ذهبت أمس أنا وصديقاتى لنشارك فى وقفة على كوبرى قصر النيل، الوقفة تحت اسم «افرجوا عن مصر»، كانت أعداد المشاركين كبيرة نسبيا (عدت منذ فترة أقارن الأعداد بأعداد وقفات سلم نقابة الصحفيين). بعد نصف الساعة من الوقوف على الكوبرى بدأنا نشعر بآلام الظهر، فانصرفنا، بينما الأعداد تتزايد. على عكس صديقاتى أنا مؤمنة بأن السن لها أحكام، وأن ما كنت أصلح لأدائه فى عمر العشرين لا يصلح أبدا لما بعد الخمسين. لا أذهب للمشاركة فى الوقفات ولا التظاهرات، لأننى معتقدة أن هذا دورى، وإنما أذهب لأننى أحتاج كل فترة إلى شحنة تفاؤل وحماس. بعد أن تعبنا من الوقوف تركنا الكوبرى، وركبنا تاكسى إلى وسط المدينة حيث توجد سيارات زميلاتى، جلسنا على مقهى فى شارع قصر النيل، بعد قليل وصل إلى أسماعنا صوت الهتافات، الوقفة تحولت إلى مسيرة والمسيرة انطلقت إلى وسط البلد ولحقت بنا. الأعداد زادت بشكل مفاجئ، والصوت يرج الشوارع الضيقة المزدحمة، وفوجئت بزميل دراسة قديم، أراه على فترات متباعدة يقف بالصدفة إلى جوارى على الرصيف، ويتابع المسيرة ثم يمسك بذراع أحد الشباب الذين يقودون الهتاف، ويصرخ فى وجهه، فى حركة فاجأتنى وفاجأت الشاب نفسه، شكل زميلى لا يمكن أن يوحى أنه من المواطنين الشرفاء الذين يهاجمون النشطاء فى كل مكان، ولا من الأمن المتخفى فى زى المواطنين الشرفاء، ثم إن أول جملة قالها تنفى عنه أى تهمة، قال: (انتو هتسلموا البلد للسلفيين بقصوركم العقلى ده)، قال له الشاب بصوت مرتفع جدا يتناسب مع أنه كان بالفعل يهتف منذ برهة، ويتناسب مع أداء زميلى العصبى (احترم نفسك يا حاج يعنى إيه قصور عقلى، إنت عايز العسكر يحكمنا وتقول لى قصور). ازداد انفعال زميلى، وازداد عدد المتوقفين عن السير فى المسيرة والمتدخلين لفض الاشتباك، قال زميلى من ضمن ما قال (أنا مش حاج.. أنا مش حاج.. أنا كنت عضو فى تنظيم سرى قبل انت ما تتولد.. أنا عايز افهمكو.. إنتو حمير.. إنتو جهلة). بدأت أيدٍ تمتد فى اتجاهه وأيادٍ أخرى تمتد لتحميه، قال أحدهم (ما تهدى نفسك حضرتك، وتتكلم بالأدب إنت زى أبونا). ازداد غضبه (أنا مش أبو حد.. انتوا فاكرين إن مصر هى شوارع وسط البلد.. وفرحانين قوى بنفسكم.. انزلوا الأحياء الشعبية وقولوا نفس ال.. (وصف بذىء للشعارات) ده هناك.. قولوا.. (كلمة أخرى أكثر بذاءة) العسكر والمحاكمات العسكرية هناك يمكن حد يفهم، حتى لو اتضربتم هناك.. أشرف لكم من ال.. (كلمة بذيئة) اللى بتعملوها هنا). كانت أصوات الشباب تتداخل مع صوته (احنا بننزل الأحياء الشعبية إنت اللى ما تعرفش حاجة) (احترم نفسك...إنت راجل كبير وما فيش داعى للكلام ده) (خلاص بقى يا حاج حقك على أنا قول إنت عايزنا نروح فين بس). قال (انت بتاخدنى على أد عقلى، عمركم ما هتفهمو طول ما انتم هنا، انتو عارفين قرى مصر فيها إيه؟ إنت لو خرجت بره وسط البلد الناس مش هتفهم أصلا انت بتقول إيه). رد عليه أحدهم (وانت أصلا بتقول إيه؟). (لأنك مش عايز تفهم). قالها زميلى كآخر كلمة، وبعدها تركه الشباب يقف وحده واندفعوا يركضون ليلحقوا بالمسيرة التى ابتعدت. انتبه أخيرا لوجودى، صافحنى مندهشا ومتسائلا ثم قائلا (حسيتى بلهجة الاستخفاف فى كلامهم.. شوية.. شوية كانوا هيقولوا لى روح خد دوا الكحة!!). قلت له: أبدا إنت شاب أكتر منهم. صديقى القديم فعلا شاب يقترب من الستين، هو الذى أمدنى بشحنة الحماس المفتقدة.