ليست الدولة الحديثة التي بناها محمد علي، ولكن مصر دولة منظمة منذ 7 الأف عام، ومصر ليست الصومال أو أفغانستان أو لبنان؛ الدولة الهشة التي من الممكن أن تنكسر وأن تقتتل ولن يقوم نظامها على أساس الطائفية». هذا وأكدت«الجبالي» أن أي دستور سيوضع من خلال غلبة سياسية سيكون مقدمة لثورة جديدة؛ فالدستور لايوضع من خلال الغلبة بل يوضع من خلال التوافق الوطني حتى لو كان هناك أغلبية في مجلس الشعب القادم؛ فليس من حقها أن تضع الدستور وحدها ولابد أن تعي أنها وهى تتقدم لأول مرة في العالم أن الدستور سيوضع من خلال البرلمان، وهذا لم يحدث من قبل؛ ففي كل الدول ينتخب المواطنون لجنة تأسيسية أو تتوافق عليها لتضع الدستور، وبعد ذلك تبنى المؤسسات. كما حذرت من أن بعض التيارات والقوى لم تصل بعد لمرحلة الإيمان بأن هناك مشترك في الوطن. وأثناء الحديث، قاطعها المستشار «عمرو حسين» متفقا معها في الرأى وتطرق لمن يخلطون السياسة بالدين ومن يقولون بأن الإسلام هو الحل فالخطر من ذلك؛ لأنه إذا جاءت طائفة أو حزب ديني على رأس الحكم في مصر ولم تسطتع أن تفي بكل الأمور الخاصة بالشعب ولم تطبق الشريعة الإسلامية فالدين عندها سيكون برىء منهم؛ فالدين لابد أن يبتعد عن السياسة. و علقت «الجبالي» على ذلك قائلة، بأننا لم نخترع الإسلام في مصر اليوم فهو راسخ منذ أمن أغلبية هذا الشعب بقيمة وعظمة هذا الدين؛ فنحن لانضع للمرة الأولى هذا النص الذي يأتي في مقومات الدولة المصرية، وهو أن الإسلام دين الدولة ومبادئه هو المصدر الرئيسي للتشريع؛ فهذا النص تحديدا وضع في الدستور السابق 1971 دون أن يكون هناك أي فصيل من فصائل الإسلام السياسي؛ ووضع بتوافق وطني عنوانه «المسلمون والمسحيين»، وعلينا أن نتذكر ذلك؛ غير أن هذا النص لم يتم وضعه نتيجة لنضال سياسي. وقاطعها للمرة الثانية المستشار «عمرو» متفقا أيضا، ولكنه تطرق لنقطة خلاف أخرى، وهى كيف أختار نصف المجلس على الأقل من العمال والفلاحين كي يشرعوا لمصر القوانين فهذه كارثة بكل المقاييس؛ فالدستور بتشريعاته والمجلس في أغلب دول العالم من القانويين، وفي مصر لايصح بأي حال في الفترة القادمة. للمرة الثانية أيضا تعترض «الجبالي»، وعقبت قائلة «لابد لنا أن نعترف أن مايقرب من 80 % من الشعب المصري من العمال والفلاحين، وهم عصب الإقتصاد المصري، والقادرين على أداء دورهم في إطار خطة تنمية؛ وبالتالى فهم أصحاب حقوق متساوية مع الأخرين؛ فلجنة وضع الدستور في أي دولة من دول العالم لابد أن يتم تشكيلها بشكل يعكس كل أطياف المجتمع وكل التيارات السياسية والفئات الإجتماعية والثقافية والإتحادات والنقابات والقضاة والشرطة والجيش والمرأة وكل الطوائف الدينية؛ وأي لجنة لاتعكس كل تلك الأطياف هى لجنة قاصرة. وأضافت «المتشيعون والمنادون بتطبيق الاستفتاء لم نسمع لهم صوتا عندما ألغي نص المادة 189 الأصلي الذى جاء بالإعلان الدستوري والذي ينص على – لرئيس الجمهورية بعد موافقة مجلس الوزراء أو نصف مجلس الشعب والشورى حق إصدار دستور جديد – فهذا النص كان من النصوص التي تم الإستفتاء عليها وتم إلغائه؛ وأقول ذلك لتوضيح أن الإستفتاء لم يكن المدخل لنتشبث لمواجهة بعضنا البعض، فالخلاف الموجود حتى الآن حول عدم استئثار قوى بعينها على أي ترتيب أو معايير، بل المجلسين يجتمعوا لوضع تلك المعايير». وعندما سألنا بعض التيارات التي تمثل قوى لها وزنها «بتفكروا في أيه» قالوا للمجلسين الحق في أي معايير وهذا خطأ دستوري كبير؛ لأن الدستور لايكتب بالغلبة السياسية لأنه وثيقة توافقية من خلال مشاركة المجتمع، ولابد أن نتفق على معايير ومصادر تشكيل الجمعية التأسيسية؛ لأن التغاضي عن الإتفاق اليوم سيصبح مشكلة في الغد. «الأوضاع محيرة» تابعت بها المستشارة حديثها، وتسألت «هل هناك من يقف أمام توافق وطني حول أي شىء»، وتعجبت «لماذا تأجل كل الموضوعات للغد فهى ستطرح نفسها في الغد؟