هناك شخصيات لم تكن تستطيع مواجهة الرئيس المخلوع مبارك.. ولم تكن تستطيع أن تواجهه فى قراراته وأوامره. وقد وصل مبارك فى سنوات حكمه الأخيرة إلى أن كل الوزراء يعملون عنده ولحسابه الخاص، فليس هناك التزام بقوانين أو قواعد أو غيرها.. وترزية القوانين متاحون وعلى استعداد لفعل أى شىء لصالح الرئيس. وشاركت كل الشخصيات التى استوزرها -أى أصبحوا وزراء فى حكومات مبارك- أو الذين تم منحهم مناصب مهمة فى عملية الفساد الكبرى التى جرت فى هذا العصر، من خلال الحزب الوطنى الحاكم المنحل، أو فى الحكومات المتتابعة، أو حتى فى الإعلام الذى ضم كل رؤساء مجالس الإدارات والتحرير -إلا قليلا- إلى أمانة الإعلام فى حزب الرئيس وابنه.. ووافقوا جميعا -رغم أن هناك منهم من كان يدعى أن سياساته تختلف تماما عن سياسات الحزب الوطنى الفاشل- حتى يظلوا فى مناصبهم ويحافظوا على مكتسباتهم من سيارات ومرتبات كبرى وعمولات إعلانات، وغيرها.. ولم يقتصر الأمر على هؤلاء فى خدمة النظام السابق.. وإنما امتد الأمر إلى شخصيات فى أحزاب كان يطلق عليها معارضة، كما الأمر عند السيد البدوى ورفعت السعيد وأحزاب الأنابيب، التى صنعت وخرجت من عباءة أمن الدولة وتحت إشراف صفوت الشريف.. كان هؤلاء جميعا الأسوأ من الحزب الوطنى الفاسد والمنحل. وهناك شخصيات أخرى كانت تدعى معارضتها بشكل مستقل للنظام.. فى حين أنها كانت بوقا خلفيا له ولأعمدته.. وكان يجرى استخدامها لتشويه المعارضين الحقيقيين عن طريق أجهزة الدولة.. ومن بين هؤلاء شخصية إعلامية، لم يضبط أبدا معارضا لمبارك.. مع أنه كان يدعى دائما فى كل المجالس أنه معارض، ويقدم نفسه للناس بأنه كذلك.. وفى مرة قبل شهور من خلع مبارك، التقى هذا الإعلامى ومجموعة من المثقفين بمبارك.. وتحدث معه عن قانون بطرس غالى للضرائب العقارية، شاكيا له فقر الناس.. فما كان من مبارك إلا أن خاطبه: إنت مالك بالفقراء؟ «هات فلوسك ونحطها على فلوسى ونقسمها من جديد».. فى إشارة إلى تضخم ثروة هذا الإعلامى.. فما كان من الأخير إلا أن صمت ولم يستطع أن ينام ليلتها.. إلى أن جاءته مكالمة خاصة من أحد سكرتارية الرئيس المخلوع يبلغه فيها أن الرئيس كان يهزر معه.. فارتاح الرجل واستعاد نشاطه فى نطاق النظام. ومع الثورة تبدلت مواقف الرجل حتى آخر يوم.. من الوقوف مع الثوار إلى الوقوف مع الذين يتحكمون أو الذين يحكمون.. حتى إنه ليلة خلع مبارك ظهر فى برنامج تليفزيونى مع آخرين، وهاجم الثوار والمعتصمين بالتحرير وطالبهم بالعودة إلى المنزل.. وكفاية انشغال الجيش بالوضع الداخلى.. صارخا أن الوضع على الحدود فى خطر – وكأن البلد كله لم يكن فى خطر حسنى مبارك وإصراره على التشبث بالسلطة- ومع هذا بذل كل ما يستطيع للوصول إلى الحكام الجدد أو العسكر، ليكون متحدثا باسمهم كما كان يفعل مع نظام مبارك.. ويورّد لهم أنفارا تحت زعم الحوار معهم.. بمن فيهم أنصار تنتمى إلى الفلول، لكن كله عند الإعلامى «مصالح». وللأسف.. وقع العسكر وكبارهم فى شرك هذا الإعلامى.. ومنحوه آذانهم لسماع نفس الكلام الذى كان يقوله للنظام السابق وأركانه.. وتركوه ليكون متحدثا باسمهم أو راويا عنهم!! فهذه الشخصيات التى كانت تنافق النظام المخلوع، أصبحت تتصدر المشهد السياسى الآن.. وربما تدعى أنها كانت السبب فى ثورة 25 يناير.. إنه الفجور. لكن الفجور كله.. هو عودة أحمد شفيق إلى الساحة.. وهو الذى جاء به مبارك رئيسا للوزراء لإنقاذه بعد قيام الثورة عليه، التى طالبت بسقوط نظامه من أول يوم.. وهو الذى كان صديقه باعتبارهما من سلاح واحد.. فقد كان يعتقد مبارك أن هذا السلاح هو الذى سيحميه من أى ثورة ضده. لكن شفيق الذى لم يعترف بالثورة، يطرح نفسه مرشحا للرئاسة الآن.. وهو الذى لم يكن يستطيع مواجهة مبارك.. فيأتى الآن طامحا فى منصب الرئيس.. على إيه؟! وماذا فعل؟! فالرجل حتى الآن متهم بأنه شارك وتواطأ مع النظام فى موقعة الجمل.. حتى إن كان لم يوجه إليه اتهام رسمى.. فهناك اتهام شعبى له بمشاركته مع وزير داخليته اللواء محمود وجدى، فى موقعة الجمل، التى كان يراد بها إخماد الثورة، وقتل الثوار فى ميدان التحرير وميادين مصر عن طريق بلطجية النظام من وزراء ومسؤولين فى الحزب الوطنى الفاسد المنحل.. والمسجلين خطرًا الذين يستأجرونهم. وقد تم رفضه شعبيا رغم أن العسكر كانوا يريدون استمراره فى رئاسة الحكومة.. فهل يمكن أن يصبح رئيسا فى عهد الثورة أو حتى يطلبها؟! إنه الفجور.. ويا شفيق.. يا راجل.. اختشى شوية..