كنت أريد أن أكتب عن انتفاضة لندن، التى أثبتت أن الديمقراطية وحدها من دون العدالة الاجتماعية لا تكفى.. الآن فى مصر تشكو كل الفئات من الغلاء الفاحش، وخدعة الحد الأدنى للأجور.. الكل يشكو، العمال، المدرسون، الموظفون، سائقو التاكسى، والمزارعون (شيكارة السماد وصلت إلى 200 جنيه، بعد أن كانت منذ شهور ب80 جنيها فقط)، الكل فى حالة غضب، قد ينفجر كما انفجر فى لندن، ووقتها لن يستفيد أحد، لا الحكومة، ولا المجلس العسكرى، ولا أى أحد، لأن الثورة القادمة ستكون ثورة الجياع، والفقراء، والمقهورين، التى يمكن أن تعصف، حقيقة، بأى مطالب ديمقراطية أو حريات.. فهل هذا ما يحتاجه المجلس العسكرى من أجل أن يعلن الأحكام العرفية، ويعلن سيطرته الكاملة على البلد؟ ويتكرر ما جرى فى 1954، وهل تلعب الحكومة دورا فى هذا السيناريو من أجل تكفير الناس بالديمقراطية والحرية؟ لن أكتب عن هذا الموضوع الذى يدعو إلى التشاؤم الآن، لأن ما جرى فى قنا يستحق أن نتوقف عنده بمزيد من التفاصيل. عادل لبيب مرة أخرى إلى قنا.. الخبر صادم، وأيضا يدعونا إلى أن نضع أيدينا على قلوبنا، خوفا على الثورة ومستقبلها.. قنا مع لبيب خارج نطاق الثورة، خصوصا أن سلفىّ المدينة الذين حركهم أمن الدولة عندما تم اختيار لواء سابق، عماد ميخائيل، لم يتحركوا هذه المرة أيضا بأوامر أمن الدولة، بينما يكتفى المواطنون الغلابة بالمشى بجوار الحائط، سواء أكان المحافظ مزورا، أو ذا خلفية أمنية، أو «فلول»! عادل لبيب لم ينجح فى الإسكندرية، كما لم ينجح من قبل فى قنا «وهذه أسطورة تحتاج إلى تفكيك»، لأنه اعتمد فى المرة الأولى على فرض إتاوات وغرامات وجبايات، من دون أى سند قانونى، لتجميل المحافظة، أو على الأصح لتجميل كورنيش المحافظة، والقرى والنجوع أو الأماكن الخلفية (وهى الأماكن التى يشاهدها ضيوفه من الإعلاميين)، والحقيقة لا تكذب، فلا توجد قرية أو نجع خارج نطاق مركز المحافظة دخلته مياه صحية، أو صرف صحى طوال فترة تولى لبيب منصب المحافظ. وربما كانت الكارثة الكبرى أن الجزء الأكبر من الإتاوات التى فرضها لبيب على المواطنين، استغله فى نشر صور مبارك لتصبح صورة «الرئيس الديكتاتور» فى كل طرق المحافظة، وشوارعها، وهو أمر أسهم فى تشويه وعى أطفال قنا الصغار، الذين يخرجون إلى مدارسهم، وتطاردهم كل صباح صور الرئيس! فلول الحزب الوطنى، الذين زور لبيب الانتخابات لصالحهم، طوال السنوات السبع التى قضاها محافظا، كانوا فى استقباله بالزهور، والخيول، والمزمار البلدى، والكاتب الصحفى مصطفى بكرى استقل أول طائرة إلى قنا بعد وصول عادل لبيب مباشرة، للاحتفال به، لكن لا ينبغى أن تخدع هذه الاحتفالات الخادعة، لا المحافظ، ولا مجلس الوزارء، ولا حتى المجلس العسكرى، ففى مقابل احتفاء الفلول، كان فى انتظار لبيب مظاهرات من جماعة «معلمون من أجل التغيير» يطالبون بحقهم فى الحصول على حوافزهم، التى صدقوا الحكومة عندما أعلنت عن حقهم فيها! لبيب أغضبته المظاهرة، وطلب اختيار 5 مدرسين من المتظاهرين للتفاوض معهم، وفى مكتبه كانت صدمتهم.. قال «قنا ليس لها فى السياسة لأنها محافظة قبلية، ولم تشارك فى الثورة، لن أقبل بأى مظاهرات أو احتجاجات أخرى، لأنها أسلوب لن يفيد معى، لن أحقق أى مطالب ما دام هناك تظاهر وهتافات أمام باب المحافظة...». الأسلوب الأمنى القديم نفسه، يكرره عادل لبيب «المعروف لجماعة المثقفين منذ أن كان ضابطا بأمن الدولة، وكان مسؤولا عن تعذيب الشاعر الراحل محمد عفيفى مطر، تعذيبا قاسيا، وقد خلد مطر الطرق المبتكرة للتعذيب التى مارسها معه فى ديوانه «احتفاليات المومياء المتوحشة»، كما أشرف لبيب على تعذيب المواطن المصرى محمود أبو حليمة عام 1993، وتسلمه لأمريكا بالبيجامة». تهديدات لبيب تعيدنا إلى نقطة الصفر، وتدل على الطريقة التى سيستخدمها المحافظ فى إدارة المحافظة، وكأنه لم يدرك أن هناك ثورة كسرت حاجز الخوف، ومن هنا لم يخف المدرسون المحتجون من التهديد، وعلت هتافاتهم أعلى وأعلى. كما أن حديث المحافظ عن التظاهرات، وكأنها منحة لم يعد ذا جدوى، لأن التظاهر السلمى والعمل السياسى حق منتزع بالدماء، لا يستمد مشروعيته من اعتراف السيد المحافظ، ولا من أمن الدولة الذى جاء به، وأيضا لا من قوانين الحكومة، ولا المجلس العسكرى! كما أن اعترافه بقبلية الشارع القنائى تضعه تحت طائلة القانون، فقد ظل سبع سنوات كاملة محافظا، وهى فترة كافية لكى يقاوم القبلية، ويقدم برامج ثقافية حقيقية لمقاومتها، لكنه لم يفعل، اهتم بالحجر لا بالبشر، ولذا رفض البشر الإنجازات القليلة التى قام بها فى تنظيف وسط المدينة، لإحساسهم أن التجميل مجرد شو إعلامى لا ثقافة، تم بالإجبار، والإتاوات. هل يحتاج المسؤولون إلى معلومات أخرى عن لبيب، الذى قتلت الشرطة فى عهده خالد سعيد، أيقونة الثورة المصرية.. نريد أن نعرف لماذا أجبر أهل الإسكندرية لبيب على الاستقالة؟ وهل قرأ المسؤولون عن اختيار المحافظين تقارير الجهاز المركزى للمحاسبات حول الفساد فى محافظة الإسكندرية فى فترة عادل لبيب؟ حيث تم استنزاف أموال المحافظة فى شراء الهدايا الثمينة لإرضاء بعض الشخصيات النافذة.. اختيار عادل لبيب يدل أن الثورة فى خطر، ولهذا نهتف مع شباب الثورة فى قنا «عادل لبيب تانى ليه.. حسنى راجع ولّا إيه».