، فإن لم نكن قادرين على التوافق الوطني فستحدث مشكلة كبيرة، ومن يملكون مليونية اليوم فالمختلفون معهم يمكلون مليونية الغد، وإذا كنا سنتحاور في ميادين التحرير فلن تبنى مصر؛ فالبناء يأتي عبر حوار دقيق ليضع الحلول ولا يخرج منها بأي شكل من أشكال النفور؛ فنحن شركاء ولسنا فرقاء. وأضافت، «فالعالم بأسره ينتظر كيف سيكمل الشعب المصري ثورته ويقف على أطراف أصابعه؛ لأن هذه هى مصر التي إذا نجحت ثورتها وأقامت مجتمع ديمقراطي وحققوا المعجزة الثانية بعد معجزة التخلص من النظام المخلوع المستبد، وأقاموا مصر القادمة التي ستجر معها المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج، وإذا جاءت المنطقة تغيرت موازين القوى في العالم، فمصر ليست أي دولة وإذا انتصرت انتصر معها العالم وإذا إنهزمت إنهزم العالم». كما قالت «الجبالي» أن النخبة السياسية والثقافية والفكرية في مصر قاصرة وعاجزة حتى الآن على أداء المهمة وقيادة الجماهير، وهى منقسمة على بعضها البعض ومفتقرة إلى تقديم مشروع واضح المعالم لمصر القادمة، ولكن الشعب المصري قادر على إنتاج نخبة أخرى جديدة. أما عن «وثيقة المبادىء الدستورية» – التي أثارت الكثير من الجدل والتي تؤيدها المستشارة – قالت «الوثيقة تمثل مالم يسقط من الدستور الذي أسقطته الثورة؛ فالوثيقة ليست منشاة لشىء بل هى كاشفة لما لم يسقط وأهمها الحقوق والحريات العامة التي تصور البعض أن الخروج من الدستور يعنى أن كل هذه المبادىء تحتاج لمراجعة». وأعتبرت «الجبالي» رغم أحترامها لمكانته «على السلمي» أن تسميه الوثيقة بإسمه هى تسمية معيبة وغير دقيقة ولا يجوز أن تكون دارجة في إستخدامنا وتداولنا هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فالوثيقة تعد مأخوذة من 11 وثيقة أخرى، وهذا معناه أن مرجعيتها لكل الأطياف؛ فأما أنهم جادين فيما أطلقوه علينا من وثائق وبالتالي فهم الذين يلتزمون بها دون إعلانات، فنحن لاننتظر إعلانا من أحد ليلزمنا فالشعب المصري كفيل وقادر بأن يعلن نفسه بما يقيم دولته وإستقرار حقوق وحريات مواطنيه. وآخر ماتتطرقت إليه في حديثها كان مطالبه البعض بأن يكون إنتخاب رئيس الجمهورية سابقا لوضع الدستور، إلا أنها حذرت من هذا المسار لأنه لايوجد في الإعلان الدستوري الذي يمثل الدستور المؤقت للبلاد أي إختصاصات لرئيس الدولة، وبالتالي سيكون رئيس بلا صلاحيات أو إختصاصات وموجود شكلا لحين وضع الدستور، وهو أمر سيترتب عليه غياب أحد سلطات التوازن في إدارة شئون البلاد التي توازنها ثلاث سلطات، وإذا سقطت الصلاحيات من يد المجلس العسكري وكان الرئيس القادم بلا صلاحيات فهذا أول إخلال بتوازن سلطات المجتمع، وستصبح السطلة التنفيذية بلا رأي، والرقابة القضائية لن تسطيع أن تمارس دورها في الرقابة الدستورية لما يصدر من البرلمان ويصدق عليه رئيس الدولة؛ فهذا المسار خطير جدا، وسيكون الرئيس القادم في التلاجة.